من قلب الجحيم.. أسرى فلسطينيون محررون يروون لـ«الدستور» يوميات التعذيب داخل السجون الإسرائيلية
ظهوره الذى قلب العالم، بعينيه الجاحظتين ولسانه المتلعثم ويديه المرتعشتين المليئتين بالجروح، جعل الجميع يتساءل عما يحدث خلف أسوار سجون الاحتلال الإسرائيلى، ليصل الأسير الفلسطينى المحرر «بدر دحلان» إلى هذه الحال التى ظهر عليها الأسبوع الماضى.
الجميع صار يتساءل عما يفعله المحتل من أفعال جنونية ضد الإنسانية فوق الأراضى الفلسطينية، بعيدًا عن كاميرات التصوير وأعين مواقع التواصل الاجتماعى، التى لا تكفى كلمة «كابوس» التى نطق بها الأسير الفلسطينى لوصفها.
ولنقل جزء من الصورة المأساوية خلف أسوار سجون الاحتلال، تواصلت «الدستور» مع عدد من الأسرى الفلسطينيين المحررين منذ عدة أيام، لرصد شهاداتهم وحكاياتهم المفزعة عن أيام الأسر داخل السجون الإسرائيلية، لكشف هول ما عاشوه وعرضه أمام أعين العالم، الصامت كثيرًا، بل المدافع عن الاحتلال المجرم وما يرتكبه من فظائع وجرائم يندى لها جبين الإنسانية.
عاهد الراس: تكبيل دائم.. عصب العينين حتى أثناء النوم.. واغتصاب جنسى من الكلاب
«اسمى عاهد صلاح الراس، أعمل تاجر أدوات منزلية مستوردة من مصر والصين وتركيا، والحمد لله أنا من أسرة وضعها المادى جيد، ونحن من سكان مدينة غزة من مخيم الشاطئ، وقبل الحرب بأسبوعين كنت فى مصر التى أزورها دائمًا لأنى أحبها وأعشق أهلها، وشعبها طيب القلب، فمصر حلوة، وتجارتها وناسها طيبون»، بهذا عرّف الأسير الفلسطينى المحرر نفسه وحكى عن حياته، قبل أن يبدأ روايته عما حدث له ولعائلته بعد بدء الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة.
يقول «عاهد»: «عندما بدأت الحرب عندنا فى الشمال بقسوة وعنف طلب منا الجيش الإسرائيلى المحتل النزوح إلى الجنوب، فنزحت أنا وعائلتى إلى خان يونس واستقررنا هناك لمدة شهرين، ثم بدأ المحتل فى إخلاء خان يونس وطلب منا التوجه لمنطقة المواصى ورفح، فغادرت وعائلتى مرة أخرى».
ويضيف: «وقتها كان الجيش الإسرائيلى يصنع الحواجز فى كل المداخل، لكنى ذهبت للنزوح برفقة عائلتى لأنى مدنى ولا أخاف شيئًا، فلا شىء مما أفعله يضر الجيش الإسرائيلى أو الكيان برمته، لكنى فوجئت بقوات الاحتلال عند التفتيش فى (الحلبات)، وهى المنطقة الفاصلة بين خان يونس ورفح، تنهرنى بقوة وتطلب منى الانفصال عن عائلتى، وعندما أخبرتهم بأن معى أطفالًا أمسك بأيديهم، قالوا لى: ودّيهم لأمهم».
ويتابع: «بالفعل ذهبت بأطفالى إلى أمهم، لأن الاحتلال كان يجعل الرجال يدخلون التفتيش منفصلين عن النساء، ثم عدت إلى الجنود الإسرائيليين، ومنذ هذه اللحظة بدأت رحلة الاعتقال التى استمرت ٦٥ يومًا».
هكذا ودون أسباب، بدأت رحة اعتقال الشاب «عاهد»، التى عانى خلالها من جرائم لا يتحملها عقل، حدثت له أو لغيره من الأسرى الذين كانوا معه، الذين لا يزال معظمهم قابعًا فى ظلام الأسر حتى الآن أو ربما مجهول المصير بالكامل.
