تدهشنى الدنيا بوجود الست صوفيا
يعتقد الكثيرون، وكنت واحدًا منهم، أنه أمسى من الصعب أن تدهشنا الحياة بأى شىء، لكن الست صوفيا زادة أثبتت لى فى برامجها التليفزيونية أن الدنيا ما زالت قادرة على إصابتنا بالذهول والتعجب. والحق أنه بالمصادفة وحدها وقعت عينى على برامجها التى تتحدث فيها، وتقدم نفسها على أنها «دكتورة علم نفس وتفسير أحلام»، مع أنه ليس ثمة علم مستقل فى أى جامعة باسم تدريس الأحلام، لكن الأحلام تندرج فى إطار قضايا علم النفس مثلما هى الحال عند كارل يونج وغيره.
وقد أدهشنى انتشار برامج الست صوفيا، وكثرة استضافتها لتدلى بدلوها فى كل شىء، ولكى تعرف ما أقصده إليك، تفسيرها مثلًا لجذور اسم دولة «العراق»، فهى تقول بجرأة يُحسد عليها الصخر والحديد إن اسم العراق مأخوذ من «العراك، أى المشاجرة»! بينما جاء من زمان فى «معجم البلدان» لياقوت الحموى أن العراق سمى هكذا لأنه يقع على شاطئ دجلة والفرات، وكان العرب يسمون كل ما يقع قرب البحر عراقًا. أما ألمانيا فهو على حد قولها اسم مشتق من: «الألم، المعاناة، التعب»! بينما تم الأخذ بالاسم لأن أكبر قبائل الجيرمان كانت تسمى الألمان.
ولك أن تنظر إلى وجه السيدة الدكتورة صوفيا وهى تدلى بكل تلك المعلومات المبتكرة، فترى وجه إنسان أفنى عمره فى العلوم، ويهب الناس الآن خلاصة معارفه الذهبية. وتضيف الست صوفيا أن اسم فرنسا جاء من الفعل «فر»، وباريس من كلمة «بار»، لأنها بلد الخمور! بينما جاء اسم فرنسا من كلمة قديمة هى «فرانكا» التى تعنى القوة. ولا تدهشك الدنيا فقط بجرأة الست صوفيا، لكن بأمارات الانبهار على وجوه المذيعات الجالسات إليها وهن يتلقين العلم على أصوله من الست صوفيا، علمًا بأن هناك كتاب «معجم البلدان» لياقوت الحموى الذى وضعه عام ١٢٢٠ ميلادية، أى من نحو ألف سنة، وعُد موسوعة فى أحوال البلدان وأسمائها، وتلى ذلك كتاب الفيلسوف الفرنسى «أوزيب سالفرت» بعنوان: «دراسة تاريخية وفلسفية فى أسماء الأفراد والشعوب والأماكن» عام ١٨٢٣، ولكن لماذا نتعب أنفسنا وقد صرنا دكاترة فى كل شىء؟ أليس من الأسهل أن نقول إن اسم ألمانيا مأخوذ من الألم ما دام ذلك الدجل يضعنا فى صدارة البرامج المرئية، فنضع ساقًا على ساق وجهلًا على جهل ونقول ما نشاء؟
وتتسع علوم الدكتورة، التى يكتب أحيانًا أنها مصرية وأحيانًا أنها مغربية، فتفسر الأحلام بدقة متناهية، وقد تعجبت من الصفاقة غير المحدودة، لكن ما أثار دهشتى ليس فقط استضافتها بكثرة فى البرامج التليفزيونية، بل إن بعض كبريات الصحف المصرية نشر أسئلة القراء بشأن الأحلام الموجهة للدكتورة صوفيا، وإجابات العالمة الفاضلة التى أفنت عمرها فى الجهل العميق. وثمة كتاب شهير فى موضوع تفسير الأحلام هو كتاب ابن سيرين الذى توفى عام ٧٢٩ ميلادية، وترك كتابه الأشهر، الذى لا يتجاوز حدود التخمين، ومحاولات فك رموز العقل الباطن، لكنه لا يدخل فى باب العلم من ألفه إلى يائه.
على أى حال لم تدهشنى فقط جرأة الدكتورة وعبقرية أفكارها الخاصة بأن اسم باريس مشتق من كلمة «بار»، لكن أدهشتنى بالدرجة نفسها انتشار برامجها التى تدل على أن هناك مشاهدين يتابعون ذلك الهراء بنهم، ما يجعل التليفزيون حريصًا على استضافتها، وليس لذلك النهم الجماهيرى من معنى سوى أننا لم ننتصر بعد فى معركة التنوير، ونشر العلم، وربما تكون عبقريات الست صوفيا دافعًا يقودنا لكى ننشط فى مجالات التنوير والعلم، وقديمًا قال أحدهم إن الفضل فى تطوير صناعة الأقفال يعود إلى لصوص المنازل، وقد يعود الفضل فى تطوير التنوير إلى رموز الجهل العميق، ورب صوفيا نافعة.