البطريرك ساكو في رسالة الميلاد: نصلي ليمنح الله بلادنا والعالم السّلام والاستقرار
وجّه بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو رسالة الميلاد إلى أبناء كنيسته، جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة، قال فيها الميلاد مشروع لاهوتيٌّ على المستوى الإيمانيّ والإنسانيّ والحياتيّ يساعد الشّخص على استعادة القيم الرّوحيّة والأخلاقيّة ليعيش بمحبّة وسلامًا مع الآخرين، نرفع صلاتنا قائلين: يا ربّ السّلام امنح بلادنا والعالم السّلام والاستقرار.
وأضاف بطريرك الكلدان عيدُ الميلاد ليس مجرّد احتفال بذكرى مرَّت قبل ألفي عام، أو الاحتفال به فولكلوريًّا بالبهرجة الخارجيّة كالزّينة والهدايا والزّيارات، إنّما الميلاد يعلّمنا الوعي والإيمان باستمرار حضور الله في حياتنا اليوميّة، حضورٌ أبديٌّ بمحبّته ورحمته. تقول ترتيلةٌ لِليلةِ الميلاد "عِندما تذوبُ نفسي في كيان الله أكونُ في الميلاد". جاء المسيح لكي يجمَعنا ويقرِّبنا من بعضنا البعض، ونطوِّر علاقاتنا بروح الأخوَّة والطّمأنينة، لذا علينا أن نستقبله بروح جديدة لبلوغ ملء القيم الإنسانيّة والرّوحيّة الّتي علَّمنا إيّاها، ولا نتركنَّ العيد يمرّ مثل أيّام "الرّوزنامة" كما قال البابا فرنسيس قبل ثلاثة أسابيع في صلاة التّبشير الملائكيّ.
وتابع مار لويس روفائيل ساكو، الميلاد لن ينتهي، والرّجاء بإنسانيّة جديدة تعيش بالسّلام والمحبّة والمسامحة، يبقى اُمنية حيَّة في قلب كلّ إنسان: "ليلة الميلاد يُمّحىَ البُغضُ، تُزهرُ الأرضُ، تُبطلُ الحربُ، يَنبِتُ الحُبُّ". هذا الرّجاء يجب أن يستمرّ، من المؤسف أن يأتي عيد الميلاد هذا العام، في وقت يُعاني العالم من أزمات متفاقمة كالحرب الطّاحنة بين أوكرانيا وروسيا، وانقسامات وصراعات، وانسدادات وظلم، في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان واليمن، حيث أضحى المواطنون وخصوصًا الأقلّيّات مقهورين ومعنَّفين ومنهوبين وفقراء ومهجَّرين، بسبب الصّراع على المناصب والمصالح.
- على العالم كلِّه أن يُدرك أنّ الحروب فاشلة والصّراعات خاسرة
وأضاف، على العالم كلِّه أن يُدرك أنّ الحروب فاشلة والصّراعات خاسرة، وينبغي أن ينتهي هذا الأسلوب ويحلّ محلَّه الحوار الدّبلوماسيّ لحلّ المشاكل، وعلى الفاسدين أن يَعوا أنّ الحرام لن يدوم، وأنّ الله سوف يُحاسبهم، وأنّ الحلال وحده يبقى، ولو كان قليلاً فهو بركة، المسيح عاش ما نعيشه اليوم، هاجمه رجال الدّين اليهوديّ كحنَّان وقيافا، وخَشيَّهُ السّياسيّين مثل الملك هيرودس والحاكم الرّومانيّ بيلاطس وعملوا على تصفيته فصلبوه، لكن الله أقامه من بين الأموات، ولهذا السّبب يسمّيه إخواننا المسلمون "عيسى الحيّ".
وأشار إلى أن مخاوفنا وأمانينا تجد في ميلاد المسيح وقيامته الرّجاء بنهاية سعيدة، "عندما نملأ القلوب بالرّجاء نكون في الميلاد". هذا الرّجاء ينبغي أن يشحن قلوب الطّيّبين ويوحّد جهودهم لإنهاء معاناة النّاس من خلال بناء بيئة أفضل، يعيش فيها كلّ مواطن مهما كان لونه أو جنسه أو دينه بكرامة وحرّيّة وعِزّة، الميلاد يعلّمنا أن نكون فَعَلَة سلام، وإحسان، والدّفاع عن المظلوم، وإغاثة اليتيم والأرملة والفقير معًا، ولا يمكن أن ننمو ونتطوّر من دون حياة روحيّة وقيَم أخلاقيّة والتّعاون لاستعادة التّناغم لهذا العالم الّذي خلقه الله جميلاً، وأوكِل إلينا تنظيمه وحفظه وازدهاره.
واختتم، العراق بلد حضارات وثقافات وأمجاد، فيه أناس أكابر من كلّ الدّيانات والفئات. لقد حان الوقت لنعود إلى أصالتنا وقيَمنا، وبناء الثّقة الاجتماعيّة، والتّربية على قبول التّنوّع وترسيخ العيش المشترك، والولاء للوطن الحاضن الجميع تحت قاعدة المواطنة المتساوية. هذا المشروع ليس مهمّة الحكومة وحدها، لكن يتحمّل المواطنون قسطًا كبيرًا من المسؤوليّة بدعمهم وتعاونهم وحرصهم لحماية وحدة بلدهم وسيادته وتقدّمه ليعيش الجميع في غاية السّلام والسّعادة. بصراحة لا يوجد طريق سواه.