«لم تكن تحلم بالزواج وتكره الأطباء».. حكايات من طفولة نوال السعداوي
"للمرأة أن توقع باسمها على أعمالها وليس باسم رجل سواء أكان أبا أم زوجا، وفي حالة الاختيار بين اسم الأب واسم الزوج فإني أختار اسم أبي، فهو اسم ثابت على الأقل، وأما اسم الزوج فهو متغير مع تغير الأحوال، وأنا أعتبر نفسي محظوظة لأنني لم أحمل في حياتي اسم أي زوج ولم أوقع على كتبي إلا باسم أبي، واسم جدي (والد أبي) السعداوي، وهو اسم رجل غريب عني تماما، لم أره أبدا.. مات، قبل أن أولد".. هذه الكلمات الجريئة للكاتبة الرحلة نوال السعداوي (27 أكتوبر 1931 - 21 مارس 2021)، التي عرفت بجرأتها في مجال الدفاع عن المرأة، وآرائها الصادمة للكثيرين.
وتعرضها للانتقاد والتهميش في أحيان كثيرة بسبب توجهاتها ومواقفها، إلا أنها ظلت ثابتة على مبادئها وأفكارها، ونجحت في الوصول إلى القراء العرب والأجانب بفضل نشاطاتها وبفضل حركة الترجمة، و كتابتها للرواية والقصة القصيرة والمسرحية.
في حوار لها بمجلة "الحياة الثقافية" بعددها رقم 175 الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 2006 تقول السعداوي: أنا ورثت عن جدتي الفلاحة - أم أبي - وهي أمية ورثت عنها إرادتها الحديدية - كان لها إرادة حديدية - كانت امرأة فقيرة وعلمت ابنها الذي هو والدي في الكبر ثلاث جامعات في مصر "الأزهر والقضاء الشرعي ودار العلوم" وكانت زعيمة للقرية تقود الفلاحين والفلاحات ضد العمدة و الملك والإنجليز وأنا عندي خمس سنوات، أذكر أنها كانت تمسكني في يدها وراحت للعمدة ومعها الفلاحون وتقول له "أنت بتأخذ المحاصيل وتسرق عرقنا وجهدنا وربنا حيقرقك في النار" فقال لها" "أنت أمية".. أنت تعرفي ربنا.. أنت لم تقرئي القرآن" قالت له: ربنا هو كتاب.. ربنا هو العدل".. فهذا هو الدرس الأول الذي تعلمته في الدين والفلسفة.
عرفت السعداوي بتفوقها في الدراسة، وهو ما أكدت عليه بحديثها عن ذكرياتها مع والدها، قائلة: كنت الأولى دائما لأني كنت خائفة كان أبي يقول لي "إذا فشلت يوما في المدرسة أبقيك في البيت وأزوجك.. كان هذا الكلام يخيفني.. فكان لازم أطلع الأولى"، ولم تكن نوال السعداوي كغيرها من الفتيات اللاتي تحلمن بالزواج، لأن أمها كانت نادمة على زواجها، مستطردة: لقد أحبت أبي وكانت حياتهما سعيدة جدا ولكن كان عندها طموح، وكانت تقول لي "أحلامي أجهضت بالزواج وقد أنجبت تسعة أولاد وماتت وعمرها خمسة وأربعون عاما.. صغيرة شابة.. فأنا تعلمت الدرس وقلت وأقسمت أنني سوف أحقق أحلام أمي ولن أتزوج.. وأبي لم يكن يريد أن يزوجني لأنه كان يعتبرني نابغة.. كان المدرسون يكتبون لي في ورقة الأعداد: أنت سيكون لك شأن، وأمي كانت تقول لي: "نرمي نوال في النار ترجع سليمة"، فبدأت أشعر بثقة كبيرة جدا في نفسي، والذي ساعدني أيضا أنه كان لي أخ أكبر مني سنا كان بليدا وكنت متفوقة عليه في كل شيء وهذا نفعني كثيرا.
أنقذت نوال السعداوي من الزواج وهي في سن العاشرة من عمرها، وتمردت وكانت في صراع ضد القيم وكان والديها ضد القبلية، وبسبب تفوقها دخلت كلية الطب رغم أنها لم تحلم بالطب أبدا، ولم تحلم بالرداء الأبيض وكانت تكره الأطباء، معللة ذلك: بأنهم يعطونني حقنا، وكان الأطباء غلاظا وشخصيات كريهة فلم أكن أحبهم وكنت أريد أن أكون راقصة وفنانة ومغنية.
بدأت نوال السعداوي الكتابة وتأليف القصص منذ كان عمرها 13 عاما، ورغم سنها الصغير إلا أنها كانت متأثرة بنفسها، وكانت تقرأ لكثيرين أمثال محمود سامي البارودي والعقاد وطه حسين والمنفلوطي وكل الآباء، وتضيف: كان أبي يملك مكتبة كبيرة، أنا قرأت الجاحظ ولسان العرب والاصفهاني يعني أنني فتحت عيني على مكتبة عربية وإسلامية في ثقافتي عربية وأبي علمني اللغة العربية من الطفولة وعربيتي قوية جدا، وأبي علمني التوراة والقرآن والإنجيل، أنا قرأت الكتب الثلاثة في الطفولة وأحببت الشعر.. أبي كان شاعرا وكاتبا ولكنه لم ينشر شيئا.. كان طوال الليل يقرأ علينا الشعر الثوري ضد الملك والإنجليز فعشت في بيئة ثورية فيها الشعر وفيها اللغة العربية.. أبي كان صوفيا يؤمن بالعقيدة فقط.. لا يؤمن بالعبادات والطقوس وكان مثل الصوفية يؤمن بجوهر الدين.. هكذا إذن نشأت وأول قصة كتبتها كان عمري 13 سنة اسمها "مذكرات طفلة" اسمها سعاد وطبعت.