سيرة كتاب..
"سيرة كتاب".. كواليس مراحل إعداد "رجال ريا وسكينة" لصلاح عيسى من جمع الوثائق للصدور
قبل 21 عاما وتحديداً عام 2002.. صدر كتاب "رجال ريا وسكينة.. سيرة اجتماعية وسياسية" للكاتب الصحفي والمؤرخ الكبير صلاح عيسى (1939 - 2017)؛ والذي فند فيه العديد من المرويات الشعبية المزدحمة بالأخطاء في المعلومات عن السفاحتين اللتين قتلتا 17 سيدة حتى صدر أمر الإعدام عليهما في سجن بمدينة الإسكندرية في عام 1921.
في هذا العام كانت القاهرة في انتظار أسوأ حوادث القطارات في مصر؛ حيث ودع نحو 361 شخصاً احترقوا في حادث قطار الصعيد؛ القطار رقم832 المتجه من القاهرة إلى أسوان بعد ان اندلعت النيران في إحدى عرباته الخلفية في الساعة الثانية من صباح يوم 20 فبراير 2002م، عقب مغادرته مدينة العياط عند منطقة البرغوثي بالقرب من قرية ميت القائد.
أما دور العرض السينمائية كانت تعرض وقتها عدد من الأفلام مثل: "أمير الظلام" من بطولة الفنان عادل إمام، ومن إخراج رامي إمام، وفيلم "السلم والثعبان" من إخراج طارق العريان، وفيلم "بركان الغضب"، وفيلم "رجال لا تعرف المستحيل"، وفيلم "سحر العيون"؛ وغيرها من الأفلام.
أزمة مسلسل "ريا وسكينة" من محمد خان إلى جمال عبد الحميد
مرت السنوات قليلاً بعد صدور الكتاب؛ وفي عام (2005) أي بعد صدور كتاب "رجال ريا وسكينة" بثلاث سنوات تم تحويله إلى مسلسل يحمل نفس العنوان من بطولة عبلة كامل وسمية الخشاب وسامي العدل وأحمد ماهر وصلاح عبد الله ورياض الخولي ومن إخراج جمال عبد الحميد رغم أتفاق صلاح عيسي مع المخرج محمد خان بإخراج الكتاب في صورة عمل سينمائي أو درامي ولكن هذا الاتفاق أفسدته مدينة الإنتاج الإعلامي بعد أن فرضت عليه شروطاً لم يقبلها خان بحسب ما نشرته صحيفة "الجيل" في تقرير صحفي نشر فيها بتاريخ 16 يونيو 2004؛ بعنوان ("حول أزمة كتاب طرجال ريا وسكينة".. صلاح عيسى ينفي رغبته في تحويل الكتاب إلى عمل درامي).
وسرعان ما تحول الكتاب إلى عمل درامي عرض عام 2005 من إخراج جمال عبد الحميد والذي أعلن عن اتفاقه مع فاروق الفيشاوي وإلهام شاهين ونادية الجندي للقيام بالعمل ولكن تغير فريق العمل تماماً فيما بعد، وهو العمل الوحيد الذي تناول القصة الأصلية الحقيقية للشخصيات والأحداث والوقائع استناداً لكتاب الكاتب صلاح عيسى.
بعد عرض المسلسل الذي لم يعجب صلاح عيسي وهو ما برز في تصريحاته الصحفية فيما بعد؛ يبقي سؤال هو "ما الذي دفع صلاح عيسي لإعادة كتابة سيرة ريا وسكينة بعد مرور أكثر من سبعون عاما من إعدامهما؟"؛ وهنا لا يبحث السؤال في فرضية أنه حاول تفنيد المرويات الشعبية المزدحمة بالاخطاء في المعلومات عن السفاحتين؟؛ وهو ما سنبحث فيه، ولكن قبل أن نحاول الإجابة عن السؤال؛ تعالوا نتعرف على كواليس مراحل إعداد صلاح عيسي لكتابه الشهير.
أكرم القصاص يكشف كواليس مراحل إعداد كتاب "رجال ريا وسكينة"
الكاتب الصحفي أكرم القصاص في 27 ديسمبر 2018، وتزامناً مع الذكرى الأولى لرحيل صاحب "رجال ريا وسكينة" كتب مقالاً بعنوان (حكايات جديدة من دفتر صلاح عيسى.. من أسرار كتابه “رجال ريا وسكينة”) كشف بعضاً من كواليس مراحل إعداد هذا الكتاب؛ حيث يقول: "قبل سنوات، في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، كنت أعمل في بعض الأبحاث التي تستلزم الذهاب يوميًا إلى دار الكتب في مبناها برملة بولاق وقتها بجوار الهيئة العامة للكتاب، وهناك في قاعة الاطلاع كنت أشاهد الأستاذ صلاح عيسى منكبًا على الدوريات والصحف يظل بالساعات يفتش ويكتب ملاحظات وتواريخ، وينزل إلى قاعدة الدوريات ليصعد بأعداد صحيفة أو مجلة، وكان نفس المشهد مع الكاتب الراحل الكبير محمد عودة، ولهذا قصة أخرى، كنت أسلم على الأستاذ صلاح، وأتركه لعمله، وأراقب تركيزه الواضح، ودأبه فى البحث والتفتيش والتوثيق.
