التشريح الكامل للمشهد الثقافي المصري.. تفاصيل من سيرة زكي نجيب محمود
قدم زكي نجيب محمود شرحا وافيا للمشهد الثقافي، وهو المفكر الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1993، واورد في سيرته الذاتية المعنونة بـ “حصاد السنين”، هذا التحليل الكامل للمشهد الثقافي الفكري.
يذهب زكي نجيب محمود إلى أنه وفي فترة ماضية كان من حق الناقد العصري أن يتثبت من روايته، بدءا من حقيقة وجود الشاعر، فإذا ألف المعاصرون منا أن يروا في الأسلاف بشرا من البشر، جاء ذلك كسبا لحرية الفكر والاعتداد بالنفس.
ــ هؤلاء في مرآة زكي نجيب محمود
ويلفت “نجيب” في مذاكراته “حصاد السنين” إلى أن عباس محمود العقاد بمجموعة دواوينه الشعرية، إنما قدم للناس تطبيقا مجسدا للفردية المستقلة الحرة التي اضطلع أحمد لطفي السيد بالدعوة إليها في مجال السياسة.
ويمكن القول كذلك ــ بما أننا نتحدث عن الشعراء ــ بأن أمير الشعراء أحمد شوقي قدم إلي الأمة العربية شعرا يرسخ في قلوبهم روح الانتماء القومي، وكان ذلك منه ظاهرا في الشكل والمضمون معا،’ ولئن كان شعر العقاد تعبيرا عن الفردية في وجودها السياسي، فإن جماعة “أبوللو” التي تكونت في أوائل الثلاثينيات، حرصت علي أن تمثل بشعر شعرائها روح الفردية من جانبها الوجداني الخاص. وهكذا نستطيع أن نجد في روادنا من أعلام الجيل الماضي مرايا تعكس صورة العصر من شتي جوانبه.
ــ مصادر ثقافة زكي نجيب محمود
وعن المصادر والمؤثرات التي تأثر بها في تكوينه الفكري والثقافي في بدايات حياته، يمضي دكتور زكي نجيب محمود في حديثه الذي حملته دفتي كتابه “حصاد السنين”: كان صاحبنا ــ يستخدم “نجيب” لفظة صاحبنا في الحديث عن نفسه ــ في عشرينيات عمره، وكانت تلك الفترة مزدحمة بالأفكار والمشاعر، المتفقة حينا والمتضاربة حينا آخر. إنها فترة توسطت الطريق بين حربين عالميتين ذبحت فيهما عشرات الملايين من رقاب البشر. وكانت فترة غصت بالثورات الوطنية، وبالثورات المذهبية والحروب الأهلية.
فترة ما بين الحربين، التي شهدها صاحبنا، ــ زكي نجيب محمود ــ في أوائل شبابه الواعي، فازدحمت سحاتها الثقافية بالأفكار والمشاعر علي أقلام الكاتبين، وصاحبنا يتابع ذلك ما وسعته المتابعة، كان اللسان عربيا أم كان إنجليزيا، فهو علي شئ من القدرة في اللغتين، وكان يستعرض ما تكتبه الأقلام هنا وهناك، وكأنه ينظر إلي طاولة بلياردو تتدحرج فوقها الكرات منسابة آنا ومتصادمة آنا: الحرية بكل أنواعها، السياسي منها، وغير السياسي كحرية التعبير وحرية الاقتصاد، وحرية التعليم، وغير ذلك من صور، وحقوق الإنسان لمن سلبت منه تلك الحقوق كالمرأة والعامل والطفل، وفردية الفرد المسئول، بكل ما تعنيه هذه العبارة من بناء الشخصية الإنسانية المستقلة الحرة المسئولة غير التابعة لسادتها تبعية العبيد.
ــ أفكار كبري تأثر بها زكي نجيب محمود
ويضيف زكي نجيب محمود عن المؤثرات التي تعرض لها في مطلع حياته: ثم كانت هناك أفكار كبري غزيرة المضمون متعددة الجوانب والأبعاد، كفكرة “التطور”، بشتي صورها التي لم يعرف منها معظم المثقفين إلا الصورة البيولوجية التي تنسب إلي "دارون" في كتابه “أصل الأنواع”..
لكن فكرة التطور لم تقتصر في تلك الحقبة الزمنية علي صورتها البيولوجية وانعكاساتها الاجتماعية، وهي الصورة التي شاعت وعرفها الناس، بل كانت لها صور أخري أهم وأعمق وأشمل أفقا، وهي صورا تناولت التطور الكوني بصفة عامة، أو تطور الحياة من حيث هي حياة تبدع أشكالها وترتقي علي امتداد الدهور درجة كيفية بعد درجة. كل ذلك عرضه فلاسفة تلك الحقبة “برجسون”، “لويد مورجان”، و"صمويل إسكندر"، و"وايتهد"، ممن اقتصر العلم بهم علي الدارسين لفلسفاتهم المختلفة، التي قدمت صورا فكرية رائعة لهذا الكون العظيم.