رحلة "الزعيم" في مواجهة الفساد والتطرف الديني و"رسالة مهمة" للشعب
عادل إمام.. فنان من طراز خاص حفر اسمه بحروف من ذهب ليظل حالة لن تتكرر في تاريخ السينما المصرية، فعلى الرغم من أنه كوميديان مجاله إلا أنه صاحب أسلوبا وطابعا ورؤية خاصة جدا من ناحية الموضوعات التي يقدمها في أفلامه طوال مسيرته الفنية التي امتدت إلى أكثر من ستة عقود، ناقش خلالها الكثير من القضايا الشائكة والتي لم يجرأ أحد على تناولها بالأفلام السينمائية التى قدمها ليؤكد أن الفن رسالة هادفة ومرآة للمجتمع.
رحلة الزعيم فى مواجهة الفساد والإرهاب والتطرف الديني
إذا نظرنا إلى رحلة الزعيم السينمائية نجد أن كل فيلم قدمه عادل إمام، كان له شكل خاص في طرح قضايا سياسية مع اختلاف شكل المعالجة، فدائمًا نجد أن طرح موضوع الفساد سواء في الحياة الاجتماعية أو السياسية متصل بمناخ الحرية السائد في المجتمع، إلا أفلام الزعيم، فقد كان دائما صاحب موقف ولديه رؤية مستقبلية مع صناع العمل الذي يقدمه وله بصمات واضحة وبارزة في تناول القضايا التى رصدت الفساد في الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال شخصيات مختلفة بدءا من عسكري الشرطة مرورا بالموظف الحكومي والصحفي والمحامي والمهندس حتى الإرهابي كل هذه الشخصيات التي رصدت قضايا وعبرت عن المجتمع في مراحل مختلفة ومتنوعة.
حكاية "الغول" واتهامه بالتواطؤ مع رجال الأعمال على حساب مصالح الشعب
على الرغم من مرور 41 عاما على إنتاجه، إلا أن فيلم "الغول" يعد من أجرأ أفلام عادل إمام، وناقش من خلاله فساد رجال الأعمال بشكل مباشر، لدرجة أنه مُنع من العرض داخل مصر وخارجها بسبب وجود مشهد اعتبرته الرقابة عام 1983 إسقاطًا على حادث اغتيال السادات، وأصبح الفيلم قضية رأي عام بحجة تعرضه لأجهزة الدولة واتهامه لها بالتواطؤ مع رجال الأعمال على حساب مصالح الشعب، وتشجيعه للثورة ضد أصحاب رؤوس الأموال، كما اعتبر البعض أن مقتل "الغول" يشبه حادثة المنصة واغتيال السادات؛ ومن ثم عُرض الفيلم أكثر من مرة على رجال السياسة والصحافة، ولم يُجز إلا بعد عرضه على وزير الثقافة، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات الطفيفة التي لم تؤثر فى الفيلم.
ويرصد فيلم الغول، الذي يشارك في بطولته نخبة كبيرة من الفنانين على رأسهم فريد شوقي ونيللي، سيطرة رجال الأعمال على المجتمع، وقدم خلاله عادل إمام شخصية الصحفي، الذي يقف ضد رجل أعمال كبير، يتورط نجله في جريمة قتل، ويصل الصحفي للحقيقة بعد رحلة بحث طويلة، لكن رجل الأعمال بنفوذه القوي يتمكن من إبعاد التهمة عن نجله.
من "الغول" لـ"المنسي" الذي قاده لجائزة أفضل ممثل لعام 1995 في مهرجان القاهرة السينمائي
لم يخف عادل إمام، من التهديدات أو المنع، بعد تقديم فيلم "الغول" ففي ذروة الأحداث التي ارتكبتها جماعات إرهابية في مصر بداية تسعينيات القرن الماضي، لم يخش تهديدات الجماعات الإرهابية بالقتل، وقدم فيلم "المنسي" عام 1993، وكان باكورة تكوين مثلث النجاح بين الزعيم والكاتب والسيناريست الكبير الراحل وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، لدرجة أن عادل إمام حاز من خلاله على جائزة أفضل ممثل لعام 1995 في مهرجان القاهرة السينمائي.
