هكذا صور الطيب صالح صراع الشمال والجنوب فى «موسم الهجرة إلى الشمال»
يعد الروائي السوداني الطيب صالح، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2009، في العاصمة البريطانية لندن، واحدا من الروائيين العرب الذين تناولوا صدام الحضارات بين الشرق والغرب، في روايته "موسم الهجرة إلى الشمال".
وتعد رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، من كلاسيكيات الرواية، ومن أهم 100 رواية عربية في القرن العشرين. والتي يتناول الطيب صالح من خلالها التناقض بين طالب من الشرق/ الجنوب "مصطفي سعيد"، وفتاة من الغرب/ الشمال "جين موريس"، وبين خلفيتهما الثقافية والحضارية.
وقد أحدثت الرواية التي كتبها الطيب صالح في بداية الستينيات من القرن المنصرم، وهو العصر الذهبي للرواية العربية، ردود فعل مدوية بين النقاد.
كانت الخلفية التي خرجت منها رواية موسم الهجرة إلي الشمال، وما زخرت به هذه الحقبة- الستينيات- من حركات التحرر من الاستعمار، بل ولدي كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج، علي خلفية ثورة 23 يوليو 1952، والتي أندلعت شرارتها بين الأقطار العربية، لتطالب بدورها بحريتها.
تتناول رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، حكاية الطالب "عبد الرحمن ود حامد"، والذي يحصل على الدكتوراه في الشعر الإنجليزي واللغة العربية، وعاش سنوات طويلة في بريطانيا، ثم عاد إلي بلده السودان واستقبل بحفاوة بالغة من أقاربه وأهل قريته. كان من ضمن من استقبلوه "مصطفى سعيد"، والذي بدا مختلفا عن أهالي القرية، فيلفت نظر "ود حامد" إليه فيسأل عنه ليخبروه أنه "مصطفى سعيد"، وهو من سكان القرية لكنه يسكن علي أطرافها مع أولاده ومتزوج من امرأة ريفية ومنقطع تماما عن الحياة.
يشعر "ود حامد" أن وراء مصطفى سعيد سر، فيبدأ في تتبع سيرته، إلا أن لا أحد من سكان القرية يعرف عنه شيئا، إلي أن يقابل مصطفى سعيد والذي يبدأ يروي له عن حكايته، وكيف سافر إلى بريطانيا للدراسة في الثلاثنيات بعد توصية من أستاذه الانجليزي في السودان، حيث رأي فيه الذكاء والنجابة.
يثبت مصطفى سعيد جدارته وعبقريته ويحصل علي الدكتوراه في الاقتصاد من أكبر الجامعات الإنجليزية. ويمضي في سرد حكايته عن حياته في مجتمع الشمال والصراع النفسي الذي عاشه بين جذوره الممتدة في الجنوب/ السودان، وعاداته وتقاليده وثقافته وعلاقته بأمه، وبين العلاقات المفتوحة في المجتمع الغربي في لندن.
هذا الصراع الذي يصوره الطيب صالح في روايته “موسم الهجرة إلي الشمال”، وحصره في صراع مصطفي سعيد وجين موريس، لم يكن مجرد صراع بين رجل وامرأة، بل هو انعكاس للصراع بين الشرق والغرب، بين الحرية في الشمال بكل معانيها من حرية الفكر والسياسة وحتي حرية الجنس، بينما الجنوب يعاني من فقر الفكر وفقر الحرية.