رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مركز حماية «الخلافة العائلية»

انضم مروان بن الحكم بن أبى العاص إلى جميع المعسكرات التى عادت وناوأت عليًا بن أبى طالب، كرم الله وجهه، سارع إلى الانخراط فى جيش الجمل الذى قادته أم المؤمنين عائشة والصحابيان طلحة والزبير، وانضم إلى جيش معاوية- ابن عمومته- فى الشام وسانده بكل قوته حتى آلت الخلافة إليه، بعد اغتيال على، وتنازل ولده الحسن عن الخلافة لمعاوية، حقنًا لدماء المسلمين، لكن معاوية لم يكتفِ بذلك لأنه أراد أن تنتقل الخلافة من بعده إلى ولده يزيد، وليس إلى الحسن، كما كان الاتفاق، فكان أن دس له السم فى العسل، وتخلص منه.

كأن مروان بن الحكم كره كل من ينتمى إلى بنى هاشم، فقد ظل يناوئ عليًا ويقاتل فى الصفوف المعادية له، وبعد اغتياله كان له موقف معادٍ من أولاده وأحفاده، سواءً وهم أحياء أو وهم بين يدى الله، يشهد على ذلك موقفه من مسألة دفن «الحسن» عند جده النبى، صلى الله عليه وسلم. فقد مات الحسن بن على مسمومًا سنة ٤٩ هجرية، دست له السم زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندى، بإيعاز من معاوية، ووصّى أن يدفن عند النبى، صلى الله عليه وسلم، إلا أن تُخاف فتنة فينقل إلى مقابر المسلمين، فاستأذن الحسين عائشة فأذنت له، فلما توفى أرادوا دفنه عند النبى، صلى الله عليه وسلم، فلم يعرض إليهم سعيد بن العاص، وهو الأمير على المدينة، لكن مروان بن الحكم اعترض، وجمع بنى أمية وشيعتهم ومنع عن ذلك، فأراد الحسين الامتناع، فقيل له: إن أخاك قال «إذا خفتم الفتنة ففى مقابر المسلمين»، وهذه فتنة.

كانت دار مروان بن الحكم بالمدينة مركز أو مقر اجتماعات بنى أمية، ففى كل المواقف التى وقفت فيها هذه العائلة فى مناوأة بنى هاشم وأنصارهم كانوا يهرعون إلى دار «مروان» للتخطيط والتدبير واتخاذ القرارات التى يقفون بها ضد أى محاولات لوضع بنى أمية فى حجمهم، مثلما حدث فى ثورة «الحرّة» حين ثار أهل المدينة على بنى أمية وخلعوا بيعة يزيد بن معاوية، وخلعوا واليه على المدينة، وكذلك على مكة. ولمواجهة هذا الموقف اجتمع بنو أمية فى دار مروان بن الحكم، وأحاط بهم أهل المدينة يحاصرونهم. وقد اعتزل على بن الحسين هذه الثورة، ورغم ذلك لم يتردد مروان بن الحكم وولده عبدالملك من أن يشاركا مسلم بن عقبة، قائد جيش يزيد الذى أخمد ثورة أهل المدينة، فى مشهد سخرية من على بن الحسين. «جاء على يمشى بين مروان بن الحكم وابنه عبدالملك، ليأخذ له بهما أمانًا عند مسلم بن عقبة، ولم يشعر أن يزيد أوصاه به، فلما جلس بين يديه استدعى مروان بشراب وقد كان مسلم بن عقبة حمل معه من الشام ثلجًا إلى المدينة، فكان يشاب له بشرابه، فلما جىء بالشراب شرب مروان قليلًا، ثم أعطى الباقى لعلى بن الحسين ليأخذ له بذلك أمانًا، فلما نظر إليه مسلم بن عقبة قد أخذ الإناء فى يده، قال له: لا تشرب من شرابنا، ثم قال له: إنما جئت مع هذين لتأمن بهما، فارتعدت يد على بن الحسين، وجعل لا يضع الإناء من يده ولا يشربه، ثم قال له: لولا أن أمير المؤمنين أوصانى بك لضربت عنقك، ثم قال له: إن شئت أن تشرب فاشرب، وإن شئت دعونا لك بغيرها، فقال هذه التى فى كفى أريد. فشرب، ثم قال له مسلم بن عقبة: قم إلىّ ههنا فاجلس، فأجلسه معه على السرير، وقال له إن أمير المؤمنين أوصانى بك، وإن هؤلاء شغلونى عنك، ثم قال لعلى بن الحسين: لعل أهلك فزعوا، فقال: إى والله، فأمر بدابته فأسرجت، ثم حمله عليها حتى رده إلى منزله مكرمًا». هذا المشهد يبدو تمثيليًا إلى حد كبير، ولا يعكس ودًا كان يشعر به مروان نحو على بن الحسين، كما يذهب «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»، فالهدف من اللقاء كان واضحًا، وهو إرعاب وإخافة ابن الحسين من تصدر أى ثورة أو حركة تمرد ضد بنى أمية، فى المستقبل، رغم علمهم جميعًا أن الرجل لم يشارك فى ثورة الحرة، لكنها خطط وتدابير ضرس بنى أمية الداهية مروان بن الحكم.

أدوار مروان بن الحكم فى التمكين للعائلة الأموية كانت الأبرز فى كل المراحل، منذ خلافة عثمان بن عفان وحتى تولى يزيد بن معاوية الحكم، وتجده ظاهرًا فى كل المشاهد المفصلية التى واجه فيها «حكم العائلة الأموية» تهديدات وجودية، منذ اللحظة التى آلت فيها الخلافة إلى على بن أبى طالب، وحتى مواجهة كربلاء الدامية التى استشهد فيها الإمام الحسين، وأهل بيت النبى، ولم يبق من ذكورهم سوى على بن الحسين، الذى عاش تحت تهديد مروان وولده عبدالملك داخل المدينة. وبعد هذا المشوار الطويل من معاداة بنى هاشم والتمكين للعائلة الأموية، كان من الطبيعى أن تأتى اللحظة التى يفكر فيها «مروان» فى تحقيق حلمه القديم بالوثوب إلى سدة الحكم، والاستيلاء على كرسى الخلافة العائلية التى أسهم مع معاوية فى تأسيسها، ولم يفلح أولاد وأحفاد الأخير فى الاحتفاظ به، خصوصًا بعد أن آل الحكم إلى معاوية بن يزيد. وقد بويع له بالخلافة فى العام ٦٤، بعد وفاة أبيه يزيد بن معاوية، ولم يمكث فى الحكم أكثر من ثلاثة أشهر حتى هلك، وقيل إنه ملك أربعين يومًا فقط ومات، وكان عمره حينذاك ٢١ سنة. وقد خطب فى أواخر عهده بالحياة- كما يحكى «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ»- خطبة حمد فيها الله ثم أثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإنى ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبوبكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم، ثم دخل منزله وتغيب حتى مات.