عن أول أيام اعتقاله يقول الأسير المحرر عاهد صلاح: «قوات الجيش الإسرائيلى أخذتنى وجردتنى من جميع ملابسى، وربطت شريطًا على عينى، وكبلت يدىّ من الخلف، وبدأت الضرب والسب والإهانة، ونقلتنى ومن معى من مكان الحجز الأول إلى مكان آخر قريب منه، ووضعتنا داخل مبنى به حفر كبيرة من الرمل، وكأننا فى صحراء، وتم رمينا فى تلك الحفر، وبدأت فى إهالة الرمال فوقنا، حتى وصلت إلى ما فوق الركبة، وفى هذه اللحظة فقدنا الأمل فى العيش ورددنا الشهادة وقرأنا القرآن، لأننا تخيلنا أنها سوف تضربنا بالرصاص، وتدفنا فى أماكننا».
ويضيف: «فى تلك اللحظات، بدأ جنود الجيش الإسرائيلى حولنا فى السخرية منا واستمروا فى السب والشتم، وكانوا يقولون وهم مستمرون فى الضحك: نحن نريد قتلكم أنتم وكل غزة، وفى التحقيقات معنا كانوا يقولون: أنتم يا أهل غزة لا أحد يحبكم، ولا أحد معكم، وكنت أسأل أحد ضباطهم: إحنا مدنيين ما شأننا؟ هل تعاقبوننى لأنى فلسطينى غزاوى؟، فقال لى: كل غزة حماس، لكنى قلت له: إحنا مش حماس».
ويتابع: «بعد فترة على هذا الوضع أخذونا ووضعونا داخل سيارة شحن مصفحة، ونقلونا إلى مبانٍ خرسانية (بركسات) داخل إسرائيل، مع استمرار الضرب المبرح لنا».
وعما حدث بعد ذلك، يقول الأسير الفلسطينى: «ظللت أنا ومن معى طوال ٦٥ يومًا معصوبى الأعين ولا نرى شيئًا، وكانت يداى فى كلبشات من الأمام، وداخل مبنى البركس كان الجنود الإسرائيليون يطلقون علينا الكلاب البوليسية المدربة، ويضعوننا فى حالة استسلام تامة للكلاب، أى أننا نكون عارين ومنبطحين على وجوهنا لساعات، حتى إن هناك شبابًا ممن كانوا معى اغتصبتهم الكلاب جنسيًا، وكنا نسمع صراخهم ونحن مكتفون ومعصوبو الأعين، لكن أحدهم حكى لى عن تفاصيل ما حدث له بعد ذلك بصوت خفيض، حتى لا يسمع جنود الاحتلال همهماته، وهو لا يزال حتى الآن قابعًا فى الأسر».
ويتابع: «كانت الكلاب تعض بعض الشباب بطريقة معينة لأنها مدربة، وساعتها يضطر الشاب لاتخاذ وضعية معينة من الألم، ولحظتها يبدأ الكلب فى اغتصابه جنسيًا، لأن هذا ما يدربه عليه الجيش الإسرائيلى».
ما يكشفه «عاهد» ليس المأساة الوحيدة التى تعرض لها هو ومن معه فى سجون الاحتلال، فطوال أيام الأسر كان التهديد مستمرًا بعرض هؤلاء المحتجزين أمام الخنازير، التى ستفعل بهم ما لا يمكن تخيله، على حد تعبير الجنود الإسرائيليين.
الاستيقاظ فى الأسر، كما يروى «عاهد»، كان يتم عنوة وفى الخامسة صباحًا، ويستمر جلوسهم على الأرض الخشنة على ركبهم مع منعهم من تغيير وضعية الجلوس أو النوم أو الراحة حتى العاشرة مساء، مع عصب أعينهم وتكبيل أيديهم، وحرمانهم من رفع رءوسهم وأعينهم عن الأرض، وحتى أثناء النوم، الذى قد لا يطول عن ساعتين فقط، يظل عصب الأعين مستمرًا، لأنه من غير المسموح للأسير أن يرفع قطعة القماش التى تغطى عينيه وإلا تعرض للضرب المبرح.
ويؤكد الأسير الفلسطينى المحرر عاهد الراس أنه لم يكن يدرك أن أساليب الاحتلال الإسرائيلى قد تصل إلى مستوى الوحشية التى تعرض لها، وإلا لكان هرب منهم ولم يعد إليهم عند التفتيش أثناء النزوح، حتى لو وصل بهم الأمر إلى قتله، لأن الموت أهون مما تعرض له فى أسره.
