"إتقان العمل وقت الأزمات".. موضوع خطبة الجمعة اليوم 17 نوفمبر 2023
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 3 جمادى الأولى 1445 هـ، الموافق 17 نوفمبر 2023، التي جاءت تحت عنوان "التمسك بالأمل وإتقان العمل وقت الأزمات".
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
نص خطبة الجمعة اليوم 17 نوفمبر 2023
التمسكُ بالأملِ وإتقانِ العملِ وقتُ الأزماتِ
3 جمادي الأولي 1445هـ – 17 نوفمبر 2023م
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: }سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
فإنَّ الأملَ هو شعاعُ النورِ الذي يبددُ ظلامَ اليأسِ في القلوبِ، وهو القوةُ الدافعةُ للإنسانِ التي تبعثُ فيهِ العزيمةَ والقوةَ والإرادةَ، والحياةُ رغمَ صعوبتِهَا وتحدياتِهَا مفعمةٌ بالأملِ، فلا يأسَ مع الحياةِ، ولا حياةَ مع اليأسِ، ولولَا الأملُ ما ذاكرَ طالبٌ ولا اجتهدَ، ولولَا الأملُ ما زرعَ زارعٌ ولا حصدَ، ولولَا الأملُ في النصرِ والرفعةِ وبلوغِ الجنةِ ما افتدَى الشهداءُ أوطانَهُم بأرواحِهِم.
والأملُ والإيمانُ قرينانِ متلازمانِ لا ينفكانِ، فالمؤمنونَ هم أعظمُ الناسِ أملًا في اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وأكثرُهُم تفاؤلًا واستبشارًا، وأبعدُهُم عن اليأسِ والتشاؤمِ، ولِمَ لا؟ واللهُ (عزَّ وجلَّ) يقولُ في الحديثِ القدسِي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني)، فمَن كانَ مع اللهِ كانَ اللهُ معَهُ، والمؤمنُ الحقُّ إذا أصابَهُ كربٌ أو شدةٌ لم ينقطعْ أملُهُ في تفريجِ اللهِ تعالَى الكروب، وكشفِه سبحانَه الضرَّ والهموم، واثقًا في وعدِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) أنَّ مع العسرِ يسرًا، وأنَّ مع الشدةِ فرجًا، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، ولا يغلبُ عسرٌ يسرينِ، يسرًا قبلَهُ ويسرًا بعدَهُ.
فعلينَا أنْ لا نيأسَ، وألّا نُحبطَ، وألّا نكتئبَ، وألّا نفقدَ الأملَ والثقةَ في اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فربُّ العزةِ (جلَّ وعلَا) قادرٌ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، ويقولُ (عزَّ وجلَّ): مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}.
والمتأملُ في سيرةِ نبيِّنَا ﷺ يدركُ أنَّهُ كان (صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ) يبثُّ روحَ الأملِ والتفاؤلِ في قلوبِ أصحابِهِ (رضي اللهُ عنهم) بمستقبلٍ مُشرقٍ، وغدٍ باهرٍ واعدٍ، على الرغمِ مِمّا أصابَهُم مِن شدةٍ وأزماتٍ، فكانَ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ) يحبُّ الفألَ، ويكرهُ التشاؤمَ، حيثُ يقولُ ﷺ: (ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ، الكلِمةُ الطَّيِّبةُ)، وكانَ ﷺ يقولُ: (بَشِّرُوا وَلا تُنفِّرُوا، ويَسِّرُوا وَلا تُعسِّرُوا)، ويقولُ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ): (واللهِ ليتمَّنَّ هذا الأمر.. ولكنكُم تستعجلُون)، ويقولُ ﷺ: (واعلمْ أنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العسرِ يسرًا).
ولذلك فقد عدَّ العلماءُ الإحباطَ واليأسَ والتيئيسَ والقنوطَ مِن رحمةِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) مِن الكبائرِ، حيثُ يقولُ الحقُّ (سبحانَهُ وتعالَى) على لسانِ سيدِنَا إبراهيمَ (عليهِ السلامُ): (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ)، ويقولُ سبحانَهُ في سورةِ سيدِنَا يوسف (عليه السلامٌ): (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، فالحياةُ بلا أملٍ شاقةٌ، عابسةٌ، نسألُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) طيبَ العيشِ، وسعةَ الصدرِ، وراحةَ البالِ.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
لا شكَّ أنَّ الأملَ الصادقَ هو المقرونُ بالعملِ والأخذِ بأسبابِ القوةِ والرفعةِ والتقدمِ والنماءِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا (ﷺ: (لو أنّكُم تتوكلُونَ على اللهِ حقَّ توكُّلِهِ؛ لرزقَكُم كما يرزقُ الطيرَ: تغدُوا خماصًا وتروحُ بطانًا)، وأنَّ الأملَ بِلَا عملٍ أملٌ أعرجٌ لا يقومُ على ساقين، إنَّمَا يقومُ على ساقٍ واحدةٍ، وقد كان سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ (رضي اللهُ عنه) يقولُ: (لا يقعُدنَّ أحدُكُم عن طلبِ الرزقِ ويقولُ: اللهُمَّ ارزُقنِي، فقد علِمتُم أنَّ السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضَّة)، على أنَّنَا نؤكدُ أنَّهُ لن يهابَنَا الناسُ ويحترمُوا دينَنَا ما لم نتفوقْ في أمورِ دنيانَا، فإنْ تفوقْنَا في أمورِ دنيانَا هابنَا الناسُ واحترمُوا دينَنَا، وهذا ما يتطلبُ منَّا إجادةَ العملِ وإتقانَهُ والتميزَ فيهِ، كلٌّ منَّا في مجالِهِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (إِنّ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)، فبالأملِ والعملِ وإتقانِهِ تُبنَي الأوطانُ وتتقدمُ وترتقِي.
كمَا نؤكدُ على أهميةِ إتقانِ العملِ ومضاعفةِ الجهدِ بجميعِ جوانبِ حياتِنَا في هذه المرحلةِ الصعبةِ، فلكلٍّ منَّا دورهُ للنهوضِ بأوطانِنَا، مدركينَ أنَّ إتقانَ العملِ واجبٌ تحتمهُ تعاليمُنَا الشرعيةُ وروحُنَا الوطنيةُ، وأنَّ العملَ حياةٌ وعزٌّ وشرفٌ، وقد بيّنَ لنَا دينُنَا الحنيفُ شرفَ العملِ وأهميتَهُ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (إنْ قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكُم فسيلةً، فإنْ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يغرِسَهَا فليغرِسْهَا)، فالأمرُ بالغرسِ في هذا الوقتِ إنَّمَا هو زيادةُ تأكيدٍ على شرفِ الغرسِ والإحياءِ وعمارةِ الكونِ، فإذا أردتَ أنْ تخدمَ دينَكَ ووطنَكَ فأخلصْ عملَكَ وضاعفْ الجهدَ في كلِّ المجالاتِ.