لماذا يشعر الأوروبيين بالقلق إزاء أي ركود اقتصادي أمريكي؟.. خبراء يجيبون
يعيش العالم حالة من القلق والتوتر جراء ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب أزمة سقف الدين الأمريكي وهناك مخاوف أوروبية من العودة إلي الانكماش ودخول مرحلة ركود اقتصادي .
وفي هذا الإطار، قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية، بالتأكيد الأوربيون يشعرون بحالة من القلق والفزع لما يجري في الولايات المتحدة، من موضوع رفع وتخفيض سقف الائتمان والدين العام الأمريكي الذي هو مستحق في يونيو وحتي الان لم يحسم الأمر .
وأشار "فهمي" في تصريحات خاصة لـ "الدستور"، إلي أن الإدارة الأمريكية ليس أمامها سوي أن يستخدم الرئيس الأمريكي جو بايدن التعديل رقم 14 من الدستور الأمريكي، الذي يقر فكرة استخدام قرارات فيدرالية عليا لتصويب مسار الائتمان وسداد الدين العام الأمريكي .
ولفت إلى أن الرئيس الأمريكي لديه مشكلة حقيقية في التعامل، وهناك خلافات كبيرة بين الكونجرس وصراع الجمهوريين والديمقراطيين علي هذا الأمرز
- الطرف الأوروبي لديه تحفظات وتخوفا من زيادة نسب الركود الأمريكي
وأكد فهمي أن كل ما يجري في الولايات المتحدة وحالة القلق في البورصات والمراكز المالية الدولية العالمية يجعل الأوروبيون يشعرون بحالة كبيرة من القلق، وخاصة أن الطرف الأوروبي لديه تحفظات وتخوفا من زيادة نسب الركود الأمريكي بهذه الصورة مما سيؤثر علي وضع الاقتصاد الأمريكي وفي تقديري قد يأخذ الأمر المزيد من الوقت، لمعرفة ما الذي يجري بالفعل.
وتابع "فهمي" في تقديري أن هذا الأمر سيرتبط بمشاكل الاقتصاد الأمريكي واندماجه بالاقتصاد الأوروبي، البورصات الأوروبية والاتحاد الأوروبي لديه هواجسه، من ما يمكن أن يشير إليه الوضع الاقتصادي الداخلي في أمريكا حتى مع سداد الدين والتجاوب في يونيو المقبل ولكن المشكلة الرئيسية، مرتبطة بفكرة التكامل بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الأوروبي مما يمثل هاجسا حقيقيا أمام الاقتصاد الأوروبي من احتمالات العودة إلي الركود والانكماش، وهناك تخوفات مقدرة نظرا لطبيعة العلاقات بين الطرفين.
من جانبه، قال الدكتور أشرف الصباغ خبير العلاقات الدولية، على الرغم من وجود مركزيتين خاصتين بأوروبا وبالولايات المتحدة، وهما المركزية الأوروبية والمركزية الأمريكية، وعلى الرغم من اختلاف المركزيتين في الكثير من المسارات، إلا أن هناك تقاطعات وتماسات مهمة للغاية بين المركزيتين، وربما تجمع بينهما المقاصد الأساسية للحضارة الحديثة القائمة على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة إلى عامل المنجز العلمي التقني، والمجال الاقتصادي.
- الحضارة الأوروبية لديها أولوياتها التي قد تختلف عن أولويات نظيرتها الأمريكية
وتابع "الصباغ" في تصريحات خاصة لـ "الدستور"، ولا شك أن الحضارة الأوروبية لديها أولوياتها التي قد تختلف عن أولويات الحضارة الأمريكية، ولكن الارتباط العضوي والمصيري في الخطوط والتوجهات العامة، وفي المقاصد الأساسية للحضارة الحديثة، يحيل المشهدين الأوروبي والأمريكي إلى ما يشبه المجال الواحد اقتصاديا وعلميا وتقنيا، ودفاعيا أيضا، فحلف شمال الأطلسي يضم هذه الحضارة على المستويين الأمني والدفاعي، أي أننا أمام مشهد استثنائي في التاريخ الحديث والمعاصر، ومحاولات لإيجاد صيغ من أجل إرساء دعائم عالم ذي صفات محددة، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه.
وأضاف الصباغ أنه إذا كانت تجربة الاتحاد الأوروبي التي نشأت في منتصف سبعينيات القرن العشرين، يمكنها أن تضع أيدينا على نموذج من التعاون والارتباط العضوي بين الدول، فهذا هو النموذج الذي لم يتم تجاوزه حتى الآن، وهو يعتمد بالدرجة الأولى على الاقتصاد والأمن، وعلى العوامل الإنسانية القيمية المشتركة، بعيدا عن الدين واللغة اللذين يتم الاعتماد عليهما أثناء محاولات إيجاد صيغ للتعاون في بعض المناطق الأخرى مثل منطقة الشرق الأوسط التي تضم دولا كثيرة تتحدث اللغة العربية بلكنات مختلفة، ولأسباب تاريخية، حدث التقارب بين الولايات المتحدة وأوروبا، سواء كاتحاد أوروبي أو كدول منفردة، هذا على الرغم من الاختلافات والتباينات في مستويات المعيشة والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية سواء في الدول الأوروبية والولايات المتحدة أو فيما بين الدول الأوروبية وبعضها البعض، وكذلك في عمق التجارب الديمقراطية وتنوعها، وفي معارضة قطاعات ما في الدول الأوروبية لتوجهات السياسة الأمريكية.