ويؤكد «عاهد» أنه يحمد الله كثيرًا على أنه أنجاه من كل ما شهده من عذاب، متمنيًا أن يحصل كل أسير فلسطينى على حريته وأن يتحرر الفلسطينيون جميعًا من الأسر والاحتلال، الذى أذاقهم كل ألوان العذاب والوحشية.
مأساة الأسير الفلسطينى لم تنته عند خروجه من الأسر، لأن خروجه كان مثل دخوله، مأساويًا ومحزنًا، فقد رماه جنود الجيش الإسرائيلى على حدود غزة وضربوه هو ومن معه، وقالوا لهم: «روحوا موتوا فى غزة».
ويضيف «عاهد»: «تم تسليمنا بعدها للصليب الأحمر، وأعطتنا وسائل اتصال، فحاولت أن اتصل بزوجتى وإخوتى لأذهب إليهم لكن لم أستطع الوصول إلى أى منهم لعدم وجود استقبال لديهم، فكل هواتفهم المحمولة مغلقة، فى ظل ما تعرضت له وسائل الاتصال فى غزة من دمار، بالإضافة إلى صعوبات شحن الهواتف، فظللت أبكى ولا أعرف إلى أين أذهب وأين أبحث عنهم».
أسرة «ب. أ»: عذبوه بالحرمان من الطعام والماء.. وسجّانه تبول فى فمه
المأساة الثانية ترويها أسرة الأسير المحرر «ب. أ»- الذى يرقد فى العناية المركزة بعد خروجه من الأسر- على لسان ابنة خاله، التى تؤكد أن تجربة الأسر تظل مريرة بكل ما تعنيه الكلمة، لكن مرارتها ازدادت كثيرًا بعد الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، خاصة فى ظل ما تعرض له «ب. أ»، الذى لا يتجاوز عمره ٢٣ عامًا، رغم أنه مر سابقًا بتجربة الأسر لمدة ٣ سنوات متواصلة، حُرم فيها من التقدم لامتحان الثانوية العامة لمدة عامين، قبل أن توافق إدارة سجون الاحتلال على استكماله دراسته.
وتقول ابنة خال الأسير: «بعد خروجه من الأسر فى المرة الأولى عمل ميكانيكيًا للسيارات، وظل مدنيًا لا علاقة له بالمقاومة، لكن تم اعتقاله مرة أخرى، وكان وقت الاعتقال بعد منتصف الليل وعبر هجوم وحشى على بيته، مع تكسير كل ما تصل إليه أيدى جنود الاحتلال، والتهديد بالقتل، وتعصيب العينين، ثم تم جره بوحشية، مع ضربه على كل أنحاء جسده».
وعن يومه الأول فى الأسر هذه المرة، تقول ابنة خال «ب. أ» إنه حكى لها عن تحويله إلى مركز تحقيق عصيون، الذى ظل فيه مكبل اليدين ليل نهار، بلا طعام ولا ملابس، حتى فى شهور البرد، مع تعذيبه بأصوات مزعجة، والوعيد بأنه سيتعفن فى السجن وحيدًا معزولًا.
وتضيف: «وقت الاعتقال كان قبل ٦ أشهر، ولم يعرف طوال فترة الأسر إن كان الوقت ليلًا أم نهارًا، ولا يعلم عدد الأيام التى أمضاها فى التحقيق، فلا مواقيت صلاة، ولا طعام آدمى، بل لا شىء غير الضرب والإهانة والتعذيب، والتى بقيت آثارها على ساعديه، مع آثار الحروق من أعقاب سجائر الجنود».
وتتابع: «ظل الأسير مكلبشًا وبوضعية القرفصاء لمدة يومين دون نوم، وكان استخدام دورة المياه نادرًا وبطريقة مهينة، لكن أسوأ ما تعرض له هو قيام أحد جنود الاحتلال بالتبول فى فمه، إلى جانب تنكيل المجندات به، وإهانته على أيديهن بطرق غير أخلاقية».
وتؤكد ابنة خال «ب. أ» أن ما حدث هذه المرة لقريبها فى السجن كان صادمًا له، ومختلفًا كثيرًا عما رآه فى أسره السابق، الذى كان يتعرض فيه أيضًا للضرب والشتم والتنكيل.
وتشير إلى أن الشباب الفلسطينيون داخل الأسر يؤازرون بعضهم البعض، لأن كلًا منهم له قصة وحكاية وتجربة خاصة، وما يجعلهم جميعًا صامدين هو الإيمان بقضيتهم وأنهم أصحاب الحق، وأنهم يدفعون ثمنًا باهظًا من أجل تحرير مسرى رسول الله.