وكان "المنسي" أول فيلم تدور أحداثه خلال يوم واحد، ليتناول الصراع بين رجل أعمال فاسد ومتسلط، يريد تقديم سكرتيرته كضحية لتاجر ثري لإنهاء صفقة تجارية مهمة بالنسبة له، وبين شاب فقير وبسيط وضعته الظروف في طريق هذه الفتاة، ويسعى لإنقاذها متحديًا رجل الأعمال وحراسه، حيث يفاجأ "يوسف المنسي" الذي جسده عادل إمام (عامل التحويلة) بـ "غادة" التى جسدتها النجمة يسرا، وتدخل كشك التحويلة وتطلب حمايته، فهي سكرتيرة المليونير "أسعد ياقوت" الفنان القدير الراحل كرم مطاوع، رجل الأعمال الذي يقيم حفلًا صاخبًا ليعقد فيه صفقة مع أحد الشخصيات الهامة والذي يعجب بالسكرتيرة ويطلبها كشرط لإتمام الصفقة، ولكنها تهرب فيرسل رجل الأعمال أعوانه للبحث عنها وإجبارها على العودة.
حكاية "الإرهابي" الذي جرى تصويره تحت حراسة مشددة من قوات الأمن وكشف خطورة الجماعات المتطرفة
ومن بعدها قدم عادل إمام، فيلم "الإرهابي" برفقة المخرج نادر جلال عام 1994، الذي جرى تصويره تحت حراسة مشددة من قوات الأمن، وشارك في بطولته مجموعة كبيرة من الفنانين هم شيرين، صلاح ذو الفقار، إبراهيم يسري، مصطفى متولي، أحمد راتب، وهو أحد الأفلام التي كشفت خطورة الجماعات الإرهابية وسيطرتها على فكر الشباب.
وظل فيلم "الإرهابي" لمدة 3 سنوات لم يفهمه الكثير وأطلقوا أفكار مسبقة عن إساءته للإسلام، وأحدث جو من الشهرة المضادة، ولكن اتضح فيما بعد أن المؤلف الكبير لينين الرملي كان سابق عصره، فمع مرور الأيام فهم الشعب الفيلم جيدًا وتعاطف مع بطل الفيلم"علي عبد الظاهر".. عادل إمام الذي دفعته الظروف الاجتماعية من فقر وإحباط إلى الانضمام لإحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة وهو يدمر كل المظاهر التي يعتقد أنها مصدر الفساد في البلد مثل محلات بيع الفيديو وقتل السائحين الأجانب، وأدرك الجميع أن بعض الشباب المغرر به ممكن أن يتوب بعد إصلاح فكره وعالجه وضمه للمجتمع مرة أخرى.
الزعيم يتفوق على زملائه بأعلى الإيرادات محلقًا بـ"طيور الظلام"
ومن "علي عبد الظاهر" ارتدى الزعيم عادل إمام، عباءة المحامي "فتحي نوفل" فى فيلم "طيور الظلام" ليكلل مشوار نجاحه مرة أخرى مع الكاتب والسيناريست وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، وقدم الثلاثي من خلال الفيلم نبوءة تحققت بعدها بسنوات بإلقاء القبض على رجال نظام مبارك وجماعة الإخوان وإيداعهم السجون.
واستطاع حينها الزعيم من خلال فيلم "طيور الظلام"، أن يتصدر شباك التذاكر إذ حقق إيرادات قدرت بـ 4 مليون و300 ألف جنيه مصري، وتفوق حينها على زملاؤه وهم النجم أحمد زكي الذي عرض له فى نفس التوقيت فيلم الرجل الثالث، والنجمة نادية الجندي الذي كانت تنافس فى نفس التوقيت بفيلم إمرأة هزت عرش مصر.
