أيمن السميرى: الذائقة والتلقى لا ينفصلان عن الفضاء الاجتماعى بكل تحولاته
يتجدد الجدل مرة أخرى حول حق الناشر في حذف فقرات، أو حتى كلمات يراها من وجهة نظره "غير مناسبة" مجتمعيًا أو أخلاقيًا، حتى نضع هذه الإشكالية في إطارها الصحيح، بهدف إخضاعها واختبارها، يتعين علينا ابتداًء عدم فصلها عن سياقها الظرفي والمجتمعي.
تابع الروائي “أيمن السميري” في تصريحات خاصة لـ “الدستور”، تعليقا علي تدخل بعض دور النشر في المنتج الأدبي للكاتب: قبل مدة كنت أشاهد فيلما قديمًا لإسماعيل ياسين وحسن فايق وشرفنطح، يحكي الفيلم في قالب أقرب إلى الفانتازيا موت رجل وانتقاله إلى الأخرة وظهور ملائكة تحاسبه قام بدورهما إسماعيل ياسين وفايق. طرح مُجالسي الذي يشاهد معي الفيلم سؤالا عن ماذا لو اختلف السياق الظرفي والزماني، وأنتج هذا الفيلم عام 2023؟
كان ردي المباشر أن كل صُناعه بالقطع سيُسجنون، وستقوم قائمة المؤسسات الدينية، وسيتطوع محامون لكيل الاتهامات لصناعه، أقلها الازدراء الديني والمجتمعي وأقصاها التكفير. ولما التعجب والبعض يرى في روايات صدرت في الستينات لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، أن بعض مشاهدها السردية تقترب من البورنوجرافي.
ولفت “السميري” إلي أن: الذائقة والتلقي هما في حقيقة الأمر لا ينفصلان عن الفضاء الاجتماعي بكل تحولاته، بل إن هذا الفضاء هو من يشكل تفضيلات الذائقة وتوجهاتها. عودة إلى النقطة الأساس هل يحق للناشر التدخل في عمل إبداعي بالقص واللصق تحت ذرائع مجتمعية وأخلاقية وفقًا لمازورة أو مسطرة فرضت نفسها في سياق ظرفي معين؟
إجابتي ككاتب بالقطع لا يحق له إعادة النظر في عمل سبق نشره، وتقبلته الذائقة الجمعية، وتعاطت معه دون غضاضة. الحق أقول أن الذائقة الجمعية قادرة على الفرز، والانتقاء والفلترة، والتقبل والاستبعاد، دون أدنى حاجة إلى وصاية عليها من منطلقات دينية وأخلاقية. لقد عاشت حكايات ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني للأصفهاني، وأشعار أبي العتاهية، وأبي نواس، وتماثيل النيود والتعري تشريحيًا، كانت البشرية من النضج بحيث ترى الجمال وتستخلصه، وتتعامل مع النص والتمثال في سياقه، دون تَشَرُب جرأة المطروح إبداعيًا كأسلوب حياة.
الناس تشاهد عروض الباليه لكن لا أحد يخرج من المسرح ليمشي على أطراف أصابعه متدثرًا بقماشه رقيقة على تكوينه الجسماني والتشريحي. الناس تقرأ الأدب حتى في حالة انكشافه بوصفه أشعة مقطعية على ممارسة حياتية قد تكون من المسكوت عنه، لكنها تبقى جزءًا من الحياة التي ربما اختبرها القارئ والمشاهد.
واختتم “السميري” مؤكدا علي: إجمالًا أرفض تمامًا إدخال العمل الإبداعي إلى الغسالة، أي غسالة في أي وقت وأي سياق ظرفي، ببساطة شديدة لأنه ليس هناك ما يتوجب غسله. الصحيح أن الذائقة الراشدة قادرة على تكوين تفضيلات تخصها وحدها بمعزل عن الوصاية… أي وصاية. الصحيح أن الذائقة الراشد ترد العمل إلى سياقاته الجمالية وليس الدينية أو المجتمعية.