وشددت على أن صمود «ب. أ» ليس غريبًا، لأنه ابن عائلة فيها جد مقاوم للمحتل الإنجليزى، وعم أُبعد قسرًا إلى الأردن وتوفى هناك، ووالد تعرض للأسر لفترات متتالية، وابن عمة أسير محكوم عليه بالمؤبد، فضلًا عما تعرضت له الأسرة كلها من معاناة اللجوء وحياة المخيمات.
وتوضح ابنة خال الأسير المحرر «ب. أ» أن خروجه من الأسر كان معجزة، لأنه نجا من الجحيم بسبب مرضه، بعدما عذبوه وتركوه لأيام دون دواء أو رعاية صحية، ولا زيارات من محاميه، ليشاء القدر أن يُفرج عنه لتردى حالته الصحية.
وتضيف: «كان محظوظًا بفضل الله، ولم يمت فى ظل الظروف المأساوية مثلما حدث لغيره، لكن تم الإفراج عنه دون سابق إنذار وبالليل، مع مجموعة من الأسرى من سجن عوفر القريب من رام الله، لكنه كان فى حالة مزرية، وكان أصفر الوجه وشاحب العينين، ولا يستطيع الوقوف بشكل متزن، ونحيلًا حتى تكاد ترى عظامه من شدة نحافته، وكان شعره مائلًا للاصفرار».
وتابعت: «العائلة أدخلته المستشفى لإجراء فحوصات، وتبين أنه أصيب بنقص مناعة حاد، وضعف شديد، وتم تحويله إلى العناية المركزة، مع متابعة حالته بشكل حثيث للحفاظ على حياته، وحاليًا ما زال فى العناية المركزة تحت مراقبة الأطباء».
وفى ختام حديثها لـ«الدستور»، تقول ابنة خال الأسير المحرر إن ما يحدث حاليًا هو دين المحتل الغاصب منذ نشأته، فهو لا يراعى حقوق إنسان، ولا القانون، ولا الأخلاق، ومنذ عام ١٩٤٨ ظل كيانًا قائمًا على قتل النساء والأطفال والشيوخ وهدم البيوت، ومنذ نشأته غير الشرعية والفلسطينى ما زال يقاوم بكل ما أوتى من قوة لنيل حقه المشروع، أمام كيان قائم على الدماء والقتل والسرقة والنهب.
«م. ح»: التجريد من الملابس.. منع الدواء.. والسجن داخل عنبر دواجن
«أعمل ممرضًا بوزارة الصحة الفلسطينية، وأعول ٨ أفراد، هم زوجة و٤ أبناء وبنت وأخت معاقة وأخت كبيرة تعانى من عدة أمراض»، بهذا عرف الممرض الفلسطينى «م. ح» نفسه وأسرته، قبل أن يبدأ حكايته لـ«الدستور» عن أيامه فى الأسر والسجون الإسرائيلية، ومعاناته الكبرى من المخاوف من فقدان أسرته.
معاناة «م. ح» بدأت كما يقول منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مع توالى سقوط الجرحى والشهداء، وازدادت حدتها منذ يوم ١٤ أكتوبر ٢٠٢٣، مع توجهه إلى جنوب قطاع غزة ومدينة خان يونس، للعمل بمركز تدريب لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا»، التى ظل بها حتى يوم ٢٥ يناير ٢٠٢٤، قبل أن تعتقله قوات الاحتلال الإسرائيلى بعد حصار المركز، الذى كان يتواجد فيه ٣ آلاف نازح فلسطينى.
عن ذلك يقول الممرض الفلسطينى: «أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلى العديد من القذائف والرصاص على النازحين، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات منهم، وبعد يومين من الحصار، طلبت القوات من النازحين المغادرة والمشى إلى حاجز أقامه جيش الاحتلال على بعد كيلومترين من مركز الإيواء، ثم المرور على الحاجز وترك جميع المستلزمات والأغراض الشخصية، وخلال المرور على الحاجز تم اعتقالى».
