"ماركس وفيبر".. المجتمعات الشرقية بعيون الحداثة الغربية جديد المترجم مجدي عبد الهادي
ماركس وفيبر.. المجتمعات الشرقية بعيون الحداثة الغربية، عنوان أحدث ترجمات المترجم والباحث الاقتصادي مجدي عبد الهادي، والصادر حديثا عن المركز القومي للترجمة.
مناقشة الموقع التحليلي والمنهجي للمجتمعات الشرقية
وكشف “عبد الهادي” لــ “الدستور” ملامج ترجمته لكتاب ماركس وفيبر، مشيرًا إلى أن هذا الكتاب، كتاب غير تقليدي في علم الاجتماع، وتحديدًا علم الاجتماع الاقتصادي، رغم تناوله لبعض موضوعاته في جزء معتبر منه؛ فالكتاب لا يهدف إلى تقديم عرض شامل لأفكار أكبر قطبين لعلم الاجتماع، بل مناقشة الموقع التحليلي والمنهجي للمجتمعات الشرقية كمقولة في أجهزتهم النظرية، وكيف تلعب تقريبًا نفس الدور رغم اختلافهم في كل حاجة تانية تقريبًا لحدّ التنافر؛ بسبب اتفاقهم المُدهش تحليليًا وإيديولوجيًا على تبنّي نظرة غربية تقليدية غلبت عليها "المركزية الأوربية"، نمّطت هذه المجتمعات في صورة الشرق الراكد المتخلّف، المحبوس في نمط الإنتاج الآسيوي بتعبير “ماركس”، أو الباتريمونيالية الهيدروليكية بتعبير “فيبر”، مقابل صورة الغرب الديناميكي المتطور صانع الحضارة الرأسمالية، بشكل لا يخلو من الشوفينية الحضارية التي تمثّل ثغرات في أنظمتهم الفكرية بدرجات متفاوتة.
ولفت “عبد الهادي” إلى أن كتاب ماركس وفيبر، يتكوّن من ثلاثة أجزاء في 12 فصل ومقدمة وخاتمة، المقدمة عن العلاقة بين ماركس وفيبر في الأدبيات السوسيولوجية، والجزئين الأول والثاني، يضم كل جزء ستة فصول، غطّت أفكار وتصوّرات ماركس وفيبر عن المجتمعات الشرقية، والفصل الأخير مقارنة بين تحليلات الاثنين لها.
كتاب ماركس وفيبر، في الأصل رسالة دكتوراه المؤلف لطفي سونار، أستاذ علم الاجتماع في جامعة أسطنبول، ومؤلف ومحرّر لعديد من الأعمال عن الحضارة الإسلامية والمركزية الأوربية، وأهمها "موسوعة روتليدج الدولية في الفكر السوسيوسياسي الإسلامي المعاصر".
في كتاب ماركس وفيبر، يقدم لطفي سونار رؤية جديدة للموقف المعاصر كما يظهر في أعمال كارل ماركس وماكس فيبر تجاه الشرق، فيوضّح بتفصيل دؤوب كيف تضمّنت مواقف ماركس وفيبر قدرًا من التعالي والتمرّكز الأوربي تجاه المجتمعات والأديان والثقافات التي اعتيد وصفها بالشرقية، بما فيها مثالًا لا حصرًا، روسيا والإسلام والهند والصين والبوذية.
وأطروحة “سونار” أبعد ما تكون عن البداهة؛ فالمُعتاد الإشادة بماركس في الأدبيات الأكاديمية باعتباره بطل الطبقة العامة وفيلسوف الاغتراب، لكن كنموذج مناقض لذلك التصور العام، يوضح سونار كيف كان ماركس، في كتاباته عن الإمبريالية البريطانية في الهند، متعاطفًا مع البريطانيين، وليس مع الهندوس المُضطهدين؛ انطلاقًا من رؤيته للأولين كرواد حضارة تسحق بكل جدارة التخلف والخرافات والتراث الهندوسي المزعوم.
وبالمثل، نجد مقابل التصوّر المنتشر عن فيبر هذه الأيام بعدسة "ماكدونالدزة المجتمع" McDonaldization of Society الخاصة بجورج ريتز، أي تصوّره كمكتشف العقلانية والكفاءة والمعيارية والقابلية للتنبؤ كمكتسبات حديثة غربية المنشأ، الوجه المظلم لذلك التصور، المتمثل في اعتباره كافة الثقافات ذات الجذور غير البروتستناتية ثقافات تفتقد لهذه السمات، أي غير عقلانية وغير كفئة ومشوشة وفوضوية.
فبقدر ضآلة ملاحظة هذه المواقف الإثنية في أعمال ماركس وفيبر؛ بقدر ما تم التغافل عنها بطرائق مختلفة، رغم تأثير الاثنين، كما يوضّح سونار، على المنظّر السوسيولوجي المعاصر، أنطوني جيدنز، الذي تصوّر الحداثة كوحش، حد وصفه الحداثة الغربية بالطاغوت، دونما تحدّى للافتراض الماركسي بضرورة سحق طاغوته لكافة الثقافات غير الغربية في طريقه.
ومجدي عبد الهادي، مترجم كتاب ماركس وفيبر، باحث اقتصادي ومترجم حرّ، حاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة المنصورة (2017)، و"جائزة الشباب للترجمة" من وزارة الثقافة المصرية (2019)، تشمل دائرة اهتماماته حقول الاقتصاد الكلي والسياسي وقضايا التنمية الاقتصادية والتطوّر الاجتماعي، تعاون مع العديد من الدوريات والمراكز البحثية المصرية والعربية.