علماء الأزهر يضعون روشتة اغتنام العشر الأوائل من ذي الحجة
طالب علماء الأزهر والأوقاف، المشاركين فى القافلة الدعوية السابعة المشتركة بمنطقة بهتيم محافظة القليوبية، باغتنام مواسم الطاعات والخيرات، خاصة أننا نعيش أياما مباركة توافق موسم الحج والعشر الأوائل من ذى الحجة، ومقبلون على عيد الأضحى.
وقال د. عماد عبدالنبي محمود، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إن الله (عز وجل) قد اختص من أيام الدهر مواسم تضاعف فيها الحسنات، وتكثر فيها الخيرات، وترفع فيها الدرجات؛ ترغيبًا لعباده في دوام التقرب إليه، وحسن الإقبال عليه، والعاقل من اغتنم هذه المواسم فأخلص فيها النية، وأحسن فيها العمل، وأقبل على ربه (عز وجل) يستكثر من فعل الخيرات، ويتعرض للنفحات والرحمات.
وأكد الشيخ أحمد راتب ماهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن العشر الأول من ذي الحجة من أفضل الأيام والليالي، ومن عظمها وشرفها أن الله (عز وجل) أقسم بها في كتابه العزيز، حيث يقول سبحانه: "وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* والشفع والوتر"، والذي عليه جمهور المفسرين أن الليالي العشر هي العشر الأول من ذي الحجة، والله (عز وجل) لا يقسم إلا بعظيم، فالقَسَم بها تكريم لها، وتعظيم لمكانتها، وتنويه بشأنها، وبيان لفضلها، وإرشاد لأهميتها، فعلينا اغتنام هذه الأيام بالعبادة والطاعة.
وأكد الشيخ علي علي شلبي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن العمل الصالح في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلى الله (عز وجل) من غيرها، فهي موسم للرِّبح، وطريق للنَّجاة، وميدانُ السَّبْق إلى الخيرات ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ"، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"، لذا ينبغي على كل مسلم أن يغتنم هذا الفضل الكبير، والأجر العظيم بالتقرب إلى الله (عز وجل) بألوان الطاعات، وصنوف العبادات.
وأكد الشيخ السيد عبدالرازق إبراهيم، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن من أحب الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه (عز وجل) في هذه الأيام، حج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا، يقول الحق سبحانه: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ"، والحج مناسبة عظيمة لتعليم الفضائل والأخلاق السامية، حيث يتربى المسلم فيه على تقوى الله (عز وجل) والتحكم في غرائز النفس وشهواتها، والتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسنها من الإيثار لا الأثرة، والاستغناء والتعفف لا السؤال والابتذال، كما يتعلم فيه المسلم الدقة في الأقوال والأفعال، والالتزام والانضباط، فالحاج من خِلال حَجِّه يتوجب عليه أن يُطبِّق عمليًّا ما دعا إليه الإسلام من القيم والأخلاق؛ ليخرج الحاج من مدرسة الحج وقد تحققت له مضامينه الأخلاقية والسلوكية.
وأكد الشيخ عاطف إسماعيل دياب، عضو مجمع البحوث، أن الله تعالى اختص تلك الأيام بوقوع عبادة الحج فيها، وهو رسالة سلام للكون كله، فالحج سلام كله، سِلم كله، أمان كله، فالحاج لا يخاصم، ولا يجادل، ولا يُهيّج صيدًا ولا ينفره أو يقتله، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ"، ولا تقتصر المسالمة على الإنسان والحيوان فحسب، بل تمتد إلى النباتات، فالحاج مأمورٌ حتى بمسالمة النبات، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إن هذا البلد حرّمه الله تعالى لا يُعْضَدُ شوْكُه [أي لا يُقطع]، ولا يُنفَّرُ صَيدُه، ولا يَلتقط لُقطتَه إلا مَن عَرَّفها"، ولا شك أن في ذلك تدريب وتأهيل للمسلم على أن يَسْلمَ من أذاه البشرُ والشجرُ والحجرُ بعد عودته من فريضة الحج.
