في يومه العالمي.. الشاعر محمد حلمي حامد: الشعر التزام وقضية (حوار)
بالتزامن مع اليوم العالمي للشعر، وحول قضايا الشعر ولماذا تراجع عن كونه ديوانا للعرب مقابل أجناس أدبية أخرى كالرواية مثلا، وعن المشهد الشعري المعاصر وغيرها من القضايا التي تهم الشعر والشعراء، التقت "الدستور” الشاعر الدكتور محمد حلمى حامد، الذي عمل حتى العام 2016 أستاذا بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان، وهو حاليا أستاذ التصميم المتفرغ، ورئيس قسم التربية الفنية سابقا بكلية التربية النوعية جامعة بنها.
صدر له 8 دواوين شعرية هي: “قصائد برية” 1981، “طقوس” 1986، “خماصا تؤوب الطيور” 2011، “رسم نائلة” 2012، “رداء قديم” 2013، “تراب السكة” 2015، “هنا بيتى” 2021 وهو قصائد للأطفال، “الغيم والدخان” 2022.
وللشاعر محمد حلمي حامد مؤلفات فى مجال التصميم والفن التشكيلى منها: “موسوعة بناء الشكل المرئى” 2013 فى سبعة أجزاء، “تاريخ الفن فى العصور الوسطى” 2015، “قراءات فى الفن الحديث” 2016. وكثير من الكتب والدراسات والدواوين تحت الطبع.
ــ في يومه العالمي، ما الرسالة التي يحملها الشعر إلى العالم؟
الشعر هو قلب الإنسان النابض فى الكون، لا يمكن أن يحمل للعالم سوى رسالة المحبة والسلام، رسالة الرحمة والتكافل والعمل والوفرة، وكلما وجدت الإنسان فى الشعر وجدت نبضا حقيقيا دائما وخالدا، بعيداً عن زخرف القول أو الموقف، بعيداً عن التحزب أو التعصب، والشعر يتحوّل باللغة من إشارية، إبلاغية، إلى إيحائية، رمزية، تحيل على الواقع ومشاكله وتناقضاته، بقدر ما تحيل إلى عالم خيالي له وجوده اللغوي / الدلالي، والشاعر الحق يستلبك مما يحيطك من فوضى واضطراب وعدم انسجام ، لينير روحك ويلقى لك طوقا من السحر فى خضم الموج.
ــ لماذا تراجعت مكانة الشعر من كونه ديوانا للعرب مقابل الرواية؟
إن ما يحدث من انحسار للشعر له أسباب كثيرة، بعضها فى الشعر نفسه وبعضها خارجه، بعضها من الشعراء وبعضها من المجتمع، فالأسباب التى مردها الى الشعر والشاعر فهى اللجوء إلى مفاهيم غريبة على المتلقى مثل تفجير اللغة والغموض والاغتراب والاستغراق فى الرموز والمرايا ومحاكاة القصائد المترجمة، هذا طرف. وهناك طرف آخر تبدو فيه عيوب يمكن ايجازها فى: الافتعال العاطفي والانطواء على الذات، إهمال العناصر الفنية والجمالية، الإهتمام بالزخارف اللفظية (البديع) في مقابل الجدة الفكرية والعاطفية.
والرواية فن حديث نسبيا، والروائيون مهذبون كأنهم أوربيون، يقرأون بعضا ويحتفلون ببعض، منتهى الرقى، بينما أجناس أدبية أخرى شاخت وتعطنت لغة كلامها، وحتى إذا سمح لبعض الشعراء بمساحة فى الصحف والمواقع الإعلامية فإن بعضهم ينفر من الكتابة فى الشعر والأدب، ويتلبس دور المفكر والمصلح الاجتماعى، كما يتغافل البعض عن انحسار أشكال أخرى كالمسرح والقصة القصيرة، بل وانحسار الرجوع إلى الروايات والنصوص الأدبية فى السينما العالمية وربما التلفاز، فهناك احتياج مجتمعى للقص والسرد لا يتم تلبيته فى وسائل التواصل والتمثيل والتسلية المختلفة، وذلك أسهم بدوره فى انتشار الرواية.
ــ أيهما أثر على الآخر الفنون التطبيقية أم الشعر؟
لو أن هناك أثر لواحد منهما على الآخر لكان للشعر بالطبع، فالفنون عمل يومى بدوام كامل كأنه جسدى وأعضائى، بينما الشعر وجود هذا الجسد وكأنه الروح التى تدب فيه وتمنحه الحياة، لقد أحببت كافة أشكال الفنون ووجدت نفسى معها، أما الشعر فقد وجدت به نفسى، لقد قمت بدراسة الفنون ودرستها فى كليات الفنون ورأست قسم التربية الفنية طوال أكثر من أربعين سنة، وأشرفت وناقشت عشرات الرسائل الجامعية فى مختلف فروع الفن التشكيلى، كما درست اللغة العربية فى كلية الآداب وتخرجت فيها لأعرف مفاتيح اللغة التى استخدمها كأداة ابداعية.
