على خطى سمعان الخراز.. حكاية عم طلعت إسكافي الغلابة في المنيب
محل صغير تربع على عرشه السواد، يأج بالفوضى والأحذية الممزقة، وقطع غيارها، والحقائب، وماكينات الخياطة، في وسط المكان يجلس رجل ذا وجه شباب إلا أن شعره كسوه الشيب ليعلن عن وصوله إلى أوائل الخمسين عامًا، يرتدى نظارة، بعد أن انخفض بصره لثلاث درجات، لتدقيقيه في صغائر التمزيق التي تملأ أحذية الفقراء.
سمعان الخراز .. قديس فقد عينه على أحذية الفقراء الممزقة
"جاءته سيدة ومعاها خفيها الذي مزقه الفقر إربًا، وتوسلت إليه أن يصلحه لها، فأخذه منها ليبدأ في ترميمه، وأخذ يدقق في ثقوبه، ويخيطها بمنتهي الحرفية، ليفقد عينه اليمنى على هذا الحذاء"، كانت هذه إحدى الروايات التي تسرد عن قصة حياة القديس سمعان الخراز، الذي سردها السنكسار الكنسي أشهر الذي عمل في مجال تصليح الأحذية وإعادتها للحياة، ونظرًا لقداسة هذه المهنة عمل فيها العديد من المواطنين.
ذاع سيط سمعان الخراز في مهنة الإسكافي التي ضمنت العديد من القديسين والقساوسة، ورجال الدين، الذين حرصوا على تعلم الحرف والمهن أسوة بسيدنا عيسى عليه السلام، إذ عمل لـ ١٣ عاما نجارًا في مدينة الناصرة، في فلسطين.
عم طلعت يسير على نهج القديس سمعان الخراز
طلعت رجل في الـ 51 عامًا، يعمل في مهنة الإسكافي مذ نعومة أظافره، أحبها حتى تعلق بها، ورغم حصوله على الشهادة الثانوية الصناعية، إلا أنه رفض أن يعمل بها، أو حتى أن يلتحق بدراسة جامعية، رغم مركز عائلته الاجتماعي الذي كان يجعله يستطيع أن يجد عملا في إحدى الشركات، لكنه رفض الاعتماد على عائلته التي كانت تتمركز في محافظة الشرقية، وفر إلى القاهرة ليعمل في مهنة الإسكافي مع خاله الذي جعله يتقن فنونها.
عم طلعت حفر في الصخر وتعلم أصول المهنة في العراق
كان طلعت مرقس، أحد أمهر الإسكافيين في شبابه، الأمر الذي جعل أحد أصدقائه يأخذه معه في رحلة عمل في العراق، كغيرهما من الشباب الذين كانوا يذهبون في رحلات عمل للدول العربية في الإجازة الصيفية، وبالفعل ذهب ليبحث عن عمل، وبمجرد أن وصل العراق وعمل في أحد محال البقالة، وكان يشعر أن هذا ليس مكانه الصحيح حتى وجد صاحب المحل يشكو من قطع في حذائه الجديد، ليهم عليه كالأسد الجائع، ويخيطه بمنتهي الدقة، ليقرر صاحب المحل أن يأخذه إلى أحد أصدقاءه الذي لديه محال تجارية، ليستأجر منه محل يشغله في مجال تصليح الأحذية.
عاد لمصر وقرر خدمة الفقراء مجانًا
بعد 5 أعوام عمل في العراق، أخذ طلعت قراره بالعودة إلى مصر وفتح محل ليعمل فيه اسكافي، ويصلح أحذية الفقراء مجانًا، أوضح عم طلعت، لـ" الدستور" إنه قرر العودة لمصر، حتى يبدأ في تكوين أسرته الصغيرة، مشيرًا إلى أنه قرر استغلال المهنة لوجه الله من خلال خدمة الفقراء وتصليح أحذيتهم مجانًا، معقبًا:" بركة ربنا في خدمة الغلابة".
أضاف، أنه أنجب 3 أطفال جميعهم يعملون معه في المحل ويدركون قيمة المهنة، ودورها في إعادة الحياة للأحذية، منوهًا:" أرجو من الله أن يمنحني القوة لخدمة الفقراء والأهالي في منطقة المنيب، وأن أظل أخدمهم حتى آخر أيام حياتي"