"يغرقن فى دمائهن".. نقص المستلزمات الصحية يخنق نساء غزة
كان يوم 2 من كل شهر يمر عاديًا على أمل ناصر، فلسطينية من قطاع غزة، إذ أنه موعد دورتها الشهرية وذلك قبل العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر الماضي، لكن باتت تحسب له حسابات أخرى على رأسها ماذا سأرتدي وقت نزول الدم؟.
في الشهر الأول طافت أمل على الصيدليات والمستشفيات من أجل الحصول على فوط صحية تكفيها طوال 7 أيام مدة دورتها الشهرية إلا أنها لم تجد، فاضطرت إلى صنع فوط صحية من الخرق البالية التي خلفتها الأنقاض.
تقول: «أصنعها من القماش، وأحيانًا من ورق الجرائد، فكل المستلزمات الصحية النسائية غير متوفرة لاسيما الفوط الصحية، في بداية الحرب كانت الصيدليات لديها مخزون يتم إعطاء كل سيدة بالغة عبوة شهريًا، لكن الآن لم يعد لدى الصدليات أي مخزون».
هناك مليون أنثى في قطاع غزة تفعل مثل أمل، منذ اندلاع حرب طوفان الأقصى بين قوات المقاومة الفلسطينية "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، إذ يقدر عدد السكان بحوالي 2.23 مليون نسمة، منهم 1.13 مليون ذكر و1.10 مليون أنثى، منهن 493 ألف امرأة وفتاة تم تهجيرهن من منازلهن في غزة.
يعانين جميعًا من نقص المستلزمات النسائية والفوط الصحية تحديدًا، ويستخدمن بدائل غير آمنة، مثل القماش البالي والورق، وأصبن بأمراض ومشاكل صحية في وقت لا توجد به عقاقير علاجية بالقطاع.
الدورة الشهرية هي عملية تحدث للنساء في متوسط أعمار بين 12 و18 عامًا، وذلك للتخلص من بطانة الرحم وتكون على شكل نزيف، وتحدث مرة واحدة في الشهر أو كل 28 يومًا، وتحتاج المرأة الحائض عشرين فوطة صحية بحد أدنى خلال أيام الدورة،
المصدر - منظمة الصحة العالمية.
أمية الخماش: «النساء يرتدين أقمشة بالية بدل الفوط الصحية»
يؤكد ذلك الدكتور أمية الخماش، مدير مؤسسة جذور المتخصصة في قضايا الصحة العامة للنساء في غزة (غير حكومية)، مشيرًا إلى خطورة عدم توافر المستلزمات الصحية النسائية في قطاع غزة وتحديدًا الفوط الصحية التي تحتاجها النساء بشكل شهري في أيام الدورة.
يقول لـ«الدستور»: «عدم توافر الفوط الصحية بشكل كافٍ للنساء في القطاع سيدفعهن لاستخدام بدائل غير آمنة، مثل ورق الجرائد أو الأقمشة البالية، من أجل تعويض ذلك الاختفاء، إلا أن تلك البدائل تنطوي على خطورة شديدة عليهن».
الخماش يوضح أن تلك البدائل مثل الأقمشة قد تكون متسخة أو أوراق أو كرتون، وكلها تعرض النساء في القطاع إلى مشاكل صحية مثل الالتهابات والميكروبات، والتي تؤثر بدورها على الرحم لاسيما عند غير المتزوجات.
وفقًا لموقع «هيلث شوت» المتخصص فى الصحة العامة فإن تدفق الدم عند كل سيدة فى وقت الدورة الشهرية يختلف، ولكن من الضرورى تغيير الفوط الصحية بشكل مستمر، وإن أمكن كل 4 ساعات.
ويبين أن قطاع غزة في الوقت الحالي لا تتوافر فيه أي أدوية يمكن أن تعالج النساء في حال إصابتهن بمشاكل ناتجة عن استخدام بدائل غير آمنة للفوط الصحية: «لا توجد فوط صحية، والبدائل تسبب مشكلات عديدة، ولا توجد أدوية لعلاج تلك المشاكل».
