«أنتِ آخر سيدة يجوز لها أن ترد».. تفاصيل المعركة المجهولة بين العقاد وبنت الشاطئ
◄بنت الشاطئ تدحض خرافة «إغواء حواء لآدم حتى أخرجته من الجنة» التى رددها العقاد
◄العقاد يهاجم بنت الشاطئ لجرأتها فى الرد عليه قائلا: أنت آخر سيدة يجوز لها أن ترد على ما أكتبه عن المرأة!
◄العقاد: أستاذية الرجال فى فنون الرقص وصناعات مارستها النساء كالطبخ والتجميل والأزياء
◄بنت الشاطئ: لم نعد نتعلق بالأستاذية فى مثل هذه الصناعات بعد أن بلغنا منصب الأستاذية فى الجامعة
◄العقاد: حواء كانت ذريعة إبليس إلى إغواء أبينا آدم حتى أخرجته من الجنة .. قصة وردت فى كتب الأديان كلها بما فيها الدين الإسلامى
◄بنت الشاطئ: كتاب الإسلام ليس فيه إشارة إلا إلى وسوسة إبليس لآدم.. أما إغواء حواء لآدم فهى من الإسرائيليات التى بثها المسلمون اليهود ليفهم المسلمون كتابهم بعقلية إسرائيلية
◄بنت الشاطئ للعقاد: ما كنت لأجادل فى كلمة من كتاب «المرأة فى القرآن» لو نشرته بعنوان «المرأة فى رأي العقاد»
والعقاد يرد عليها: رأيي فى المرأة رأي الله!
خصومة نقدية جرت وقائعها فى شهر يناير 1960 بين العقاد وعائشة عبدالرحمن الشهيرة بـ"بنت الشاطئ"، حول كتاب العقاد "المرأة فى القرآن"، وكان رد بنت الشاطئ على الكاتب الجبار - كما وصفه سعد زغلول – ليس لمجرد الرد والهجوم عليه، خاصة أن الدخول فى معركة مع العقاد مسألة محفوفة بالمخاطر، فهو لا يتورع عن استخدام كافة الأسلحة اللفظية التى قد تصل إلى حد التجريس والتجريح، فما بالك إذا تجرأت المرأة فدخلت عرين الكاتب الجبار، ولكن بنت الشاطئ كانت معنية بالدرجة الأولى بتفنيد الإسرائيليات التى دخلت على تفسير القرآن الكريم، وخدع بها الكثيرون على مر التاريخ، ومنهم العقاد على علو قامته فى النقد والتمحيص لكل رواية يناقشها وصولا لحقيقتها، ولكنه للأسف ردد بغير روية رواية إغواء حواء لآدم بأكل التفاحة فحق عليهما الجزاء الإلهي بالطرد من الجنة، ردد العقاد هذه الأسطورة فى كتابه "المرأة فى القرآن" وفى كتاب آخر عن المرأة بعنوان "هذه الشجرة" ، فكان لا بد أن تصحح بنت الشاطئ للعقاد ما خفي عنه، فضلا عن دفاعها عن بنات جنسها اللائي اتهمهن العقاد بأشنع التهم – ربما كان ذلك راجعا لسوء حظه مع النساء، فإحداهن هجرته، وأخرى خانته – ثم إن العقاد كاتب مشهور وله مكانته وأثره فى ثقافة الجيل، لا سيما أن مؤلفاته الإسلامية كانت مقررة للمطالعة فى مدارس مصر الثانوية للبنين والبنات لمدة خمس عشرة سنة، ولذلك جاء ردها على العقاد – كما قالت - ليكون أبناؤنا شباب الجيل على بينة من الأمر فى هذه القضية الشاغلة لأمة عريقة تقدر المرأة حق قدرها، وتعي الدور الخطير المنوط بنسائها فى تحقيق وجودها الحضاري، الكريم الحر.
تحكي بنت الشاطئ بنفسها قصة معركتها مع العقاد وردها عليه، قائلة: "فى الحق أنني لم أجادل الكاتب الكبير تطاولا عليه، فلست من طبقته مكانة ومنزلة وشهرة ولا أنا ممن ينتمون إلى مدرسته علما ومنهجا، بل كانت القضية عندي أن موضوع الكتاب – المرأة فى القرآن – المحمول على القرآن الكريم، ليس للرأي فيه مجال، فلا موضع لتنازع فيه إلا برده إلى الله والرسول، كما قال عز وجل: (فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا) .
