رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثيودور ميرون.. الرجل الذي حاول إنقاذ إسرائيل من نفسها

ثيودور ميرون
ثيودور ميرون

تحت عنوان: "الرجل الذي حاول إنقاذ إسرائيل من نفسها" نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالا للصحفي والمؤرخ الإسرائيلي غيرشوم جورنبرج، ناقش فيه طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بسبب ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية في غزة.

وسلط جورنبرج خلال مقاله، الضوء على شخصية مهمة جدا فيما يتعلق بالقانون الدولي، ظهر اسمه بين أبرز المستشارين الذين اعتمد عليهم مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية فيما إذا كانت الجرائم المرتكبة في غزة ترقى إلى الإبادة الجماعية.

وقال المؤرخ الإسرائيلي، إن الغضب أداة سيئة للحكم على ما إذا كان خان لديه قضية ضد نتنياهو وغالانت. بالنسبة لي، مفتاح الإجابة على هذا السؤال يكمن في اسم ثيودور ميرون.

وقبل تقديم طلبه، قدم خان شهادته إلى لجنة من كبار الخبراء في قوانين الحرب. واتفقوا بالإجماع على أن هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن المشتبه بهم الذين حددهم قد ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. ويعد تيودور ميرون - وهو أحد الناجين من المحرقة، وهو رجل قانون ودبلوماسي إسرائيلي سابق يبلغ من العمر 94 عاما - أبرز هؤلاء الخبراء على الإطلاق.

في أرشيف الدولة الإسرائيلية، عثر غيرشوم جورنبرج، منذ أكثر من 20 عاما أثناء بحث كان يجريه عن تاريخ المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، على وثيقة تحمل توقيع ميرون، في ملف رفعت عنه السرية من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، أعاد الإشارة إليها مع ما صاحب حديث خان من لغط وغضب داخل إسرائيل. 

من هو ثيودور ميرون؟

ولد ميرون في عام 1930 لما وصفه بـ"عائلة يهودية من الطبقة المتوسطة" في كاليش، بولندا. انتهت "طفولته السعيدة" في سن التاسعة مع الغزو الألماني.. نجا من المحرقة بينما كان يعيش في الأحياء الفقيرة ومعسكرات العمل النازية. وعندما كان في الخامسة عشرة من عمره، تمكن من الهجرة إلى مدينة حيفا في فلسطين التي كانت تحت الحكم البريطاني آنذاك.

أكمل دراسته ليحصل على شهادة الحقوق في الجامعة العبرية، ثم الدكتوراه في جامعة هارفارد ودراسات ما بعد الدكتوراه في القانون الدولي في كامبريدج.

وبعد نكسة عام 1967، تم تعيين ميرون مستشارا قانونيا لوزارة الخارجية الإسرائيلية باعتباره عبقري يبلغ من العمر 37 عاما.

وبحسب كاتب المقال، فإنه من المحتمل ألا تكون إسرائيل في هذا الوضع لو أن حكومتها أخذت تيودور ميرون على محمل الجد في سبتمبر 1967.

في ذلك الوقت، كان رئيس الوزراء إشكول يدرس ما إذا كان ينبغي لإسرائيل إنشاء مستوطنات في الأراضي التي احتلتها في الحرب غير المتوقعة قبل ثلاثة أشهر. كان إشكول يميل نحو إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان.

وكان رد ميرون قاطعا: الاستنتاج الذي توصلت إليه هو أن الاستيطان المدني في الأراضي المحتلة يتعارض مع الأحكام الصريحة لاتفاقية جنيف الرابعة، وأوضح أن اتفاقية عام 1949 بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب تمنع قوة الاحتلال من نقل جزء من سكانها إلى الأراضي المحتلة. وكتب أن هذا البند يهدف إلى منع الاستعمار من قبل الدولة الغازية.

وكان من الممكن أن يؤدي قبول رأي ميرون في ذلك الوقت إلى اتخاذ موقف مختلف تجاه القانون الدولي بين السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين، أي موقف الالتزام الصارم. وربما كان مثل هذا الموقف ليدفع نتنياهو وجالانت إلى إدارة الحرب الحالية بطريقة مختلفة، وتجنب الملاحقة من المحاكم الدولية. بحسب الكاتب.

ميرون والقانون الدولي

وبعد عقد من الزمن، انتقل ميرون إلى كلية الحقوق بجامعة نيويورك. ووُصفت كتاباته القانونية بأنها "ساعدت في بناء الأسس القانونية للمحاكم الجنائية الدولية" بدءًا من تلك التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1993 للتعامل مع الجرائم المرتكبة في الحروب التي أعقبت تفكك يوغوسلافيا.

بحلول ذلك الوقت، كان ميرون مواطنا أمريكيا، وتم تعيينه قاضيا في تلك المحكمة في عام 2001. وعمل لعدة سنوات رئيسًا لها وفي محكمة الاستئناف التابعة لها. وقال في إحدى المقابلات إنه وجد موقفه مؤثرا، فالطفل الذي كان سجينا لدى النازيين يتولى الحكم في الجرائم بما في ذلك الإبادة الجماعية. 

وفي التسعينات من عمره، أصبح ميرون أستاذا للقانون مرة أخرى، هذه المرة في جامعة أكسفورد، بالإضافة إلى كونه مستشارا لخان، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، في القضية المرفوعة ضد قادة إسرائيل وحماس مؤخرا.

وأكد ميرون والخبراء الآخرون أن الأدلة والقانون يوفران الأساس لمحاكمة نتنياهو وجالانت.

التهمة الأساسية الموجهة ضد نتنياهو وغالانت هي أنهما انخرطا في خطة مشتركة لاستخدام التجويع وغيره من أعمال العنف ضد السكان المدنيين في غزة ومعاقبة سكان غزة.