أمينة خيري تكتب: سناء البيسي والخلطة الفريدة
أكثر ما يزعجني في قراءة تقارير أو موضوعات أو أعمدة رأي صحفية هو الكليشيهات والعبارات التي لم يكتف الزمن بالأكل والشرب عليها، بل انقلب عليها وتبرأ منها، وأكثر ما يعجبني مطالعة كلمات وعبارات وجمل بسيطة نعرفها جميعًا، لكن مهارة كاتبها جعلت منها منتجًا جديدًا تمامًا.
والأقرب إلى عقلي وقلبي امرأة تكتب وهي لا تبذل جهدًا بين كل فقرة وأخرى لتلفت نظر القارئ إلى إنها امرأة. ورغم ذلك، فكل كلمة وجملة تشي بأن من سطرها كاتب ماهر تصادف إنه امرأة. والأسمى والأرقي من وجهة نظري ألا تبذل المرأة جهدًا رهيبًا وتمضي وقتًا طويلًا لتعلن للقاصي والداني أنها "سترونج إندبندنت وومان"، بقدر ما تستثمر هذا الوقت والجهد في عمل يكشف عن قوتها وفكر يؤكد استقلاليتها، دون صياح أو رياء أو اصطناع.
أكن حبًا دون شرط سابق المعرفة، واحترامًا غير مشروط لكل من لا يسعى إلى منصب أو يهرول خلف مصلحة، مهما بدا سعيه مموهًا وهرولته متنكرة. أرى أن أسمى ما في مهنة الكتابة شغف الكاتب وإيمانه بمبادئ وقيم وأفكار لا تقتصر عليه، بل تحمل رؤية لأهل وناسه ومجتمعه.
ولأن السير في خط مستقيم هو أصعب أنواع السير وأكثره تطلبًا للمهارة واللياقة وطول البال، ولأنه يتطلب شخصيات من نوع خاص، قلما يجود بها الزمان، لا سيما في مهنة الكتابة والصحافة، فإن السائرين في خطوط مستقيمة لا تستقيم الحياة بدونها.
وحيث إن الجمع بين الجد وخفة الظل والعلم الغزير والاطلاع المستمر والعمق في التناول مع البساطة في الشرح أمر بالغ الصعوبة والندرة، فعلينا الاحتفاء بمن يعيش بيننا ويحمل كل ما سبق وأكثر.
ومن منطلق ما يجري حولنا وبيننا من تغيرات كبرى وتحولات عظمى في زمن الثورة الرقمية وشبح الذكاء الاصطناعي المهيمن على الجميع، تجعل القلم الأمين والعقل المستنير والفكر السليم أشبه ب"البيتكوين" الصحفي عابر الحدود الخارج عن السيطرة المركزية لكن يحتفظ بقيمته رغم أنف الجميع.
كل ما سبق وأكثر من خلطة فريدة لا تتكرر كثيرًا هو الأستاذة سناء البيسي.