هذا مع حرصي فيما أنقل اليوم من آراء ومقولات للأستاذ العقاد، على أخذها من لفظه نصا فى ملف القضية، لا أعتمد فيها على الذاكرة، والذاكرة تخون، وكذلك الأمر فى حديث الأمس عن آرائه ومقولاته فى دونية المرأة، وأحكامه الكلية على النساء جملة بالقذارة وعدم الحياء سجية وطبعا، فضلًا عما لم أذكره فى مقالي الأول عنه من حكمه على النساء جملة بالفحش والفجور، إذ كان همي كله أن أسأل بين كل فقرة وأخرى من كتاب الأستاذ العقاد: أين وجد هذه الصورة الشائهة للمرأة فى القرآن الكريم ؟. لم أنسب إليه لفظا لم يقله، كما لم أنازعه فيما قضى به لجنس الرجال من "أستاذية فى فنون الرقص المنفرد أو المزدوج، وفى صناعات مارستها النساء طويلا دون أن يبلغن فيها مبلغ أستاذية الرجال كالطبخ والتجميل والأزياء"، بل أقررت له أننا لم نعد نتعلق بالأستاذية فى مثل هذه الصناعات، بعد أن بلغنا منصب الأستاذية فى الجامعة.
غير أن الكاتب الكبير استكبر أن تجادله مثلي، فلم يتنازل بالرد الموضوعي على ما جادلت فيه، بل حول القضية إلى خصومة شخصية عنيدة للجنس الذى انتسب إليه، حيث يلهج بقصة خطيئتنا الأولى (إذ غوت حواء بكيد إبليس، وكانت ذريعته إلى إغواء أبينا آدم حتى أخرجته من الجنة)، ذكر هذه القصة من قبل فى كتابه "هذه الشجرة"، ثم عاد يكررها فى كتابه الجديد "المرأة فى القرآن الكريم"، وادعى أنها وردت فى كتب الأديان كلها، بما فيها الدين الإسلامي، أي فى القرآن الكريم بصريح عنوان الكتاب.
وليس ذلك عندي مما للرأي فيه مجال، وكتاب الإسلام محفوظ فى صدورنا وسمعنا وبصائرنا، ليس فيه إشارة إلى إغواء حواء أبانا آدم بهذه الشجرة المحرمة، بل الذى فى القرآن أن آدم نسي عهد ربه، وأن إبليس وسوس إليه (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد)، ولم يقل: يا حواء عليك أن تغري آدم بهذه الشجرة حتى يغوي!
فإن يكن الكاتب الكبير قد غاب عنه أن قصة الخطيئة الأولى كما ذكرها فى كتابه "هذه الشجرة"، و"المرأة فى القرآن"، إنما هي من الإسرائيليات التى بثها مسلمة يهود يثرب عصر المبعث، قصدا إلى أن يفهم المسلمون كتاب دينهم بعقلية إسرائيلية، وتناقلها بعض الرواة الإخباريين، فتشبث فى اعتقاد العوام، كبارا وصغارا، وإنا لنتلو أو يتلي علينا صباح مساء من آيات الله البينات فى خبر آدم وزوجه وإبليس وهذه الشجرة، قوله عز وجل فى سورة طه : "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا. وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى، فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي. إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلي. فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى.
قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدي فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم تنسي" الآيات 111 – 126 .
العهد كان لآدم فنسى (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم ...) ، (وعصى آدم ربه فغوى)، فإن يكن للقصة على غير هذا الوجه أصل عند أهل الكتاب، فمتى صح، دينًا ومنهجًا، العدول فيما ينسب إلى القرآن، عن القرآن إلى مرويات غيره؟ وما شاب المفهوم الإسلامي لتحرير المرأة من شوائب دخيلة حجبت الرؤية وضللت البصر، فأخطأه فهم ما أعزنا الله به، نحن بنات حواء، من تبرئتنا من إصر الخطيئة الأولى التى لا تزال تطارد المرأة بلعنة ميراثها المشئوم من أم بدأت حياتها وحياة البشرية جمعاء بالغواية والإغواء، ولا نزال حتى اليوم نسمع ونقرأ أفانين القصص والحكايات عن: المرأة لعبتها الرجل، وحواء ذريعة إبليس لإغواء أبينا آدم، فما زالت به تغريه وتغويه حتى أكل معها من الشجرة المحرمة، وأخرجته معها من الجنة.