ونابع الصباغ وبالتالي، من الطبيعي أن يشعر المواطن الأوروبي بالقلق عندما تظهر مخاطر أو مؤشرات تثير المخاوف في الولايات المتحدة، وإذا كان أي ركود اقتصادي أو هزات في أي مجال في الولايات المتحدة يؤثران في العالم كله، ويتأثر بهما اقتصاد أي دولة وبورصاتها وأسعار عملتها، فما بالنا بالاتحاد الأوروبي عموما، وبدول الاتحاد الأوروبي منفردة.
وأوضح الصباغ أنه من الطبيعي أن يشعر المواطن الأوروبي بالقلق من أي مظهر من مظاهر الركود الاقتصادي أو أفول التأثير الأمريكي على الرغم من أن هناك قطاعات لا بأس بها غير راضية تماما عن توجهات الولايات المتحدة وتأثيرها على المسار الأوروبي العام والمستقبلي، متابعا "ولكن العقل الغربي عموما، هو عقل براجماتي، إذ أن الأوروبيين يمكنهم أن يعترضوا ويقفوا في مواجهة أي قوة أو طرف يحاول الإضرار بمكتسباتهم، وفي الوقت نفسه هم متيقظون تماما لضرورة الحفاظ على منظومة القيم الإنسانية العامة مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والحفاظ على المنجز العلمي التقني والمنجز الاجتماعي والاقتصادي ومستوى المعيشة.
وتابع الصباغ هذه المنظومة تشكل وعي ووجود المواطن الأوروبي، ولا يمكنه التفريط فيها أو السماح بالإضرار بها مهما كان مختلفا مع توجهات السياسة الأمريكية أو مع شبهة سيطرتها على أوروبا.
وأكد الصباغ أنه من الصعب أن نفصل بين المجال الاقتصادي الأمريكي- الأوروبي الذي يتسم بدرجات ومستويات معينة في إطار السياق النيوليبرالي وبين منظومة القيم الإنسانية العامة بكل مقاصدها الأساسية، فالغرب الجماعي استطاع على الرغم من تباينات تجارب دوله من وضع صيغة للعمل والتقدم والإنجاز، والأهم أنه أصبح من الصعب الفصل بين مسارات الاقتصاد وبين تطوير وتعميق منظومة القيم الإنسانية العامة، وبالتالي، من الطبيعي أن يشعر الإنسان الأوروبي بالقلق أثناء حدوث أي ركود أو اهتزازات اقتصادية واجتماعية في الولايات المتحدة، والمسألة هنا لا تقاس بمدى السيطرة والتأثير والخضوع و"الخنوع" وكل ما تتداوله وسائل الإعلام، وإنما هي مسألة براجماتية تماما يتم التعامل معها على أرض الواقع بالأرقام والحقائق وليس وفق الشعارات والصور النظرية والخوف من فقدان الهوية.
- معظم الأوروبيين يفكرون بشكل براجماتي تماما بعيدا عن الشعارات وتسخين وسائل الإعلام
وتابع الصباغ "فنحن نرى أن لكل دولة أوروبية هويتها وطابعها الخاص، ومساراتها المنفردة أحيانا، والمتشابكة في أحيان أخرى، سواء مع الولايات المتحدة أو مع بعضها البعض، وأعتقد أن معظم الأوروبيين يفكرون بشكل براجماتي تماما بعيدا عن الشعارات وتسخين وسائل الإعلام والأحزاب اليمينية المتطرفة التي لا تزال أسيرة الأفكار القديمة المتعلقة بالهوية والخصوصية والتفرد، لأن كل ذلك موجود بالفعل ولم يتضرر، كل ما هنالك أن العقل الأوروبي في عمومه بات قادرا على المناورة وتعميق عمليات التراكم والبناء عليها وعدم الوقوف في مكان واحد أو النكوص إلى الخلف وتمجيد الماضي.
واختتم الصباغ تصريحاته قائلا إذا شئنا الدقة، فأي تحركات اقتصادية في الولايات المتحدة لا تؤثر فقط على دول ومواطني الاتحاد الأوروبي، بل وأيضا على كل دول ومواطني العالم، بما فيها الصين واليابان ودول الخليج ودول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، مهما تحدثت هذه الدولة أو تلك عن الاستقلال الاقتصادي والهوية والقومية.