قصة فيلم "طيور الظلام" التى ألقت الضوء على فساد الحكومة والرشوة والمحسوبية وفساد جماعات الإسلام السياسى ونجومية عادل إمام كانا سببا رئيسيا فى نجاحه، فقد تناول الفيلم قضية الجماعات الدينية المتطرفة، وقدم خلاله عادل إمام شخصية المحامي "فتحى نوفل"، الذي يتحول المحامي من إنسان صاحب مبادئ، إلى شخصية انتهازية، وتحاول الجماعات الإرهابية تجنيده، لكنه يرفض أن يكون طرفا في الصراع بين الحكومة والجماعات الدينية المتطرفة.
"الواد محروس بتاع الوزير".. الذي كشف الفساد السياسي بين أعضاء مجلس الشعب
وفى عام 1999 قدم الزعيم فيلم "الواد محروس بتاع الوزير"، وشارك في بطولته بجانب عادل إمام عدد كبير من النجوم، أبرزهم كمال الشناوي، وفاء عامر، حسن مصطفى، من تأليف يوسف معاطي، وإخراج نادر جلال، وكان باكورة التعاون مع نجله رامي إمام الذي كان يعمل حينذاك مساعد المخرج، وتناول فيلم "الواد محروس بتاع الوزير" قضية الفساد السياسي بين أعضاء مجلس الشعب في قالب كوميدي، حول" محروس" يجسد دوره عادل إمام، وهو عسكري شرطة، ومن قرية الوزير الذي لعب دوره كمال الشناوي، ومن ثم يطلب والد محروس من والد الوزير تعيين نجله، وبالفعل وافق الوزير وقام بتعيينه ضمن قائمة الحرس الخاص به، ويستغل محروس موقعه ويساعد أبناء قريته، ولكن يحدث صدام بينه والوزير بعد اكتشاف زواجه الأخير السري، ويقرر الوزير طرد محروس، ليفكر محروس في الترشح للانتخابات وينجح بفضل حب أبناء قريته، وينتقم من الوزير تحت قبة البرلمان.
"الزعيم" لم يخشى التهديدات.. وطالب باحترام حرية التعبير والإبداع وطالب الشعب المصري بالتوحد تحت راية واحدة ضد الإرهاب
وعام 2005 قدم الزعيم فيلم "السفارة في العمارة" وناقش خلاله قضية التطبيع مع إسرائيل، وتطرق للقضية الفلسطينية، من خلال شخصية "شريف" مهندس البترول الذي يعود إلى مصر، ويكتشف أن مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، موجود في العمارة نفسها التي يسكن بها، ويعاني من الإجراءات الأمنية الخاصة بالسفارة، ليتحول بعد ذلك من إنسان مستهتر إلى شخص سياسي، ويلجأ للقضاء ويقود حملة رأي عام لطرد السفارة من العمارة.
وبالرغم من هذه السطور إلا أن مشوار الزعيم مليء بالحكايات.. رحلة فنية طويلة حافلة بالأعمال التي أصبحت راسخة في أذهان جمهور الزعيم ومحبيه فى العالم كله.. مسيرة عطاء الزعيم ومناقشته للعديد من القضايا السياسية الشائكة، خلقت له الكثير من الأعداء، الذين لجأوا للقضاء وفي محاولة للانتقام منه، وأقاموا ضده دعاوى قضائية عديدة، وتم اتهامه بازدراء الأديان في عدد من أفلامه مثل "الإرهابي، و"حسن ومرقص" الذي ناقش خلاله قضية الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسحيين، والمشاكل والصعوبات التى تواجه كلا منهم.
وبالفعل قضت محكمة جنح الهرم عام 2012 بحبس الزعيم 3 أشهر، وغرامة قدرها ألف جنية، وقتها خرج الزعيم عن صمته وقال إنه فوجئ بهذه الدعوي، وإن الحكم غيابي، وبالرغم من ذلك لم يهتز الزعيم وطالب باحترام حرية التعبير والإبداع، وطالب جموع الشعب المصري بأن يتوحدوا تحت راية واحدة ضد الإرهاب وأن يقفوا بجانب الدولة المصرية جنبا إلى جنبا ضد الجرائم والأفكار المتطرفة.