فما ينبغي لقائل أن يتعلق فيما يكتب عن المرأة من القرآن الكريم، وهذه الشجرة ، بأن للقصة المشهورة فى غواية حواء وإغوائها زوجها، أصلا فى أديان أخري غير الإسلام، فيختلط الأمر على عوام الكتاب بين ما أوجب ديننا على أمته من تصديق بكتب الله ورسله وبين المعروف للمسلمين كافة، بأن لكل ملة نبيها وكتابها وشرعتها ومنهاجها.
وتوجه آيات الله المحكمات فى آدم وزوجه وإبليس وهذه الشجرة، إلى رسالة الإسلام الحضارية فى براءة أم البشرية من إصر الخطيئة الأولى، وفى إيجاب التصديق بما فى القرآن من آيات فى أنباء الرسل قبلنا، ترسيخا للإيمان بأن الدين واحد، وإنما تختلف رسالاته شرعة ومنهاجا، قال عز وجل لخاتم المرسلين عليهم السلام: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا". صدق الله العظيم .
ثم إن تأويل الكاتب الكبير للقصة على الوجه الذى تيقنه، لا يسلم من تهافت مع قوله فى مدلول القصة: "إنها تعبر عن دور كل من الجنسين على الوجه الوحيد الذى تتم به إرادة كل نوع بين جنس يملك الزمام، وجنس تقوم إرادته على أن يحرك الزمام.
عني بذلك أن الرجل هو الذى يمتلك الزمام، ودور المرأة أن تحرك زمام الرجل .
وما زلت فى شيخوختي العالية أتحرج من إيراد نص ما قرره من انفصال الرغبة الجنسية عند المرأة، من غريزة بقاء النوع، ليقول فى الاحتجاج لعبثية هذا الانفصال عند المرأة (وقد عوفيت أنثى الحيوان من هذا العبث، لأنها إذا حملت صدت عن الذكر وصد عنها، ولكن المرأة التى تحس أنها عابثة فى أحق الوظائف بالجد والمبالاة، يختلط عندها العبث بالجد).
يريد الكاتب الكبير أن يؤصل نظرية ملاحظات له عن المرأة، سبق له رصدها ونشرها فى "هذه الشجرة " عن سلوك النساء فى مجلس ضم رهطا منهن ومن الرجال على قسط سائغ من التعليم والثقافة، وجرى فيه ذكر مغامرات رجل خليع فى الخمسين من عمره، فكان النساء أقل من حضر المجلس اشمئزازا من سيرة ذلك الكهل الخليع".
وفسر هذه الظاهرة بما أمسكت عن ذكره فى مقالي الأول عن كتابه تحرجا وتأثما، لأسأل الكاتب الكبير: "أين وجد مثل هذا المجلس فى القرآن الكريم؟!". وكان رده على أنني بتفكيري وعقليتي وشخصيتي وإقراري بمبدأ تعدد الزوجات (آخر سيدة يجوز لها أن ترد على ما أكتبه عن المرأة ).
قلت إنني مع اعتزازي بالانتماء إلى جنس أنا آخره، أشفق على الكاتب العملاق من التدني للرد على مثلي، وأن يحكم على النساء جميعا فى شخص أخراهن ! وما كنت لأجادل فى كلمة من كتابه "المرأة فى القرآن" ، لو أنه نشره بعنوان "المرأة فى رأي العقاد" . وجاء رده حاسما باترًا: "إن رأيي فى المرأة هو رأي الله" .
وبه انقطع ما حسبته حوارا بيننا، وانقضى العتاب.
وقد علمني مشايخي من أصول العقيدة أن الرأي لا يجوز على الله عز وجل، شأنه شأن سائر كسبيات الأعمال والصفات: سبحانه جل جلاله، هو الواحد الأحد الفرد الصمد، له المثل الأعلى (فلا تضربوا له الأمثال) صدق الله العظيم.