في ذكراه.. 3 ملامح من مسيرة محمد عفيفي مطر
"مسيرتي هي مسيرة الفرد الإنساني في تعرفه بالعالم، يبدأ بمحسوسات البيئة القريبة، ثم تتسع الهموم والمعرفة والتشكيل" هكذا تحدث الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر (1935 - 28 يونيو 2010) الذي يحل اليوم ذكراه الثانية عشرة، عن مسيرته الشعرية، إذ يعد من أبرز شعراء جيل الستينيات في مصر، وقد تنوعت مجالات عطائه بين المقالات النقدية وقصص الأطفال وترجمة الشعر، وفاز بجوائز عديدة منها جائزة سلطان العويس في 1999.
وفي حوار له بمجلة "كلمات" بعددها رقم 7 الصادر بتاريخ 1 أبريل 1986 كشف عن جوانب من ملامح مسيرته الشعرية، قائلا: هناك دوائر ثلاثة؛ الأولى هي البيئة الأولى التي نشأت فيها، وتكونت فيها العلاقة بالريف والقرية والفلاح، العناصر الفنية في هذه البيئة هي مزيج من التراث والمواويل والخرافات التي يختزنها الإنسان المصري في هذه البيئة، وهي المنطلق الذي ينطلق منه الشاعر الفرد إلى الوطن الجميع، حيث الدائرة الثانية، وتتسع دائرة الرؤية والمعرفة ويصبح الالتزام أكثر شمولا وغني، فتدخل إلى دائرة الهموم الثقافية الكبيرة، هموم الحضارة بأسرها وعلاقة العصر بالتراث، علاقة الشخصية الوطنية القطرية والقومية والعالمية.
وتابع: يصبح هناك تعامل مع التاريخ والأفكار والمدارس الفلسفية والتنظير الجمالي، وهذا؛ بدوره يفتح العين على أنماط من تركيبية التعابير والإشارات الثقافية واستخدام التراث استخداما معاصرا، وعبر تفاعل هذه الدوائر الثلاث (البيئة المحلية - الوطن - العالم) مع ما يؤسسه ذلك من إعادة النظر والبحث في المعطيات الأولى مرة ثانية، أو العودة مجددا إلى البيئة بشكل مختلف، تتشكل الدائرة الكلية التي يتحرك فيها شعري.
وعن ظهور التراث الشعبي في شعره قال إن السبب يعود إلى الدائرة الأولى (البيئة المحيطة والصلة بما فيها من كائنات ومن فيها من بشر عاديين في الحياة اليومية) يظهر التراث الشعبي، الخرافات والأساطير التي تستخدم للإسقاطات المعاصرة لإعادة التفسير وإعادة الاستخدام في تشكيل الصور والمضامين، بما يحدده الموقف العام من هذه البيئة كمنتم لها وملتزم بها، ومع وجود الإحساس العام بأن الشاعر له رسالة ووظيفة ومسؤولية.
واستطرد: أما في الدائرة الثانية (الاتصال بالثقافة العربية والتراث العربي والفلسفة العربية) فقد ابتدأت في التفكير في حل معضلة تحديد موقفي حضاريا مما يحدث على أرض الواقع ومما يطرح من مشاريع الحلول في العمل والانتماء الأيديولوجي، مشيرا: كنت أجد أن جذور المشكلات اليومية وجذور صور التخلف والتحلل الحضاري والخروج من دائرة الفعل المؤثر حضاريا، كنت أجد كل ذلك يتصل بجذوره في ميراث الأمة من فكر عقائدي ونضال سياسي وفعل ثقافي عام، بين أخذ وهضم أو ثأثير وعطاء، وأصبح تاريخ أية مشكلة مرتبطا بتاريخها في الكل الثقافي، أي في التراث الذي يتشكل في إطاره وجداه الأمة وفهمها لنفسها ووعيها لذاتها ووعيها للآخر ومشروعاتها للنهضة والتقدم.
وذكر: من هنا، كانت صيغ النضال المشابه في كل التراث صيغا معاصرة بالنسبة لي، وأصبح أبطال الوعي والقول في التاريخ رفاقا أحياء، ربما أكثر حياة ممن يعيشون حولي، فتصبح قضية العدل أو الحرية أو الديمقراطية أو الاستنارة والتقدم غير منقطعة عن بعضها البعض أو عن مثيلاتها في التاريخ البعيد والقريب، مضيفا: أي أن التراث أصبح هوية وسلاحا ومسيرة لتجلي الأمة في مرآة ذاتها، وعلى واقع أرضها في الزمان ماضيا وحاضرا، ولذلك فقد فرضت حضورها علي، حركات عقائدية وثقافية مثل المعتزلة والمتصوفة وأبطال الصدام ضد القهر وتغريب الواقع وتزوير الإرادة الشعبية، فحمدون القصار مثلا والحسن بن الهيثم وغيلان الدمشقي والنفري وبن عربي أصبحوا أخوة في العمل ومادة خام في التشكيل والتعبير وسلاحا في المواجهة الحالية وصياغة رؤياي للواقع الراهن.