"عليك أن تكبح جماح قلبك".. جماليات قصة الغريق من الأدب المصري القديم
يزخر الأدب المصري القديم بكثير من القصص، التي ربما لم يصل إلينا منها إلا القليل، ومن أشهرها قصة "الغريق" التي عُثر عليها "جلونيشف"، العالم الأثري الروسي، وهي محفوظة الآن في متحف ليننجراد، وهو أول مَن درسها.
وفي التقرير التالي، نكتشف أبرز ملامح وجماليات قصة الغريق، من الأدب المصري القديم، وفقًا لموسوعة "مصر القديمة" للعالم الأثري سليم حسن.
ملخص قصة "الغريق"
جاء بملخص قصة الغريق، أنه ذات يوم أرسل الملك أميرًا من أمراء الفنتين إلى أرض الإله- بلاد الصومال- ليحضر بعض النفائس، فلم يُوفَّق في مهمته فرجع خائبًا، ولاقى في طريقه أهوالًا عظيمة وصل بعدها إلى أرض الوطن سالمًا، ولكنه كان حزينًا يتوقَّع شرًّا مستطيرًا عند مقابلته لفرعون وإخباره بما مُنِي به من الفشل.
وتبدأ القصة، أنه كان لهذا الأمير تابع أمين أحزنه ما رآه على وجه متبوعه من الحزن والألم، فأراد أن يهدئ خاطره، ويخفِّف من آلامه، فذكر له قصة "أنه كان مسافرًا على ظهر سفينة إلى بعض الأصقاع الغنية بمعادنها، ليؤدي رسالة ملكية وحدث أن ثارت عاصفة هوجاء حطمت سفينته، وأرسلتها إلى قعر البحر، فغرق ركَّابها ولم ينجُ إلا ذلك التابع البحَّار؛ حيث حمله الموج على أجنحته إلى جزيرة رملية، فلما أفاق من غشيته رأى أمامه ثعبانًا هائلًا فكاد يطير قلبه شعاعًا، ولكن ذلك الثعبان الهائل حارس الجزيرة أحسن استقباله، وأخذ يطيب خاطره، ويسري عنه بذكر مجازفة حدثت له مثل مجازفة ذلك البحَّار، وانتهت بنجاته، ثم تنبَّأ له بأن سفينة مصرية ستمر بهذه الجزيرة، وستحمله إلى مصر سالمًا".
ويظهر أن قصة الغريق هذه، التي قصها التابع ليتأسى بها متبوعه ولتهدأ بسماعها نفسه، إذا ما رأى أن الأمور المحزنة قد تنتهي بخير وسلام؛ لم تُحدِث أثرَها المطلوب في نفس سامعها؛ إذ إن البحار ما كاد ينتهي من سردها حتى فاجأه ذلك الأمير بقوله: "إن قولك هذا كمَن يسقي طيرًا في الصباح المبكر ليذبحه بالنهار" أي إنه مقضي عليه بالموت لا محالة، فلا فائدة من هذه المسكِّنات.
حِكم وجماليات قصة "الغريق"
يلفت العالم الأثري سليم حسن إلى أن قصة الغريق، من الأدب المصري القديم، التي تم تصويرها بهذا الأسلوب، لا يمكن أن تكون قصة للعامة؛ فهي قطعة أدبية ذات أسلوب رشيق ترمي إلى أهداف سامية، وتعبِّر عن عواطف مختلفة، فنرى القاصَّ يتألَّم لغرق سفينته بركَّابها، وعدم نجاة أحد سواه، ويتألَّم لوصوله إلى جزيرة لا إنسان فيها، ويعبِّر لنا عن خوفه وهلعه عند ظهور حاكم الجزيرة الروحاني، وهو ثعبان عظيم الجسم له رأس إنسان.
ومن جماليات القصة أيضًا حديث الثعبان للبحار، حيث جاءت على لسانه عظة، يقول فيها: «ما أشد فرح الإنسان الذي يقص ما ذاقه بعد زوال الكارثة».
كما نصح الثعبان الملاح الغريق قائلًا: «إذا كانت لديك شجاعة، فعليك أن تكبح جماح قلبك» ثم طمأنه على أنه سيعود إلى وطنه بعد أربعة أشهر، وسيرى ثانية زوجته وأولاده في مصر.