أصل المصريين.. أين بدأت الحضارة المصرية في الدلتا أم الصعيد؟
تسأولات كثيرة مازال عدد من المصريين يطرحونها، حول "أصل المصريين" هل ينسب لأفريقيا أم أن لهم أصل آسيوي، وهل المدنية المصرية القديمة نبتت في الشمال أم في الجنوب؟ أي هل الحضارة المصرية بدأت في الدلتا أم في الصعيد؟
وللإجابة على كل هذه التساؤلات، يبحث عالم الآثار والمصريات الراحل، الدكتور سليم حسن، في الجزء الأول من موسوعة مصر القديمة، في تفسير واضح لكل هذه الأفكار.
هل المصريون من أصل أفريقي أم آسيوي؟
وقال سليم حسن، أنه كانت مصر مسكونة منذ عصور ما قبل التاريخ بقوم من الجنس الحامي يقال إنه نشأ من البلاد نفسها أي أفريقي الأصل، وينسب إلى لوبيى أفريقيا الشمالية المسمين الآن بالبربر، كما ينسبهم إلى أفريقيا الشمالية الشرقية.
ومن خلال النظر إلى التاريخ، نجد أيضًا أنه عند نهاية عصر ما قبل الأسرات حدث بعض التغير أخذ يدخل على هذا الشعب الحامي الجنس الناشئ من طبيعة البلاد نفسها، عن طريق الهجرة، وقد ظهر في البلاد أشخاص من أصل آسيوي، وكانت لها مميزات خاصة تختلف اختلافًا بيِّنًا عن الشعب الأصلي، وهؤلاء الآسيويون قد اختلطوا شيئًا فشيئًا بالسكان الأصليين واندمجوا فيهم.
هل الحضارة المصرية بدأت في الدلتا أم في الصعيد؟
وسعى سليم حسن لفك هذا الاشتباك القائم حتى الآن، موضحًا أنه هناك حججًا تعزز كلًّا من النظريتين، فإن الذين يميلون إلى الرأي القائل بأن القوم النازحين أتوا من الجنوب، فذلك لأن كل معلوماتنا عن هذا العصر السحيق مستمدة فقط من بعض حفائر عملت في الوجه القبلي، مع أن هناك مناطق أثرية أقدم من تلك واقعة في الدلتا، ولم يكشف علميًّا إلا عن بعضها منذ زمن قريب جدًّا كمنطقة المرمدة، ولم تعطنا كل المعلومات التي يجب أن نستند عليها في تكوين رأي قاطع.
ونجد أن عبادة الإله «حور» الذي كان يعد من أقدم المعبودات المصرية، قد دخلت مصر من الجنوب عن طريق بلاد النوبة، أو أعالي وادي النيل أو بطريق وادي حمامات عقب غزو القوم المسمين على الآثار «أتباع حور».
كما يزعم بعض المؤرخين، أن بعض المميزات البارزة في تكوين الديانة المصرية ونموها قد ظهرت في الوجه البحري، فمثلًا نرى أن أشهر العبادات التي انتشرت في طول البلاد وعرضها تدريجًا هي عبادة الإله «أوزير»، ويرجع أصلها إلى بلدة «أبو صير» القريبة من سمنود
وأيضًا عبادة إله الشمس «رع» ويرجع أصلها إلى بلدة عين شمس القريبة من القاهرة.
أما الغزاة أو النازحون، فيقال إنهم أدخلوا في البلاد معرفة المعادن وبخاصة النحاس، وأدخلوا كذلك عبادتهم للأموات وديانتهم وكتابتهم وفنونهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية، ولا شك في أن دخول هذا الجنس إلى البلاد قد أتى تدريجًا من غير عنف، ومهما تكن الحقيقة في أمر هذا الجنس الجديد فإن هناك أمرًا ثابتًا، ذلك أن النزلاء قد توصلوا إلى الاستيلاء بنجاح على البلاد شيئًا فشيئًا، وأهم الوثائق التاريخية التي وصلت إلينا من هذا العهد هي الألواح الإردوازية المنقوشة.
وأشار سليم حسن إلى أنه وصلت إلينا هذه النقوش على أشكال مختلفة، ومن الصعب الاهتداء إلى حلها، على أنها هي الذكرى الوحيدة لدينا لهذا الفتح الطويل، الذي كانت نهايته على ما يظهر اتحاد كل البلاد من أسوان إلى البحر الأبيض المتوسط تحت صولجان ملك واحد، وقد اتفقت كل المصادر التاريخية على أنه هو الملك مينا.
هل أثر الجنس المهاجر في السكان الأصليين المصريين؟
وأكد سيلم حسن أنه، مما لا جدال فيه أن العلاقة بين مصر في أقدم عهودها وبين آسيا كانت موجودة، غير أنه لا يلزمنا أن نبالغ في أهمية انتشار الجنسية الآسيوية في مصر؛ إذ الواقع أن حضارة البلاد من أساسها أفريقيا، ولذلك نرى أن الجنس المهاجر اندمج على مضي الزمن في أهالي البلاد، وبذلك نجد اللغة والزراعة والديانة التي نمت وترعرعت في البلاد مصبوغة بصبغة أهلها الأصليين منذ أقدم عهودهم، ولم يؤثر النازحون في تغيير شيء كبير منها، بل كان كل تأثيرهم سطحيًّا.
هذا ويجب أن نتخيل أن النازحين لم يكونوا إلا عددًا ضئيلًا بالنسبة إلى السكان الأصليين؛ إذ الواقع أن الفئات النازحة المسيطرة كانت تلبس المدنية التي وجدتها زاهرة في البلاد مع إدخال بعض إصلاحات وتحسينات عليها بقدر الإمكان.