الفيلسوفان.. لماذا هاجم زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا الشيخ الشعراوي؟
حظي الشيخ محمد متولي الشعراوي على مدار حياته ولا سيما في السبعينيات من القرن الماضي بشعبية واسعة وقبول جماهيري جعل منه نجماً تتهافت عليه الجماهير، غير أنه على مدار حياته، ولحرصه على الحديث في شتى الموضوعات، سواء كانت علمية وسياسية واقتصادية، لم يخلُ حديثه من الأخطاء التي أثارت حفيظة المثقفين وكانت سببًا في اشتعال الكثير من المعارك الفكرية.
كانت معركة الفيلسوف زكي نجيب محمود مع الشيخ من أبرز معارك الطرفين؛ فقد أثارت انتقادات الشعراوي للعلم وتقليله من أهميته حفيظة المفكر الكبير ما دفعه للاشتباك مع أطروحاته في أكثر من موضع وحديث.
عتاب زكي نجيب محمود الودود
في كتابه "قيم من التراث" المنشور عام 1984، وفي الفصل الذي حمل عنوان "ويبقى الود ما بقي العتاب" يوضح محمود أنه لاحظ في كثير من أحاديث الشعراوي نوعًا من العداوة للعِلم الحديث، فلم يتوقف عن السخرية من جهود العِلم في الصعود إلى القمر، مشيرًا إلى أنها بلا نفع.
يقول محمود في رده على ذلك: الحق أني عجبتُ للشيخ يقول كلامًا كهذا؛ لأن أقل ما يُقال في هذه المناسبة، هو أن أحد الفروع التي تفرَّعت من إعداد تلك الصواريخ ما نُسميه اليوم بالأقمار الصناعية، التي استُخدِمت في البث التليفزيوني، فربما كان فضيلة الشيخ الشعراوي، وهو يقول لسامعيه إن قطعة الورق التي أمسكها بين أصابعه، أنفع من عملية الصعود إلى القمر من أولها إلى آخرها، يُعان بأحد الأقمار الصناعية.
جانب آخر من جوانب سخرية الشعراوي من العلم تعرض له الفيلسوف البارز بالنقد، فبعد أن عانت إحدى المناطق للزلازل، وأذاع العلماء احتمالية حدوث زلازل أخرى في وقت محدد، قال الشعراوي مخاطبًا جمهوره: إن الله ترك هؤلاء العلماء يُجرون أبحاثهم، ويُعلنون تنبؤاتهم، حتى إذا ما فرغوا من ذلك، باغتَهم بزلازل تقع في منطقة أخرى غير المنطقة التي عيَّنوها.
ويعلّق محمود على ذلك بقوله: كانت الطريقة التي قال بها الأستاذ ما قاله، أكثر دلالةً من معنى القول نفسه، وذلك حين فرقع أصابع يده، وعبَّرت ملامح وجهه بما يعني أن الله كان مع عباده العلماء في موقف المُنتقِم؛ لاجترائهم على أن يعلموا ويتنبأوا.
معركة فؤاد زكريا ضد الجهل
خاض الفيلسوف فؤاد زكريا معركة أخرى ضد أحاديث الشيخ الشعراوي، في كتابه "الحقيقة والوهم في الحركات الإسلامية" والذي نُشر في العام 1986، لكن معركته كانت أكثر اتساعًا وتفرّعًا.
استنكر زكريا هالة القداسة التي أحاطت الشيخ في أيامه والتي جعلت أي نقد يوجه له مرفوضًا ويجابه بشراسة منقطعة النظير، كما استنكر عدم اكتفاء الشيخ بمهمة التفسير للدين ولكنه في المقابل تقمص عدة شخصيات مثل العالم والمفكر الأخلاقي ورجل السياسة والاقتصاد وهو ما يستحق المواجهة.
وانتقد زكريا آراء الشيخ وتفسيراته للدين فيما يخص المرأة، لا سيما حين قال ببساطة إن المرأة المستورة أو المحجبة هي وحدها التي تنجب لزوجها أبناء يكون واثقًا من أنهم أبناؤه، أما إذا لم تكن كذلك، فإن الأمر يظل موضع شك، وهو ما يختزل المرأة إلى الجسد فقط ولا يرى منها سوى موضوع للشهوة.
كذلك انتقد زكريا انتقاص الشيخ من قدر العلم والعقل الإنساني، لا سيما حين اعتبر أن علوم الفضاء لا قيمة لها، وأنه ليس لها أي فائدة تعود على البشرية.
لم يتوقف الأمر عند ذلك بل هاجم زكريا حديث الشيخ في السياسة وفنّد أخطاءه حين تحدث عن الشيوعية والرأسمالية وطالب بتحديد علاقتنا بالدول الكبرى على أساس العقيدة الدينية وحدها، معتبرًا أنه ما دام الشيوعيون ملحدين، فهم أعداء، أما الرأسماليون فهم مؤمنين وبالتالي فالخصومة معهم أقل. وهو ما اعتبره زكريا اختزالًا للصراعات الدولية إلى مجرد مقارنة للعقائد الدينية وتجاهل السياسات التي يمارسها بالفعل هذا النظام الدولي أو ذاك.
وتعليقًا على كل تلك المغالطات قال زكريا مُلخصًا أفكاره: إن أكبر ما يلحق الضرر بالدعوات الإسلامية المعاصرة، على اختلاف دروبها واتجاهاتها، هو حالة الجهل التي تنشرها بين أنصارها، والأدهى من ذلك أن هذا الجهل يبدو لأصحابه علمًا واسعًا يرد على جميع التساؤلات ويبدد كل الشكوك. وهذا الجهل يتبدى في نقصان الثقافة العامة وعدم الإلمام بحقيقة المذاهب التي يقفون منها موقف العداء، وانتقال العبارات المحفوظة والقوالب الجاهزة من جيل إلى جيل، ومن مستوى أعلى في التنظيم إلى مستوى أدنى، إلى أن تسري بين الجميع مسرى الحقائق المطلقة التي لا تقبل جدلًا أو مناقشة.