ــ في رأيك لماذا يتقاعس الناشرون عن نشر الدواوين الشعرية؟
لأن الشعراء غالبا لا يقرأون الشعر بل يستمعون إليه، كما يقومون بتبادل الدواوين فيما بينهم، وستنتهى هذه المشكلة تماما إذا دفع الشعراء إلى شراء و قراءة إنتاج بعضهم البعض، وبهذا سينتشر كتاب الشعر ويروج ويقبل عليه القارئ العادى.
ــ خضت تجربة الكتابة للأطفال، ما التحديات التي تواجه الكتابة لهم؟
أكبر تحد للكتابة للطفل هى ضعف الاهتمام بنشره، فكتاب الطفل مكلف يحتاج إلى رسم وتلوين وأوراق لامعة وتسويق مخصص، وهو تحد صعب للكاتب والشاعر، وعلى مستوى الخيال لابد من إدهاش الطفل والاستحواز على كامل انتباهه واهتمامه، فى بيئة أصبح هذا الأمر فيها عسيرا، بل ومحاولة الاحتفاظ بهويته وقيمه وسط هذا العالم المفتوح السماوات، وفى مثل هذا كتبت قصيدتى (بيوت) التى أعدد فيها أشكال بيوت المخلوقات مثل النحل والنمل والحيتان وصولا الى :
للناسِ بيــــــوتٌ مــــــن حــــــجرٍ
أو طــــــوبٍ أو حتى طــــــينْ
والشــــــاعرُ يحــــــيا فى بيــــــتٍ
مـــن وَحى شــــعــورٍ وحنــــينْ
ولهــــــذا جَــــــدِّى عَلـَّــمــــــنى
بَيـــتُ العــــــربىِّ فَلــــــسطينْ
سَنعــــــودُ إليهــــــا مــــــا بَعُــــــدَتْ
وسَتـــــــرجعُ يــــوماً حـــطينْ
ومنذ أقيمت المسابقات لأدب الطفل قبل عقود، أضحى منتعشا وبارزا وأنتج أسماء مميزة، وهو ما شجعنى على كتابة الشعر للطفل فى ديوانى (هنا بيتى)، وهى تجربة ممتعة وتحد صعب لا أعرف متى أعود إليه، فالاهتمام بنشر الشعر عامة ضئيل، وشعر الطفل لا يجد تشجيعا ولا نشرا.
ــ ما الذي تعنيه الجوائز الأدبية لك؟
مازلت أتقدم كلما واتتنى الجرأة لبعض المسابقات، لا بحثا عن مال أو لقب، ولكن بهدف إتاحة أعمالى للقراءة أو أن يقع عليها بصر المحكمين، ولا أطمع فى أكثر من هذا، وكل من الجوائز الأدبية ورعاية الأدباء والفنانين مهمان خاصة لإشباع احتياج المبدع اللازم للتقدير، أما نزاهة لجان التحكيم فهذا شأن آخر، وقد فزت مرات بجائزة المجلس الأعلى للثقافة لشعر الشباب وفى إحداها بالجائزة الأولى فى منتصف الثمانينيات، واحتفل بنا الدكتور أحمد هيكل والدكتور عبد القادر القط رحمهما الله بحفل فنى رفيع فى مسرح الجمهورية، مازلت أذكر أننى دعوت إليه كلا من أبى وأمى رحمهما الله، كما فزت العديد من جوائز الجامعات فى الشعر والأدب.
ــ كيف ترى تجربة قصيدة النثر المصرية؟
قصيدة النثر هى جنس فني يستكشف ما في لغة النثر من قيم شعرية، ويستغلها لخلق مناخ يعبر عن تجربة ومعاناة، من خلال صور شعرية عريضة تتوافر فيها الشفافية والكثافة في آن واحد، وتعوض انعدام الوزن التقليدي فيها بإيقاعات التوازن والاختلاف والتماثل والتناظر معتمدة على الجملة وتموجاتها الصوتية بموسيقى صياغية تحسُّ ولا تُقاس، وبينما كان رواد الشعر الحر معنيين بصلتهم الوثقى بالتراث الشعري والعروضي العربي، فإن من رواد قصيدة النثر من لم يهتم بهذه الصلة، بل إن منهم من صرح بالاغتراب عن هذا التراث العربي، يقول أنسي الحاج: أشعر بالغربة في المقروء العربي، قراءة العربية تصيبني بملل لاحد له، وما أبحث عنه أجده في اللغة الفرنسية؛ لأن الفرنسية هي لغة (الانتهاك) بينما العربية لغة (مقدسات).
ولكن الانتماء الى حداثة الشعر واقع فني يتحقق وليس شكلا يتخذ، ولذا لا أكتب قصيدة النثر فهى تتعارض مع قناعاتى الجمالية، غير أنى لا أرى بأسا فى أن يكتبها غيرى.
