«أنت تشرق أنت تضيء».. رواية تمزج الماضي والحاضر وتكشف صورة تاريخ المرأة المصرية
في رواية رشا عدلي "أنت تشرق أنت تضيء" الصادرة مؤخرا عن دار الشروق للنشر والتوزيع، بالتعاون مع الدار العربية للعلوم “ناشرون”، تتبع فيها تيمة رئيسية وهي المزج بين التاريخ والحاضر والتي أصبحت أحد أبرز ركائز أغلب أعمالها الإبداعية والتي منها "آخر أيام الباشا".
عبر صبغة روائية تذهب للتاريخ لتكتبه مرة أخرى، بعين الفنان والروائي، لا تطوع التاريخ لخدمة الرواية ولا العكس لكن يبدو أن ثمة ما يحرضها كباحثة في تاريخ الفن أن تقدم للقارئ العربي التاريخ المجهول والمهمش عبر زوايا مختلفة.
وفي رواية "أنت تشرق أنت تضيء" تناقش عدلي، العديد من القضايا المتعلقة بالماضي البعيد والماضي القريب والتي على رأسها الاستبداد والفساد السياسي والاجتمماعي، والذي يضع بطلة العمل الرئيسية في زمن الحاضر لاجئة سياسية وأسرتها في إحدى قرى إيطاليا، ذهبت طفلة مع والدها ووالدتها هروبا من واقع والده الذي عاشه كصحفي يدافع عن العدالة والمساواة كاشفا الفساد ومن ثم مطاردا من قبل السلطة تحت ذريعة “قلب نظام الحكم".
تكشف الكاتبة وعلى غير العادة عبر أولى صفحات الرواية شخصية بطلتها "رنيم " والتي تصفها "بالمعقدة" والتي تجمع ما بين المرأة العصرية الأنيقة إلى جانب ما عرف عنها بغرابة الأطوار والغرور والتوحد.
تبدو رنيم في "أنت تشرق أنت تضيء" هي البطلة المركزية في الرواية فهي تكشف التاريخ القديم لنضال والدها ضد فساد رجال الأعمال في نهاية سبعينيات القرن المنصرم ، لذا نحن أمام بطلة في منتصف الثلاثينيات من العمر باحثة في تاريخ الفن، تقدم صورة للمرأة المصرية الناجحة بالرغم من تحصلها على الجنسية الإيطالية هذا لا يمنعها من محبتها لمصر، بالرغم من عيشها لفترة تحت مظلة لاجئة، تلك الفترة التي ظلت تلاحقها طول الوقت رغم تحققها.
الجانب الآخر التي تستدعيه المؤلفة والذي لو فصلناه تماما ليصلح رواية بذاته؛ هو سيرة "سيرينا " المصرية الإغريقية التى جمعت ما بين الجمال والمعرفة والنضال ضد الرومان، قدمت فيها الكاتبة عبر أسلوب سردي ممتع أسباب نزوح سيرينا للمغامرة والمخاطرة ضد الرومان بالرغم من زواجها لحاكم المدينة، والذي قتل والدها بسبب مشاركته في الثورة.
كانت العودة إلى تاريخ الإسكندرية في القرن الأول بعد الميلاد، وسردت تفاصيل ما كانت تعيشه من سطوة واستبداد الرومان، هو بمثابة كشف المجهول عن تاريخ لوحات وجوه الفيوم، والذي كان المشترك في سيرة رنيم الباحثة في تاريخ الفن.
قدمت عدلي عبر روايتها حالة من التطواف المعرفي حول تاريخ الفنون، والمتاحف التاريخية مابين لندن وفرنسا ، إلى جانب الصورة التى تدار بها مزادات العالم في الفنون، وسربت عبر الرواية حالة استيائها وغضبها ورفضها رؤية تاريخ وحضارة مصر المسروقة التى تعرض عبر أنحاء العالم.
من هي رشا عدلي؟
رشا عدلي؛ روائية مصرية، وباحثة في تاريخ الفن، لها ثمانية أعمال روائية، فضلًا عن كتاب "القاهرة.. المدينة الذكريات" عن فن الاستشراق، سبق ووصلت روايتاها: "شغف" و"آخر أيام الباشا" إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر.
من أجواء الرواية نقرأ: شعرت أنها تسمعه، تسمع ذلك الصدى الذي يأتي من الماضي السحيق عابرًا آلاف الأعوام. تسمعه وهو يرتل، وهو يبتهل، وهو يردد: (يُسبّح لكَ الذين في الأعالي والذين فى الأعماق، لعلك ترضى عني حتى أرى جمالك.. أنت تشرق... أنت تضيء..أنت تشرق... أنت تضيء).
كانت تقف على بعد خطوات قليلة منها في السفينة الملكية. كانت مخلفة لها ظهرها، تراقب الأفق موجهة وجهها للشمس. اقتربت أكثر منها، أكثر، أصبحت على حافة جسدها. رائحة البخور، حفيف الثوب، مجاديف تحركها العبيد، أشرعة تخفق، تسير السفينة بسرعة في اتجاه اللا مدى.
شعاع الشمس يخترق كيانهما، يدفئ ويضيء روحيْهما، ويمنحهما الحياة مجدَّدًا تسمعها ترتل: "أنت تشرق... أنت تضيء"، وترتل معها، اقتربت منها، اقتربت أكثر، لا شيء يفصلهما، تسمع أنفاسها، تشعر بكيانها، تستشعر وجودها. اقتربت أكثر، مدت يدها تكاد تلمسها.