"القصاص" يتابع، عندما صدر كتابه رجال ريا وسكينة، سألته عما إذا كان وقتها يعمل فى الكتاب، حكى لى كيف أنه احتاج إلى مراجعة مئات الصحف والدوريات، وأن هذه الصحف كانت مجرد خطوة فى الإعداد للدراسة، حيث كان عليه أن يبحث ويفتش فى آلاف من أوراق القضايا فى أرشيف المحاكم، ليوثق سيرة ريا وسكينة، وحكى لى الأستاذ صلاح عيسى، أنه بجانب الملفات القضائية، فتش فى الوثائق التاريخية، وعدد كبير من المراجع، المعروفة وغير المعروفة، بل إنه قال لى: كنت أحيانًا أراجع تاريخًا أو معلومة فى عشر صحف، وأجدها مختلفة فى كل واحدة، فاضطر لمراجعة ذلك فى ملف القضية، وكثيرًا ما كنت أجد أوراقا منتزعة من الصحيفة أو ضائعة، بل إنني وجدت كثيرًا من الكتاب والكتابات المعاصرة استندت إلى مرويات شعبية، وتجاهلت الحقائق المحيطة بقضية ريا وسكينة، وهو ما جعلها من أكثر القضايا التي ازدحمت بالأخطاء في المعلومات، وقال إنه تتبع مسيرة عائلة همام من أقصى صعيد مصر إلى الإسكندرية، مرورًا بكفر الزيات.
ويختتم "القصاص" شهادته عما رأى من كواليس إعداد هذا الكتاب؛ حيث يقول: "وفي النهاية، أجرى صلاح عيسى عملية تقطير وتصفية وتوثيق، ليستخرج من كل هذا الركام القصة الحقيقية لريا وسكينة في سياق تاريخ مصر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ذاك العصر، وهو ما يمثل عملًا غير مسبوق ويقدم درسًا مهمًا يظل عالقًا في ذهن كل من خدمه الحظ وعمل بجانب الكاتب الكبير صلاح عيسى.
كتاب رجال ريا وسكينة هو الدراسة التاريخية الوحيدة التي نفضت الكثير من الأساطير التي كانت ولاتزال عالقة بقصة أشهر مجرمتين في القرن العشرين، وقد حرص صلاح عيسى في مقدمة كتابه على الإشارة للأساطير التي أحاطت بالقصة، والكثير من الوقائع والمعلومات المغلوطة التي تسربت إلى الصحف والكتابات وقتها".
بعد صدور الكتاب بـ 15 عامًا.. "بي بي سي" تفجر مفاجأة في قضية "ريا وسكينة"
في عام 2017، فجرت إذاعة "بي بي سي" مفاجأة فى قضية "ريا وسكينة"؛ حيث اذاعت تقريراً زعمت فيه إثبات برائتهما بشأن مقتل النساء ، وان جميع الجثث التي وجدوها في منزلهما كانت لجنود الاحتلال الإنجليزي بمصر، وأنهم لم يقتلوا النساء كما أشاعت أفلام السينما والمسرح والمسلسلات، حيث قدم المخرج السنمائى أحمد عاشور رواية أغرب من الخيال قال إنها موثقة من واقع التحقيقات وسجلات القضية المودعة بأرشيف القضاء المصري، وشهادات الشهود، ويؤكد أن ريا وسكينة كانتا من المناضلات ضد الاحتلال البريطاني، وأن الجثث التى عثر عليها لم تكن لنساء أصلاً وإنما لجنود تابعين لجيش الاحتلال.
تعليق صلاح عيسى على ما جاء في تقرير الإذاعة البريطانية
ما جاء في تقرير الإذاعة البريطانية دفعني للإتصال بالكاتب الصحفي صلاح عيسي لمعرفة رائيه فيما أذاعته "بي بي سي"، ونفي ما روجته من مزاعم مؤكداً أنه طوال فترة عمله في تحقيق وثائق محاكمات ريا وسكينة لم يجد ما أشارت له "بي بي سي" تماماً، نافياً ما جاء في تقرير الإذاعة البريطانية.
في ذكرى رحيله الأولى صدور طبعة جديدة من الكتاب
فى عام 2018؛ وتزامناً مع ذكرى رحيل الكاتب والمؤرخ الكبير صلاح عيسي، صدر عن دار الكرمة للنشر طبعة جديدة فاخرة من دراسته “رجال ريا وسكينة: سيرة سياسية واجتماعية”، والذي يعد من بين أشهر مؤلفات صلاح عيسى -إن لم يكن أشهرها، وذلك منذ أن اتجه عام 1962 للكتابة في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي بدلاً من كتابة القصة القصيرة والتي أستهلها بمجموعته القصصية نشرت تحت عنوان "بيان مشترك ضد الزمن"، وكانت مجموعة من القصص، نشرها تباعًا في مجلة الآداب البيروتية في الستينيات، كما كتب رواية اسمها "مجموعة وثائق وشهادات من تاريخ زماننا"، وفى السجن قطعوا له رواية لأن داخل السجن ممنوع الكتابة، وقرر أن يتوقف عن كتابة الرواية والقصة بعد هزيمة يونيو 67، بحسب لقاء صحفي أجرته الزميلة نجلاء فتحي نشر في 27 ديسمبر2022 مع زوجته الكاتبة الصحفية أمينة النقاش.