الدكتور محمد نصر الجبالى: صناعة النشر فى تقدم متواصل رغم الصعوبات (حوار)
ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها، وفي سلسلة حوارات تقدمها الــ “الدستور” يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.
وحول الأمر يحدثنا الدكتور محمد نصر الدين الجبالي، رئيس قسم اللغة الروسية بكلية الألسن جامعة عين شمس، والمستشار الثقافي السابق بالسفارة المصرية في روسيا، وله العديد من المؤلفات والترجمات عن اللغة الروسية مباشرة، أحدثها رواية “مدرسة الحمقي”، والصادرة مؤخرا عن المركز القومي للترجمة.
ــ ما الصعوبات التي واجهتك في طريق نشر كتابك الأول؟
كنت سعيد الحظ أن صدر كتابي الأول وهو ترجمة كتاب “الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي و العشرين” عن المركز القومي للترجمة وهو مؤسسة حكومية عريقة. إذن فقد كانت تجربة ناجحة واكتسبت من خلالها خبرة في التعرف على مراحل إصدار الكتاب وتحريره ومراجعته قبل الطباعة ولم تكن هناك مشكلة تذكر.
- ما المشاكل التى واجهتها بخصوص الحصول على حقوق الملكية الفكرية؟
يُعد الحصول على حقوق الترجمة هو الحلقة الأصعب في عملية الترجمة والنشر. حيث أقوم عادة قبل الترجمة بالتواصل مع المولف أو وكيله أو دار النشر وفي حال موافقتهم فقط أستطيع الشروع في ترجمة العمل و التواصل مع دار النشر المصرية.
للأسف في كثير من الأحوال تترك هذه المشكلة على عاتق المترجم الذي يتكبد عناء التواصل ومحاولة إقناع الناشر بتقديم تسهيلات أو منح الحقوق مجانا، وفي بعض الأحيان تقف الشروط المالية التي يضعها الناشر حائلا أمام المضي قدما في نشر الكتاب، لا أقول أن هذا يحدث كثيرا ولكن هناك الكثير من الكتب المهمة لم تترجم بسبب هذه المشكلة.
بالطبع يمكن اختيار مؤلفات صدرت قبل 70 عاما أو يزيد وحينها لن يكون مطلوبا الحصول على حقوق نشر وترجمة، ولكن الأدب الروسي المعاصر أيضا أدب ثري ويستحق أن ينقل كما أن هناك كتب حديثة هامة تصدر سنويا تتناول القضايا الدولية والجيوسياسية و في التاريخ وغيرها ولا يمكن الانتظار عقود حتى تنقل إلى العربية.
- هل سبق ووصل الخلاف مع ناشر إلى ساحات المحاكم؟
لا أبدا لم يحدث ذلك. وفيما يتعلق بدور النشر الخاصة كانت تجاربي كلها ناجحه الحمد لله وكان التعاون والتنسيق كبيرا لإنجاح عملية ترجمة ونشر ومن ثم الترويج للكتاب.
وقد كنت سعيد الحظ بأن تعاملت مع دور نشر عديدة سواء حكومية مصرية وسعودية كالمركز القومي للترجمة ودار الكتب المصرية ودار نشر جامعة الملك سعود ودار الملك عبد العزيز التاريخية وفي روسيا دار نشر جامعة سان بطرسبورج.
وكذلك دور نشر خاصة في مصر كالمؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم ودار نشر دون ودار نشر العبيكان في السعودية ودار نشر استرال والقلم في روسيا.
ــ هل قمت يوما بسداد كلفة نشر كتاب لك؟
نعم حدث ذلك مرة واحده فقط، حيث قمت بتأليف معجم للمصطلحات السياسية والاقتصادية في عام 2007 وقدمت المعجم ضمن مشروع بحثي وعرضت المعجم على عدة دور نشر فرفضت؛ نظرا لكونه غير مربح تجاريا، ولذا قررت طباعته على نفقتي حتى يستفيد منه الطلاب والباحثون والمترجمون وكان ذلك في عام 2007.
وخلال عام واحد تلقيت مقترحا كريما من المركز القومي للترجمة لنشر المعجم الذي حمل رقم “1” في سلسلة المعاجم بالمركز القومي للترجمة وتم توقيع العقد ونشر المعجم الذي يتألف من 800 صفحة تقريبا وصدر عام 2009 ليتاح بسعر رمزي جدا للطلاب والباحثين والمترجمين، وأعيد نشره مرة أخرى علم 2021.
- ما الذي حلمت به لكتاب من كتبك و لم يتحقق و تأمل أن تتداركه مع مؤلف جديد؟
أحد أهم الكتب التي قمت بترجمتها هو ترجمة رواية "النبطي" إلى الروسية وكنت أتمنى أن يطرح الكتاب في المكتبات الروسية، ولكن لسوء الحظ تم طباعته في مصر ولم تسنح الفرصة لطرحه في المكتبات الروسية لظروف الشحن. ومع ذلك ومن خلال المواطنين والسائحين الروس تم تناقل الكتاب حتى أصبحت الترجمة معروفة جيدا في روسيا. كما تم طرحها من قبل الناشر على الأنترنت. وأتمنى لاحقا ألا يتكرر الأمر وأن تصدر ترجمتي الجديدة إلى الروسية في روسيا كما حدث مع ترجمة رواية "عزازيل" على سبيل المثال.
ــ هل ترى صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟
رغم كل الصعوبات يمكن القول أن صناعة النشر في تقدم متواصل باستخدام آليات وإمكانات جديدة وهائلة ومنها النشر الألكتروني واستخدام المنصات المختلفة للترويج والوصول إلى أكبر عدد من القراء.
أعتقد أن التحدي القادم أيضا سيتمثل في هيمنة دور نشر ضخمة على حركة النشر كما هو الحال في القطاعات الاقتصادية الأخرى وستكون المنصة الأكثر قوة وسمعة هي الأقدر على الفوز بالنصيب الأكبر.
حاليا كثير من القراء وخاصة الشباب يتجه إلى شراء واقتناء الكتب عبر تلك المنصات والنسبة في تزايد مستمر.
ودور النشر التي سيمكنها مواكبة ما يحدث من تطور هي من سيكون بمقدورها الصمود ومواصلة العمل.
وهناك صعوبات أخرى تتمثل في حرص بعض دور النشر على تحقيق المكسب المادي دون النظر إلى جودة المحتوى ودون الاهتمام بإنجاز مراحل التحرير والتدقيق والمراجعة اللازمة قبل النشر. وفيما يتعلق بالترجمة كثير من دور النشر الخاصة لا تهتم بمراجعة الترجمات قبل نشرها وهو ما يؤدي إلى حدوث مشكلات كثيرة مما يفقد القارئ الثقة في دار النشر.
وفي النهاية هناك نهم متزايد دوما إلى القراءة والمعرفة وهو ما يلقي بمسؤولية أخلاقية كبيرة على كل الجميع سواء دور النشر أو المؤلفين.