تعديل تكتيكي.. أسرار خطة إسرائيل الجديدة فى الحرب على غزة
رغم تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، صباحًا ومساءً، بأن الحرب ضد حركة «حماس» الفلسطينية ستستمر حتى النصر فإن كثيرين فى إسرائيل يتشككون فى كيفية تحقق هذا النصر، خاصة بعد الفشل فى تحقيق الأهداف التى تم تحديدها فى بداية الحرب على غزة، وأولها القضاء على «حماس» وتحرير المحتجزين من الإسرائيليين فى القطاع.
ومع تزايد الخلافات بين المستوى السياسى والعسكرى فى إسرائيل بشأن مسار الحرب على غزة، خاصة بعد ارتفاع الخسائر فى الفترة الأخيرة، تستعد هيئة الأركان العامة وقيادة المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال لإحداث تغيير حقيقى فى الخطط العسكرية خلال شهر يناير المقبل، مع التوجه لبدء المرحلة الثالثة من الحرب على قطاع غزة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
التحول إلى سيناريو التوغل المحدود و«المنطقة العازلة» بعد استحالة القضاء التام على «حماس»
فى ١٦ أكتوبر الماضى، أعلن مجلس الحرب الإسرائيلى عن أهداف الحرب على غزة، التى تمثلت فى تقويض سلطة حركة «حماس» والقضاء على قدراتها العسكرية؛ وإزالة أى تهديد من قبل غزة تجاه إسرائيل؛ مع بذل أقصى الجهود لحل قضية المحتجزين، وحتى هذه اللحظة لم يتحقق أى من هذه الأهداف بشكل كامل، بل يبدو أنها بعيدة تمامًا عن التحقق فى الأيام المقبلة.
وتشير استطلاعات الرأى الإسرائيلية إلى أن الحرب على غزة تعزز من مكانة «حماس»، كما أن حياة المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع تتعرض لمزيد من الخطر فى كل يوم تستمر فيه الحرب، كما أنه فى حال التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح هؤلاء فإن إسرائيل ستضطر حينها إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لديها، كما ستضطر إلى الانسحاب من القطاع والالتزام بإنهاء الحرب، لأن قادة «حماس» لن يوافقوا على أقل من ذلك، وفى هذه الحالة لن تتحقق أهداف الحرب.
وحتى لا يحدث ذلك، عمدت إسرائيل إلى استراتيجية استخدام القوة العسكرية، مع محاولة تحقيق انتصارات تكتيكية صغيرة لحين القضاء التدريجى على عناصر حركة «حماس» وتدمير قدراتها العسكرية، ما سيؤدى إلى تقويض سلطتها، لكن تعرض ذلك المخطط لعائق كبير يتمثل فى القوة العسكرية التى بنتها «حماس» على مدار ١٥ عامًا، ما يستدعى تعديل الاستراتيجية الإسرائيلية فى التعامل مع الموقف.
ورأى المحلل العسكرى عاموس هرئيل، فى مقاله بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن المرحلة المقبلة تتطلب إحداث بعض التغييرات على خطط الحرب، من بينها إحداث تغيير جذرى فى مسألة تجنيد مئات الآلاف من قوات الاحتياط لما يمثله ذلك من عبء ثقيل على الاقتصاد.
وأوضح «هرئيل» أن هناك حاجة إلى تعديلات كثيرة على خطة الحرب، تتضمن تسريح جزء كبير من الاحتياط من أجل مواصلة الحرب، وفق المخطط الجديد، مع استعداد الجيش الإسرائيلى لإقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة، تُبعد الخطر المباشر عن المستوطنات الإسرائيلية على طول الحدود، والتى لا تزال خالية من السكان، ويحتاج جزء كبير منها إلى وقت طويل لإعادة إعماره، بعد الأضرار التى تعرضت لها أثناء هجوم يوم ٧ أكتوبر.
وحسب «هرئيل»، فإن أسلوب العمليات سيتغير بصورة تدريجية عن الوضع الحالى، الذى تسيطر فيه أربع فرق عسكرية على أغلبية مناطق شمال القطاع وجزء صغير نسبيًا من جنوبه، ليتحول إلى عمليات توغّل محدودة تنفّذها ألوية نظامية ضد ما تبقى من معاقل لـ«حماس»، فيما تكون كل عملية من هذا النوع مصحوبة بغطاء كثيف تقدمه هيئة الأركان العامة وسلاح الجو والأجهزة الاستخباراتية.
وأشار، فى الإطار نفسه، إلى أن قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلى ستسرح الاحتياط أيضًا وتستبدلهم بوحدات نظامية، مع الدفع بتعزيزات على الحدود الشمالية، إذا لم يجرِ التوصل إلى حل للأزمة مع «حزب الله» اللبنانى هناك.
