مقالات فهمي هويدي في الأهرام.. منصة للهجوم على نصر حامد أبو زيد
تحل ذكرى ميلاد ورحيل الدكتور نصر حامد أبو زيد، في شهر يوليو، والذي عُرف بمناداته بإعمال التفكير العقلي والنقدي خلال مسيرته العلمية والمعرفية، إلا أن الهجمة الشرسة التي تعرض لها من قبل منظري الإسلام السياسي وعلى رأسهم عبد الصبور شاهين الذي كان وراء دعوى التفريق بينه وبين زوجته على خلفية بحث الترقية الذي تقدم به "أبو زيد" إلى جامعة القاهرة، بل وأطلق حملة شعواء ضده جيّش فيها منظري الإسلام السياسي ومن بينهم فهمي هويدي.
وفي سيرته الذاتية ومذكراته التي حققها وجمعها الكاتب جمال عمر تحت عنوان "أنا نصر أبو زيد"، من خلال التسجيلات الصوتية للدكتور نصر حامد أبو زيد، ومحاضراته ولقاءاته الإعلامية، يروي أبو زيد كيف هاجمه فهمي هويدي وقلل من جهده العلمي في ترجمته لكتاب "الإسلام السياسي صوت الجنوب".
يقول أبو زيد: كتبت تقديما للطبعة العربية لكتاب الكاتب الفرنسي فرنسوا بورجا، الذي صدر بالفرنسية سنة 89، ونشر بعنوان “الإسلام السياسي صوت الجنوب”، ونشر تقديمي في مجلة العربي الكويتية، كمقال في شهر أكتوبر 92. عددت مميزات الكتاب، من الحيادية كمراقب غربي، إلى حد كبير، والتركيز على الظاهرة في المغرب العربي، مما بين خصوصية الظاهرة في بلدان المغرب، فلم يكن بحثا في الإيديولوجيا والمفاهيم النظرية، بل الفاعلية السياسية والاجتماعية، واعتماده علي شهادات زعماء الحركات.
ويمضي نصر حامد أبو زيد لافتا إلى: "ينتهي قارئ الكتاب إلى نتيجة مهمة وجوهرية مدرجة في ثناياه: ”أن الإسلام في النصوص المقدسة، ليس وحده المولد لظاهرة الإسلام السياسي، كما يحلو لزعماء الاتجاهات الإسلامية أن يقولوا، بل الظاهرة متولدة من واقع مركب". لكن الكتاب مكتوب للقارئ الفرنسي، ويدخل في حالة سجال للمؤلف مع الصورة السائدة في الإعلام الفرنسي، من هجوم على الإسلام السياسي، فيأخذ موقفا دفاعيا جعله يتبنى كثيرا من أطروحات الإسلام السياسي، دون فحص دقيق لمدى مطابقة هذه الأطروحات للواقع، مثل علمانية المشروع القومي، وقضية المرأة وعلاقتها بالإسلام السياسي، وأكدت أن المرأة التي لا يعاقبها الإسلام السياسي، هي المرأة المنخرطة في نشاطه، والمندرجة بزيها وهيئتها ومفاهيمها في أيديولوجيته، لكن ماذا عن المرأة المتبرجة؟.
ــ علاقة عبد الصبور شاهين بـ فهمي هويدي والهجوم على أبو زيد
ويتابع نصر حامد أبو زيد: بعد الاجتماع الطارئ لمجلس قسم اللغة العربية بآداب القاهرة، للرد على تقرير عبد الصبور شاهين بيوم واحد، كتب الأستاذ فهمي هويدي في مقاله الأسبوعي يوم الثلاثاء 8 ديسمبر 1992، عرضا لكتاب فرانسوا بورجا، وفي آخر جزء من المقال وجه النقد لي دون ذكر اسمي، يتهمني بالحساسية الشديدة إزاء الإسلام ذاته، والعداء للظاهرة الإسلامية، وأني رافض لأي فهم تفاهم، وأعتبر الإسلام تاريخا أقرب إلى الفلكلور الذي انتهى زمانه، فكتبت ردا علي إشارته نشرته الأهرام بعد شهر ونصف، يوم الأحد 24 يناير 1993، بعنوان “خطاب الإسلام السياسي والعنف المستتر”، حللت فيه مقال هويدي، فالتطرف هو أخذ طرف في مواجهة طرف آخر، فكيف أكون ضد الكتاب وأنا من أشرفت علي مراجعة ترجمته وكتب له نقدي؟، لكن ليس معنى هذا ألا أحلله نقديا، ولم يذكر هويدي ميزة للكتاب لم أذكرها، لكن مشكلة خطاب هويدي أنه لا يقبل أقل من الاتفاق التام والتسليم المذعن لأطروحاته، دون نقاش، فالعنف ظاهر في مقاله، إذ يصفني بالحساسية تجاه الإسلام، والعداء الشديد للظاهرة الإسلامية، وهو لم يناقش أيا من الأفكار التي اختلفت فيها مع فرنسوا بورجا، مكتفيا بالأوهام الموهمة بالانحراف الفكري، والزندقة والكفر والإلحاد، وتصورت أن مرد ذلك لخلفيته الأزهرية.
