على جمعة: التوكل على الله من الأخلاق الكريمة
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، التوكل على الله من الأخلاق الكريمة التي أمر الله بها في كتابه وفي سنة رسوله ﷺ، وهو عمل من أعمال القلوب فلا يراه الناس ولا يصلح فيه الادعاء، وإنما يرى الناس أثر هذا الخلق الكريم في كثير من تصرفات المسلم، فلا يرون منه تحايلا على الرزق ولا طلب الرزق بالمحرم، ولا يرون منه نفاقا ولا تملقا لأنه متوكل على الله عز وجل.
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية: التوكل بمعنى الثقة بالله والاعتماد عليه في كل الأمور هو أمر واجب ومأمور به في كثير من آيات القرآن الكريم وفي سنة الرسول ﷺ: فمن كتاب الله ورد قوله سبحانه وتعالى لنبيه ﷺ: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159] وقد أمر المؤمنين كذلك بالتوكل عليه فقال سبحانه وتعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160] وقد أخبر سبحانه بحتمية التوكل عليه حكاية عن نبيه الكليم موسي عليه السلام (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس:84]، ومن السنة المشرفة ورد عن أبي هريرة مرفوعا "يقول الله تعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك" (ابن ماجة).
وأوضح " جمعة" وعن عمر مرفوعا : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ؛ لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا" وعن زيد بن ثابت مرفوعا : "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ،ومن كانت الآخرة همه جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة" (ابن ماجة)، وعن عمرو بن العاص مرفوعا : "إن لقلب ابن آدم بكل واد شعبة؛ فمن اتبع قلبه الشعب كلها لم يبال الله في أي واد أهلكه، ومن توكل على الله كفاه الشعب" (ابن ماجة).
وأضاف "جمعة": وقد ذهب عامة الفقهاء ومحققو الصوفية إلى أن التوكل على الله لا يتنافى مع السعي والأخذ بالأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من الأعداء وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله المعتادة مع الاعتقاد أن الأسباب وحدها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا بل السبب "العلاج" والمسبب "الشفاء" فعل الله تعالى والكل منه وبمشيئته قال سهل: "من قال: التوكل يكون بترك العمل فقد طعن في سنة رسول الله ﷺ".
وأشار قائلا: قال الرازي في تفسير قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه كما يقول بعض الجهال، وإلا كان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل على الله أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة، ولكن لا يعول بقلبه عليها، بل يعول على الله تعالى، وقد حث النبي الكريم صلوات الله عليه وسلامه في أكثر من موضع على العمل والاحتراف وعدم ترك الأسباب فعن ابن عمر مرفوعا "إن الله يحب العبد المؤمن المحترف" (ابن مردويه) وعن أنس قال: "ذكر شاب عند النبي ﷺ بزهد وورع فقال النبي ﷺ إن كانت له حرفة" (ابن أبي الدنيا) وعن الحسن قالوا يا رسول الله: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "كسب الحلال وأن تموت ولسانك رطب من ذكر الله" (ابن أبي الدنيا).