الاتجاه لتقسيم القطاع.. وتزايد الخلافات بين السياسيين والعسكريين بشأن إنهاء الحرب
رغم التوجه لتعديل مسار الحرب على غزة، تدور الخلافات داخل إسرائيل حول تفاصيل ذلك التعديل المرتقب، وتأثيره على تحقيق أهداف الحرب.
ورأى المحلل العسكرى جيورا آيلاند، فى مقال له، أن إسقاط «حماس»، الذى يمثل أهم هدف للحرب، لن يتم إلا بالضغوط الداخلية، لذا يجب لتحقيق هذا الهدف فرض حصار على غزة، واستغلال المناورة البرية من أجل تقسيم القطاع إلى ثلاثة أجزاء، دون أن يكون فى الإمكان نقل الإمدادات من منطقة إلى أخرى.
وحسب الجيش الإسرائيلى، فإن تفكيك القدرات العسكرية لـ«حماس» يحتاج إلى أشهر، لذا ربما اقترب وقت إنهاء العملية البرية المكثفة فى يناير المقبل على الأرجح، مع محاولة مد فترة الحرب حتى نهاية الشهر، لاستكمال المعارك فى شمال وجنوب القطاع، خاصة أن الولايات المتحدة لم تحدد حتى الآن موعدًا لإنهاء هذه الحرب.
وحسب جيش الاحتلال، فإن هذه المرحلة من الحرب هى «المرحلة ب»، والهدف منها هو أن تنتهى بعد أن تكون «حماس» أضعف، أو تم تفكيك قسم منها، من بينها منظومات السيطرة، التى يجب أن تتلقى ضربة جدية، كما أنه من الممكن أن يتم اغتيال عدد من القياديين بالحركة، مثل يحيى السنوار أو محمد الضيف، وبعد ذلك، يمكن الانتقال إلى «المرحلة ج».
ولن تتضمن تلك المرحلة عمليات احتلال فى القطاع، وإنما ستركز فقط على الضربات الجوية وعمليات الدخول والخروج من غزة، حال احتياج الأمر.
وتدور الخلافات داخل القيادة فى إسرائيل بشأن طريقة مواصلة الحرب، وتنطوى على صدام بين الحاجات الاستراتيجية والواقع السياسى، وهنا يبرز الخلاف بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزبه «الليكود»، وبين الوزيرين بينى جانتس وجادى أيزنكوت، اللذين انضما إلى مجلس الحرب بعد مناشدات من رئيس الحكومة فى الأسبوع الأول من التصعيد، وكلاهما كان رئيسًا سابقًا لأركان الجيش الإسرائيلى، بهدف إحداث توازن فى حكومته اليمينية المتطرفة.
وكان «نتنياهو»، مثلهما، يعتقد أنه يجب التركيز على التعامل مع «حماس»، والتحفّظ على فكرة توجيه ضربة استباقية إلى «حزب الله» اللبنانى، وهى الخطوة التى أوصى بها وزير الدفاع يوآف جالانت وعدد من كبار المسئولين فى جيش الاحتلال، ولا يزال «جالانت» ينتقد قرار الحكومة بهذا الشأن فى كل مرة يُذكر فيها الوضع فى لبنان.
ولكن بعد أسابيع من الحرب على غزة تغيرت الظروف السياسية، حتى أن نتنياهو أدرك جيدًا مدى القيود العسكرية والسياسية على قراراته، فهناك خلافات مع الولايات المتحدة من جانب، وضغوط من وزراء اليمين الإسرائيلى المتطرف فى حكومته، متمثلًا فى الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وبعض وزراء حزبه «الليكود»، الساعين لمواصلة الحرب، مع تزايد تهديداتهم بالاستقالة من الحكومة حال تقليص العملية العسكرية أو الحديث عن دور محتمل للسلطة الفلسطينية فى تسويات «اليوم التالى» للحرب على القطاع.
وبمرور الأيام تتزايد الفجوة بين المستويين السياسى والعسكرى من ناحية، وداخل المستوى السياسى نفسه من ناحية أخرى، وتدور تلك الخلافات حول طريقة مواصلة الحرب، وخططها، التى لا تحظى بإجماع الأطراف رغم التصريحات التى تدل على الثقة والتفاهم بين الوزراء.
ومن ناحية حسم الحرب، فقد نشأ وضع وجدت فيه المنظومتان السياسية والأمنية أنهما مكبلتان بوعود «نتنياهو»، والتوقعات المبالغ فيها بشأن تفكيك وتدمير «حماس» بشكل نهائى، خاصة أن الجيش الإسرائيلى صدق أنه خلال بضعة أسابيع سيسوى الأبنية فى غزة بالأرض ويقيم حديقة فى شمال القطاع، فى مواجهة المستوطنات التى دُمرت فى ٧ أكتوبر.
وفى الواقع، فقد تسببت العمليات الإسرائيلية فى غزة فى دمار بأحجام غير مسبوقة، لكنها حتى الآن لم تكسر حركة «حماس»، ولم تؤدّ إلى فرض وقف إطلاق للنار بالشروط التى ترغب فيها إسرائيل.