وأكد د. محمد السيد نصار، بديوان عام وزارة الأوقاف، أن من الأعمال الفاضلة التي يستحب للعبد أن يتقرب بها إلى الله (عز وجل) في هذه الأيام المباركة الصوم، فالصيام من أفضل الطاعات، وأجلِّ القربات، وقد أضافـه الله (عز وجل) إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"، وقال (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"، ومن ثمَّ فإنه يستحب للمسلم أن يصوم من أيام التسع من ذي الحجة قدر استطاعته، فصومها من الأعمال المحببة إلى الله (تعالى)، خاصة صيام يوم عرفة لغير الحاج فقد خص النبي (صلى الله عليه وسلم) صيامه من بين أيام العشر، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".
وأكد د. رمضان عبدالسميع بله، بديوان عام وزارة الأوقا أن يوم عرفة يوم من أيام الله المشهودة التي يتجلى الله (عز وجل) فيها على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، فهو يوم تُجاب فيه الدَّعوات، وتُقال فيه العَثَرات، ويباهي اللهُ فيه بأهل الأرض أهل السموات، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ"، وهو يومٌ أكمل الله فيه الدِّين، وأتم فيه النِّعمة، فعنْ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): إنَّ رجُلاً منَ اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا- معشرَ اليهود- نزلَتْ، لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، قال عمر (رضي الله عنه): "قد عَرَفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلتْ فيه على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو قائم بِعَرَفة يوم الجمعة".
وأكد الشيخ عبدالفتاح عبدالقادر جمعة، بديوان عام وزارة الأوقاف، أنه يستحب للمسلم أن يكثر من ذكر الله (عز وجل) في هذه الأيام، فالذكر حياة القلوب، وبه تتحقق الطمأنينة، ويقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"، وكان سيدنا عمر (رضي الله عنه) يكبّر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبّرون، ويكبّر أهل الأسواق حتى ترتجّ منى تكبيرًا، وكان ابن عمر (رضي الله عنهما) يكبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات وعلى فراشه، وفي مجلسه وممشاه، ومن ثم فيستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام إعلانًا بتعظيم الله تعالى، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعمَالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى".
وقال الشيخ عاطف أمين شحاتة، بمديرية أوقاف القاهرة، إن من الأعمال الجليلة التي يتقرب بها العبد إلى الله (عز وجل) في هذه الأيام الأضحية، فهي شعيرةٌ من شعائر الله (عز وجل)، وهي عَلمٌ على الملة الإبراهيمية، ودليلٌ على السنة المحمدية، حيث يقول الحق سبحانه: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَـائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ"، والأضحية صورة من صور التكافل المجتمعي التي تحقق التواد والتراحم والترابط بين أفراد المجتمع، ولما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) بالناس فاقة قال لهم: "مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ"، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي؟، قَالَ: "كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا"، فحيث يكون الرخاء والسعة يكون العمل بقوله (صلى الله عليه وسلم): "كلوا وتصدقوا وادخروا"، وحيث يكون بالناس جهد وحاجة أو شدة وفاقة يكون العمل بقوله (صلى الله عليه وسلم): "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء".
وقال الشيخ إبراهيم جابر سليمان، بمديرية أوقاف الجيزة، أن الأضحية كما تتحقق بالذبح تتحقق بشراء الصك، ولا شك أن ذلك يعظم من نفع الأضحية، وبخاصة لمن لا يملك آلية لتوزيعها على الوجه الأمثل، مما يجعلها تصل عبر منظومة الصكوك إلى مستحقيها الحقيقيين، وهو ما يزيد من نفع الأضحية وثوابها في آن واحد، كما أنه يسهم في إيصال الخير إلى مستحقيه بعزة وكرامة، وما أجمل أن يجمع المستطيع الموسر بين الأمرين، ذبح الأضحية توسعةً على أهله وذويه، وشراء الصكوك توسعة على عامة الفقراء في المناطق الأكثر احتياجًا.