ــ إلى أي مدى تتعاطى الحركة النقدية مع الشعر حاليا مقارنة بأزمنة ماضية؟
نفتقد بشدة رجاء النقاش ومندور وعلى شلش وكل متذوق حقيقى يستطيع فك مفردات النصوص، والمساحات المتاحة لعرض النقد والكتب أقل من انتاج النقاد، علاوة على انعزال الدراسات والحياة الأكاديمية تقريبا عن الشارع الأدبي، والنقاد يعرضون أيضا بضاعة شأنهم شأن الشعراء والروائيين، وإن بيتا من الشعر قد يحتاج مجهودا وعلما وذائقة من الناقد ما يفوق عشر روايات، ونحن نعذرهم إذا اختاروا السهل اليسير الرائج من الأجناس الأدبية.
ــ هل تفاعل الشعر مع القضايا المعاصرة كالأجناس الأدبية الأخرى، الرواية مثلا؟
الشعر أقرب للقلب وأسرع للأذن، والحاضر والماضى والمستقبل للشعر والشعراء، ولماذا نندهش وقد ولج الشعراء إلى فتنة المسرح والرواية، ألم يكتب حافظ إبراهيم المقامات ويترجم الروايات، ألم يكتب أحمد شوقى وعزيز أباظة وصلاح عبد الصبور المسرحيات، ألم يكتب طه حسين والعقاد وصالح جودت وعبد الرحمن الشرقاوى أشكالا مختلفة من الأدب والترجمة، أنه الأديب . ويجب على الشاعر الحق أن يكون ضميرا لعامة الشعب، من البسطاء ومعهم، فالشعر التزام وقضية ووظيفتها تنويرية تعبيرية، ألم تر الجندى وهو يواجه الأعداء بينما يختبئ سواه فى الخنادق، ألم تر رجل الإطفاء يقتحم النيران بينما يهرب منها الناس، وطبيعة التجربة الشعرية ذات ملمس يسلط الضوء على الحالة دون أن تسقط فى شرك المباشرة، وتعبيريتها محكمة الألفاظ دقيقة الصياغة لا تميل إلى التداعى والاجترار والذاتية، والوحدة العضوية فيها أساسها وحدة الحالة الشعورية والبناء المحكم، والتعبير الشعري مستمد من البيئة المحيطة ومفرداتها اليومية، وما يتّصل بها من صورٍ شعريةٍ وخيال ٍوتشبيهٍ ولغة شعريّة .أقول فى قصيدتى ( الرجل والبحر):
فى البحر ِ أركبُ موجة ً لا تـُمْتـَطى
ويداىَ لامستا قناديلَ البحارْ
أصطادُ روحى من غياهيبِ الندا
وأفكُّ أسْرَ اللؤلؤاتِ عن المحارْ
أصطادُ قرشا ً جَائعا ً يَطفو على ضَوءِ النهارْ
الطيرُ تأكلهُ وتتركُ شوكـَهُ
والبحرُ جبارٌ ولا يجدى الفرارْ
إنى غسلت الريح من جرح الغباء
وبقيت روحا عانقتها الكبرياء
كالذئبِ فوقَ الثلج ِ
أصعدُ قِمَّـتى وحْدى
أمارسُ وَحدتى وَحدى
وحقَّ الانتحارْ.
ــ لماذا تتصدر أسماء بعينها خارطة الشعر العربي والمصري أسماء بعينها وغياب أخرى للقارئ العادي غير المتخصص؟
فى المجتمعات ذات الطبيعة الاستهلاكية يكون للدعاية والإعلان دور كبير فى رواج وانتشار أفراد بعينهم وأنماط بعينها، فإذا صادف هذا حال من اختلال القيم والمعايير الفنية وضعف عوائد التأليف أو الترجمة ترسخ وجود هذه الأنماط وهؤلاء الأشخاص، ولا يوجد فى عالمنا العربى من يكسب قوت يومه من كتابته أو شعره، والسعى وراء لقمة العيش كان سببا رئيسا فى توقف معظم جيل الثمانينيات عن الكتابة أو التفاعل لأكثر من عشر سنين.
ــ ما جديد الشاعر محمد حلمي حامد؟
أعد لإصدار مجموعة شعرية جديدة لم أستقر على عنوانها بعد ومنها هذا الجزء من قصيدتى ( حر):
أُرِيد أعيش مِثْل الطَّيْر سَارِحَة ً
فَلَا أَخْشَى وَلَا أرْتَاب
وَلَا أَلْقَى بِطَرَف الظُّهْر مايسةً وَلَا كَذَّاب
أَلِيف الْوَجْه يَلْقَانِي كَمَا الْأَحْبَاب
عَلَى شَفَتَيْه ضَحِكُة طِفْلة خجلى
وَفِي عَيْنَيْهِ عَاصِفَةٌ مِن الْأَوْصَاب
فِي كَفَّيْهِ مِنْ دَمِيَ وَمَن لَحْمِي
بَقَايَا مزْقَةٍ تدمي عَلَى الْأَنْيَاب .