فى ذكرى ميلاده.. ننشر حوارًا نادرًا مع نجيب محفوظ يتحدث فيه عن القرن العشرين
في حوار نادر، أجراه الكاتب يوسف القعيد مع أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ، والذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، حيث ولد محفوظ في مثل هذا اليوم الموافق 11 ديسمبر من العام 1911، تحدث فيه عن القرن العشرين وما مر به وشاهده من أحداث وصراعات، واصفًا إياه بأنه: "كان قرنًا حافلًا".
وفي تقديمه لحواره مع نجيب محفوظ يستهل "القعيد" حديثه، قائلًا: "أنا الذي سألت نفسي في البداية قبل أن أسأل نجيب محفوظ: كم مرة ورد تعبير القرن العشرين في رواياته التي تحاول أن تؤرخ- روائيًا- لهذا القرن؟ ولأن الإجابة لم تكن صعبة ولكن مستحيلة، اتصلت بالباحث (مصطفى بيومي)، فقد قام بإعادة كتابة وتصنيف كل حرف كتبه نجيب محفوظ".
وأضاف "القعيد": "قال لي مصطفى بيومي، إن نجيب محفوظ يذكر القرن العشرين مقترنًا بالقرن التاسع عشر في كتبه، وإن كان لم يتكلم أبدًا عن القرن الحادي والعشرين، وأول ذكر للقرن العشرين كان في مجموعته القصصية الأولى (همس الجنون)، بالتحديد في قصة (حياة مهرج) عندما تكلم عن بطل القصة حسن شلضم قائلًا: كان أشهر المهرجين جمعت حياته بين الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين".
ــ كان قرنًا حافلًا بالنسبة لكل القرون
ويسأل "القعيد" محفوظ عن رؤيته للقرن العشرين، فيجيب: "كان قرنًا حافلًا بالنسبة لكل القرون التي سبقته، وقعت فيه أعظم حربين في تاريخ البشرية، حدثت فيه اكتشافات الفضاء. واختراع وصنع القنابل الذرية، وإن كان التفكير فيها قد بدأ في القرن التاسع عشر، إلا أن أول قنبلة نووية كان قبيل انتصاف القرن بسنوات قليلة".
وتابع: "هذا القرن شهد استقلال كل البلدان التي كانت تحت الانتداب أو الحماية أو الاستعمار. وهذه من الأمور الجيدة في تاريخ البشرية وليس القرن العشرين فقط، والقرن العشرين هو قرن التقدم العلمي المذهل الذي جري في كل مكان من الدنيا. خاصة الدنيا المتقدمة التي يسمونها العالم الأول، وشاءت الظروف ألا يودعنا هذا القرن إلا ونحن نري الكمبيوتر والإنترنت. هذه الأشياء التي نسمع عنها ونري نتائجها حتي لو لم نتعامل معها بشكل مباشر، وهذا على الأقل ما جرى معي. وما حدث لي".
ــ الحرب العظمي الثانية شر كبير
وعن رأيه ورؤيته للحربين العالميتين الأولى والثانية واصل نجيب محفوظ، في حواره مع يوسف القعيد: "كحروب هما في حد ذاتهما من الأمور السيئة، لكن لا بد من الاعتراف بأنه نتجت عنهما أمور جيدة جدًا، مثلًا الحرب العظمى الأولى انتهت باعتراف ويلسون بحق الأمم في تقرير المصير، أما الحرب العظمي الثانية فقد انتهت بانتصار حقيقي للحريات عمومًا".
وتابع: "البلاد الديمقراطية هي التي انتصرت والاتجاه نحو الديمقراطية كان هو المبدأ الذي خرجت به الدنيا من هذه الحرب. والذي هزم كان الاستبداد، والنظم الشمولية هزمت فعليًا وفكريًا ولم تعد تجد مَن يدافع عنها".
وأضاف نجيب محفوظ: "الحرب العظمى الثانية شر كبير، لكن نتج عنها خير كبير. من الأمور التي كسبتها البشرية من هذه الحرب، التقدم المدهش في الطيران والرادار ووسائل الاتصال. أمور كثيرة خرجت بها البشرية من الحرب العظمي الثانية".
وعن قنبلتي هيروشيما ونجازاكي النوويتين، يستدرك نجيب محفوظ: "هذا هو الجانب الشرير في هذه الحرب، ولا بد من الاعتراف بذلك ولا يمكن مناقشته، فهو شر مطلق، لكن هذا القرن شهد من الخير ما لم يشهده قرن آخر، وشهد شرًا لم يشهده أي قرن آخر من القرون التسعة عشر التي سبقته".
وعما تحمله ذاكرته حول الحربين العالميتين، قال "محفوظ": "الحرب العظمى الأولى لم أعاصرها. كنت طفلًا لا يعي الأمور التي تجري حوله، ما أدركه منها من الأمور البسيطة جدًا، وهي بالسماع أكثر منها بالمعايشة. ولكن الحرب العالمية الثانية عايشتها يومًا بيوم، وعبرت عن أثرها في الواقع الاجتماعي المصري في أكثر من عمل لي، ربما في (خان الخليلي) و(السكرية)، وغيرهما من الأعمال".