ضباط يوليو.. تفاصيل الإطاحة بالملك من واقع مذكرات عبد اللطيف البغدادى
نشرت مذكرات عبد اللطيف البغدادي عبر المكتب المصري الحديث، وصدرت في 218 صفحة، ويروي فيها حكاية الثورة وما تلاها من أحداث.
يؤكد «البغدادي»، أن حادث 4 فبراير كان له عظيم الأثر في نفوس الضباط جميعًا، وهناك عد من العوامل المجتمعة التي كان لها أبعادها بالنسبة إليهم، ويشير «البغدادي» إلى أن حرب فلسطين لم تكن هي السبب الرئيسي لقيام ثورة يوليو 52، وإنما كانت عاملًا مساعدًا ودافعًا لضرورة التغيير، ويشرح أيضًا كيف أن الملك غارق في ملذاته وهناك أحزاب تتطاحن فيما بينها، والفجوة الهائلة بين الطبقة المترفة وغيرها من الطبقات الاجتماعية التي يمثلها الشعب المصري الكادح.
يؤكد «البغدادي»، أن العديد من العوامل ساقت الضباط للتفكير في تنظيم الضباط الأحرار، وكان عبد الناصر هو البادئ بالتحرك، وكان ذلك قبل نهاية عام 1949، وبدأ ناصر تحركاته بالاتصال ببعض ضباط الجيش المعروفين بوطنيتهم، وتم تسمية المجموعة «اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار»، وتم انتخاب ناصر في اقتراع سري رئيسًا للجنة، وأصبحت هذه اللجنة تمثل القيادة العليا للتنظيم، وظل جمال عبد الناصر يترأسها حتى قيام ثورة يوليو 52.
في 17 يوليو، كان هناك اجتماع للضباط الأحرار، وتم استعراض الموقف السياسي للبلاد: «كان في تدهور مستمر بسب حريق القاهرة؛ لأن الملك أقال مصطفى النحاس من الوزارة على إثر أحداث يوم 26 يناير 1952، واستدعى علي ماهر لتشكيل وزارة جديدة».
وكان هناك خطر داهم يقترب، فالملك اكتشف بعض أسماء اللجنة التأسيسية للضباط الاحرار: «توصلت أجهزته الخاصة لمعرفة أسماء بعض الضباط الأحرار خاصة من أعضاء اللجنة التأسيسية، ومن أنه على وشك التحرك للقضاء عليهم والتخلص منهم، وإزاء هذه الظروف رأينا أن نضرب ضربتنا وإلا فإن التنظيم ربما يقضى عليه قبل أن يحقق هدفه الذي علمنا له طوال تلك المدة.
كان هناك ثلاث سيارات يملك إحداها ناصر، والأخرى خالد، ويملك البغدادي الثالثة، وكان هناك خطر، حيث يقتصر أداء المهمة على أعضاء اللجنة فقط، لذلك كانت هناك ضرورة للاستعانة بآخرين، وتمت إعادة النظر في كل شئ تمهيدًا للثورة».
في 18 يوليو، وفي اجتماع الضباط الأحرار، تم استعراض المعلومات التي أمكن الحصول عليها من الوحدات العسكرية الممكن استخدامها والضباط الذين يمكن الاعتماد عليهم في تحريك تلك الوحداث، وكان هناك اعتماد كلي على عنصر المفاجأة، وفي يوم 19 يوليو تم الاجتماع ونوقش فيه الخطوط الأساسية لخطة الانقلاب وكان تواجد 80 ألف عسكري بريطاني في منطقى قناة السويس، وكان هناك خشية من تدخلهم عسكريًا، ولكن لا مفر من قبول هذا الخطر.
بعد ظهر 22 يوليو، تم الاجتماع في بيت خالد وحضر لأول مرة زكريا محيي الدين، وكان واضحًا أنه اشترك مع جمال وعامر وكمال في وضع الخطة التفصيلية، وبعد أن عرف كل منا دوره تم حرق أوراق الخطة، وفي مساء يوم 22 يوليو مر الضباط على زملائهم في التنظيم للاطمئنان على كل شئ، وتم إبلاغهم بالقرارات الجديدة ودور كل منهم وموعد التحرك.
تسريب الخبر
عرف الملك بالخبر رغم الحذر الذي اتخذه ضباط يوليو، وعرف الجميع السبب حين أبلغ عامل التليفون بمطار مصر الجديدة أن قائد اللواء الجوي صالح محمود صالح طلب منه مساء اليوم السابق توصيله تليفونيًا بياور الملك النوباتجي في سراي رأس التين، حيث يتواجد الملك، وأن عامل التليفون استمع للمحادثة وتم إبلاغه بأن هناك وحدات من الجيش ستقوم بعمل انقلاب عسكري.
وكانت هذه المكالمة محفزًا للإسراع في الخطة، وبالفعل وفي تحركات سريعة يوم 23 يوليو تمت السيطرة على القيادة العسكرية والتحفظ على القيادات، وأرسلت لسجن الطلبة بالكلية الحربية، وبعد أن تم تنفيذ الجزء الأول من الخطة في حوالي الساعة الثالثة صباحًا، تم الاتصال بجمال سالم وصلاح سالم وأبلغا بكلمة السر ليبدآ في تنفيذ المطلوب، واستقرت اللجنة التأسيسية على استدعاء اللواء محمد نجيب، وذهب ناصر رفقة عامر إلى منزله، وكان عنده محمد حسين هيكل، وجلال ندا، وانصرفا دون مفاتحة نجيب.
وكانت المرحلة الثانية بحسب وصف البغدادي هو العمل على تشكيل وزارة مدنية تحظى بثقة الشعب وتضمن ولاؤها، وتم الاتصال يوم 23 يوليو بعلي ماهر وذهب لمنزله كل من كمال الدي حسين والسادات ورافقهما إحسان عبد القدوس، ووافق ماهر لكنه طلب تكليف الملك رسميًا، وكان نجيب الهلالي رئيس مجلس الوزراء ومرتضى المراغي وزير الداخلية دائمي الاتصال وكانا يعتقدان أنه يمكن تسوية الأمر بالاستجابة لمطالبنا، ووافقا على تعيين محمد نجيب قائدًا عامًا للجيش، بعد إعلان البيان باسمه كقائد عام، وهنا طلب منهم الضباط تكليف وزارة يترأسها علي ماهر فابلغا الطلبات للملك ووافق وكلف ماهر بتشكيل الوزارة.
ويسرد «البغدادي» تفاصيل الجزء الثالث من الخطة بالتخلص من الملك نفسه، وتم إرسال وحدات من القاهرة للإسكندرية وفي يوم 25 يوليو سافر محمد نجيب للإسكندرية ومعه جمال سالم، وسافر الجميع لتولي أمر الوحدات، حيث تم حصار قصر رأس التين وقصر المنتزه في تمام السابعة صباحًا من يوم 26 يوليو بغرض الضغط على الملك وإجباره على التنازل عن العرش لصالح ابنه أحمد فؤاد الطفل.
ويستمر «البغدادي» في سرد وقائع تنازل الملك عن العرش، ووثيقة التنازل التي أعدها الدكتور عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة في أمر ملكي يستلهم ديباجته من الدستور وجاء كلمات موجزة: «أمر ملكي رقم 65 لسنة 1952 نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان لما كنا نتطلب الخير دائمًا لأمتنا ونبتغي سعادتها ورقيها ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة ونزولًا على إرادة الشعب قررنا النزول عن العرش لولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس الدولة للعمل بمقتضاه".