ــ فهمي هويدي يقود الحملة ضد نصر حامد أبو زيد
ويمضي نصر حامد أبو زيد مضيفا: يوم الثلاثاء السادس والعشرين، وفي مقاله الأسبوعي صندوق مباشر، وتحت عنوان “قضية منعدمة ومصارحة واجبة”، رد فهمي هويدي على ما كتبت، واصفا مقالي بزنه بمثابة بلاغ ضده، وذكر تاريخ نشر مقالي خطأ، وقال إنه خريج كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وقال عني: “حساسيته إزاء الإسلام ذاته هي التي تحتاج إلي وقفة، فالرجل مشغول منذ سنوات بمسألة تأويل النص القرآني، التي هي في جوهرها عبث بالنصوص وتعطيل لها، وهو القائل في كتابات عديدة بتاريخية النص القرآني، وهي فكرة تتعارض في منطقها مع مقتضي الإيمان الديني. لما قرأت هذا الكلام رثيت للرجل وفهمت لماذا رفضت اللجنة العلمية ترقيته من أستاذ مساعد إلي أستاذ."
ويوضح أبو زيد: كتبت ردا عليه ولم تنشره الأهرام، ونشر بعد ذلك بثلاثة أشهر في مجلة القاهرة عدد أبريل ثلاثة وتسعين، أشرف فيه إلي العنف المستتر الذي حللته في خطاب فهمي هويدي، في مقالي السابق، ها هو يمارس إرهابه في العلن، فيثبت صدق تحليلي، لكن لا أقبل منه التلميح المغرض بشأن جامعي لم يصدر به قرار ولم يتحول بعد إلي شأن عام، وهو تلميح أخطر ما فيه السعي إلي التأثير في القرار بسلطة الإعلام المخولة له، وبالصفحة الأسبوعية التي يستخدمها هنا استخداما شخصيا. يعلم هويدي جيدا كما تعلم المصادر التي زودته بالمعلومة، أن القرار النهائي كان ومازال هو قرار الجامعة.
ــ المرأة البعد المفقود في الخطاب الديني المعاصر
ويشدد نصر حامد أبو زيد على أنه: تناولت جانبا آخر في الخطاب الديني المعاصر، وهو بعد المرأة، وكتبت دراسة نشرت في مجلة القاهرة فبراير ثلاثة وتسعين، تحت عنوان “المرأة البعد المفقود في الخطاب الديني المعاصر”، فالخطاب العربي انتقل من خطاب نهضة إلى خطاب أزمة، والحلول المطروحة للخروج من هذه الأزمة، تتركز كلها حول التراث الذي ارتبط بجوهر الإسلام، فيذهب السلفيون إلي أن الإسلام هو الحل، ويذهب الأبستمولوجيون إلي أن القطيعة مع التراث هي الحل، والتجديديون يذهبون إلي أن تجديد التراث هو الحل. والحديث عن قضايا المرأة في معزل عن سياق الواقع العام، يؤدي للحديث عن الأنثي، بما يستدعي المقارنة بينها وبين الذكر، وتدخل المناقشة كلها في إطار المفاهيم البيولوجية وما يترتب عليها من فروق عقلية وذهنية وعصبية، وهو الإطار العام الذي يتحرك فيه الخطاب الديني، ولأنه خطاب أزمة، يلجأ إلي أضعف الحلقات الاجتماعية، سعيا لنفي الإنسان، ويتعامل مع المرأة تعامله مع الأقليات الدينية، يحبسهم في سجن مفهوم أهل الذمة، وولاية المسلم علي الذمي، المساوي لمفهوم ولاية الرجل أو قوامة الرجل علي المرأة، والحضور الظاهر للمرأة في الخطاب الديني هو حضور يؤكد الفقد، لأنه حضور مرتهن بالنفي.