ويشير مؤسس "جذور" إلى أن أهم تلك المشاكل هي الالتهابات، وهي أمور تتعلق بالنظافة وقت الدورة الشهرية، ولا توفر بدائل الفوط الصحية النظافة المطلوبة في تلك الفترات: «إلى جانب التأثيرات النفسية للنساء، فلا أحد يتخيل أن هناك إنسانًا يظل ينزف لعدة أيام دون أن يستطيع أن ينظف نفسه أو يوقف ذلك النزيف».
ورصدت الجمعية بالفعل حالات لنساء من غزة يقومن بلملمة الأقمشة البالية من آثار الدمار واستخدامها كفوط صحية، ما سبب لهن التهابات شديدة لم يستطعن العلاج منها لعدم وجود أدوية أو مستشفيات صحية للكشف الطبي.
يوم الأحد الماضي، نددت منظمة "أكشن آيد"، في بيان، بالظروف المعيشية للعديد من النساء والفتيات في غزة، موضحة أنهن يعشن في مرافق مكتظة، وفي بعض الأماكن لا يوجد سوى "دش" واحد لـ700 شخص للاستحمام، ومرحاض واحد لـ150 شخصًا.
وبحسب المنظمة ليس لدى النساء سوى القليل من الماء للاغتسال، وبلا خصوصية، أو صابون للحفاظ على سلامتهن، كما أن هناك نقصًا في المستلزمات الصحية، وتحديدًا الفوط التي تستخدم أثناء الدورة الشهرية.
طبيبة نساء: «هناك شح في الفوط الصحية النسائية»
الدكتور آية عفشة، طبيبة النساء بمستشفى العودة، تؤكد أن النساء في غزة معاناتهن مضاعفة بسبب النقص الشديد في كل المستلزمات اللاتي يحتجن إليها، وعلى رأسها الفوط الصحية التي لا غنى عنها ولا بديل لها.
تقول لـ«الدستور»: «منذ بدء العدوان وأصبح هناك نقص وشح في توافر الفوط الصحية بالصيدليات أو في المحال، نتيجة الدمار الذي حدث ومنع دخول المساعدات لفترات طويلة، فالدورة الشهرية للنساء لن تنتظر السماح بدخول المساعدات».
تضيف: «هناك ندرة شديدة في المستلزمات الطبية الخاصة بالنساء والفوط الصحية النسائية وفوط الأطفال ما بين شحيح ومتوسط، كما أن النساء في تلك الفترة لا يحتجن فقط للفوط الصحية بشكل دوري، ولكن للمياه من أجل النظافة والاستحمام حتى لا يتسبب الأمر لهن في التهابات ومشاكل صحية».
توضح أن المستشفيات تعاني من نقص شديد في الأدوية التي تخص النساء، سواء اللاتي يصبن بالتهابات نتيجة عدم قدرتهن على استخدام فوط صحية سليمة، أو اللاتي يعانين من الإجهاض والأدوية المطلوبة بعد إجراء مثل تلك العمليات الخطرة، فعدم استخدام فوط صحية يضر بالنساء.
يدلل على ذلك بحث علمي نُشر عام 2022 في مجلة لانسيت للصحة، والذي خلص إلى أن عدم قدرة النساء على شراء فوط صحية يدفعهن إلى استخدام الصحف وورق الشجر التي يمكن أن تمتص الدم أو تجمعه، مما قد يزيد من خطر الإصابة بالتهابات الجهاز البولي التناسلي، وحذر أنه يمكن أن يؤدي سوء النظافة أثناء الدورة الشهرية ليس فقط إلى مشاكل الصحة البدنية مثل الالتهابات الإنجابية والمسالك البولية، ولكن أيضًا إلى مشاكل تتعلق بالصحة العقلية ومخاطر البكتيريا.
ما زالت النساء يعانين في قطاع غزة من عدم توافر المستلزمات الصحية النسائية مع دخول الحرب شهرها الثالث، في وقت استمر فيه تعليق المساعدات في معبر رفح المصري، والتي من بينها فوط صحية للنساء بعدما تجدد القتال بين حماس وإسرائيل.