ويضيف «م. ح»: «بعد الاعتقال جردونى من جميع ملابسى، حتى الملابس الداخلية، على مسمع ومرأى من جميع النازحين، وتم تصويرى من جميع الاتجاهات (عارى الجسد)، بعد ذلك ارتديت لباسًا خفيفًا يشبه الكفن الأبيض، وتم عصب عينى وربط يدى من الخلف، وإجبارى على الجلوس على ركبتى فوق الحجارة والحصى، وخلال الجلوس ضربونى بالعصى والبنادق على جميع أنحاء جسدى».
بعد ساعات عديدة من هذا الوضع المهين والمؤلم، وضعت قوات الاحتلال الممرض الفلسطينى ومن معه بغرفة صغيرة يتكدسون فيها فوق بعضهم، وفى منتصف الليل كان يأتى جنود الاحتلال ويأخذون أحد الأسرى ويخرجون به إلى خارج المبنى، ليسمع الباقون صراخه، مع سماع دوى لإطلاق النار وحركة الجرافات، ما يجعلهم يظنون أن الأسرى يتم إعدامهم ودفنهم.
ويواصل: «عندما أتى دورى أخذنى أحد الجنود وأطلق الرصاص فوق رأسى، ثم ضربونى بالعصى، وبعدها رمونى فى سيارة شحن، وأخذونى إلى الحدود الفلسطينية الإسرائيلية، وهناك وضعونى على الحصى فى البرد القارس أمام الرياح وتحت المطر فى ساعات الفجر المتأخرة، وبعدها نقلونى والأسرى إلى سجن فى الداخل الإسرائيلى، وفى الطريق إلى السجن انهال علينا الجنود بالضرب الشديد بالعصى والأسلحة لعدة ساعات، ونحن معصوبو الأعين ومكبلو الأيدى بدون أى سبب أو تهمة».
ويشير الأسير المحرر إلى أنه عندما وصل إلى الداخل الإسرائيلى كان سجنه عبارة عن مبنى خرسانى «بركس»، يشبه المستخدم فى تربية الدواجن، وكان ضيقًا على عدد الأسرى الذى فاق المائة، مع استمرار تعصيب الأعين وتكبيل الأيدى، حتى عند النوم أو تناول الطعام أو دخول الحمام.
ويؤكد الأسير الفلسطينى أن هذا لم يكن الأسوأ، مشيرًا إلى أن أشد ما مر به كان عندما تعرض لوعكة صحية شديدة، عانى خلالها من ارتفاع فى حرارته، ومن الوجع الشديد بكل أنحاء الجسد والصداع الذى لا يُحتمل، ما جعله يتوسل للجنود الإسرائيليين كى يعرضوه على طبيب، لكن دون جدوى.
ويكمل: «كانت المعاملة سيئة للغاية، فضلًا عن النوم الإجبارى فى العاشرة مساءً والاستيقاظ فى الخامسة صباحًا، وتعمد تشغيل الكشافات العالية طوال الليل وأثناء النوم، ورفع أصوات الجنود وتعمد الضحك والغناء فوق رءوس الأسرى، لإيقاظهم كلما ناموا».
ويشير «م. ح» إلى أن المأساة الكبرى للأسرى كانت فى الشتاء، حيث ينامون فى سجون الاحتلال على جلد خفيف جدًا مع منحهم بطانية وحيدة للنوم بدون وسادة، مع عدم تنظيف السجن مطلقًا طوال فترة الأسر، وإتاحة الاستحمام بالماء البارد مرة واحدة أسبوعيًا، ولفترة ربما لا تزيد على دقيقة واحدة فقط لكل سجين، مع إجباره على ارتداء نفس الملابس المتسخة مرة أخرى.
أما عن قضاء الحاجة، فإن دخول الحمام فى السجون الإسرائيلية يكون بالدور، وبعد الوقوف فى طابور لا ينتهى إلا بعد عدة ساعات، مع تكبيل اليدين وعصب العينين، والإجبار على شرب الماء من حنفية الحمام المتسخ، لأن الماء لا يسمح بشربه إلا عند قضاء الحاجة فقط، أما الطعام فلا يزيد على شريحة خبز مع ملعقة واحدة من الجبن.
ويؤكد الممرض الفلسطينى «م. ح» أنه قضى ٤٧ يومًا فى كابوس، كان ينتظر خلاله فى كل دقيقة أن يخرج إلى الحياة، وكان يقضى يومه بالدعاء والتسبيح، لأنه لا يستطيع أداء الصلاة بسبب الظروف التى يمر بها.