رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مروان» فى جيش «الجمل»

عندما فتح النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» مكة، عام ٨ هجرية، كان مروان بن الحكم طفلًا لا يزيد عمره على ٦ سنوات، غير واع بما يحدث حوله، الحدث الأهم الذى ربما تكون ذاكرته قد اختزنته فى هذا العمر، هو حدث نفى أبيه «الحكم بن أبى العاص» إلى الطائف، بقرار من النبى محمد «صلى الله عليه وسلم»، فلم يكن هذا الحدث بالهين على الأسرة، ومن الوارد أن يكون الطفل مروان قد تأثر به، وظل يطارده فى شبابه الأول. عندما تولى عثمان بن عفان الخلافة، بعد اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب، سارع «مروان» إلى تقديم نفسه كشاب واعد من شباب بنى أمية القادرين على استعادة الهيبة الأموية، التى اهتزت أمام هيبة النبوة التى شاء الله أن تكون فى «بنى هاشم». نظر الأمويون إلى تولى عثمان بن عفان الخلافة كأولى خطوات استرداد الهيبة والجلوس من جديد على منصة حكم العرب. اهتم «مروان» أول ما اهتم بموضوع شخصى يتعلق بوالده، الحكم بن أبى العاص، فأوعز إلى الخليفة بإعادته من النفى بالطائف، ففعل، وقابله، ونفحه ١٠٠ ألف دينار، لكن يبقى أن الدور الأخطر الذى لعبه «مروان» كان لصالح العائلة ككل، أو كجزء من خطة عائلية أموية للبقاء على منصة الحكم، بالدفاع عن عثمان من ناحية، والتخطيط لعدم خروج الخلافة من بنى أمية بعد ذلك.

الواضح أن مروان بن الحكم كان شديد القرب من عثمان، خصوصًا خلال السنوات الأخيرة من حكم الخليفة الراشد، التى شهدت تمردًا من جانب بعض المسلمين، نتيجة الغضب من بعض سياسات «عثمان» ومواقفه، وكان من بينها موقفه من الحكم بن أبى العاص حين أعاده من النفى، وأكرمه ووصله بالمال. ظهر «مروان» إلى جوار عثمان «رضى الله عنه»، فى العديد من المواقف، خصوصًا ذلك الموقف الذى حضر فيه وفد من المسلمين من مصر، وقدموا شكاواهم من عامله على البلاد إلى عثمان- فى حضور عدد من الصحابة- فوعدهم بالتدخل وتصحيح الأوضاع، فرجعوا إلى بلادهم، وفى طريق عودتهم اكتشفوا تلك الرسالة الموقعة باسم الخليفة والموثقة بخاتمه، يدعو فيها عثمان الوالى فى مصر إلى جلد الثائرين وحبسهم وحلق رءوسهم ولحاهم وصلب بعضهم، وحين عادوا ثانية إلى عثمان ليناقشوه فى أمر هذه الرسالة، كان عنده «مروان»، فقال للخليفة: دعنى أكلمهم. فقال عثمان: اسكت فض الله فاك! ما أنت وهذا الأمر؟ اخرج عنى! فخرج مروان، وقرأ عثمان الرسالة فأقسم بالله، قائلًا: «ما كتبته ولا علم لى به». فقال محمد بن مسلمة وكان حاضرًا: صدق، هذا من عمل مروان. 

لعب مروان بن الحكم دورًا مهمًا فى أحداث الفتنة، وهو من وقف- طبقًا لما رواه الكثير من المؤرخين- وراء تزوير هذه الرسالة على عثمان وختمها بختمه وإرسال حاملها إلى والى مصر على أحد جمال الصدقة، وهذه الحادثة هى التى دفعت المتمردين على الخليفة إلى العودة إليه ثانية وحصاره، ثم الهجوم عليه وقتله، وقد كان «مروان»- كما يروى ابن الأثير فى الكامل فى التاريخ- ميالًا إلى حث الخليفة على مواجهة الثوار. ويقول «ابن كثير» فى البداية والنهاية: «ومن تحت رأسه- يقصد مروان بن الحكم- حُصر عثمان بن عفان فى داره، وألح عليه أولئك- يقصد المتمردين- أن يسلم مروان إليهم فامتنع عثمان أشد الامتناع، وقد قاتل «مروان» يوم الدار قتالًا شديدًا»، هذا الكلام الذى يحكيه «ابن كثير» يدلل على أن عثمان كان مقتنعًا بما يفعله «مروان»، ولم يغضب عليه أو يطرده من مجلسه كما يذهب البعض، وأن الأخير كان شديد الإصرار على موقفه فى مواجهة من يريدون خلع «عثمان»، لأن خلعه يعنى خروج بنى أمية من معادلة الحكم، وذلك ما لم يكن يرضاه مروان بحال، لذلك كان شاب بنى أمية الواعد من أشد المدافعين عن عثمان، وقاتل عنه، لكنه لم يفعل له شيئًا، وانتهى المشهد باستشهاد الخليفة «رضى الله عنه». 

بعد استشهاد عثمان وانتقال الخلافة إلى على بن أبى طالب، هرب مروان بن الحكم إلى الشام، ثم انضم بعدها إلى الجيش الذى التف حول أم المؤمنين عائشة والصحابيين طلحة والزبير، الذين قرروا الخروج ضد «على» للمطالبة بالثأر من قتلة عثمان، وسار مع الناس قاصدين البصرة، وكان «مروان» يؤذن فى الناس، ويؤمهم عبدالله بن الزبير، طبقًا لتعليمات السيدة عائشة. والواضح أن «مروان» تحرك للانضمام إلى جيش «الجمل» بإيعاز من معاوية بن أبى سفيان، ليقوم بدور معين فى هذه المعركة. فـ«ابن كثير» يحكى أن مروان كان على الميسرة يوم الجمل، ويقال إنه رمى طلحة بسهم فى ركبته فقتله. والسؤال: كيف يرمى «مروان» رفيقه «طلحة» بسهم وهو فى جيشه، وقد خرج الاثنان ومن معهما للمطالبة بالثأر من قتلة عثمان؟

واقع الحال أنه كانت هناك محاولات لإثناء كل من الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله عن الاستمرار فى حرب «الجمل»، ويذكر «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» أن عليًا بن أبى طالب اجتمع بطلحة يوم الجمل فوعظه، فتأثر الأخير بكلامه، فتأخر فوقف فى بعض الصفوف، فجاءه سهم غربٌ فوقع فى ركبته، وقيل فى رقبته. ويعنى ذلك أن «طلحة» همّ أن يتراجع، وكذلك الزبير، ومؤكد أن تراجع الاثنين كان يعنى ببساطة انتهاء فتنة «الجمل»، وعودة أم المؤمنين عائشة إلى دارها، وكفى الله المؤمنين القتال، لكن يدًا مجهولة تدخلت فألقت بسهم مجهول «سهم غرب» فأصاب طلحة وقتله، وأغلب المؤرخين يجمعون على أن مروان بن الحكم هو من أطلق هذا السهم، لتشتعل الفتنة من جديد، ويبدو أن تلك هى المهمة التى أوكلها له معاوية، وهو يبعث به للانضمام إلى معسكر طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة.