رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منابع التكفير والتفجير.. إلى ماذا تستند الجماعات الإرهابية في تفجير المساجد؟

جريدة الدستور

يزول كل عجب أمام العملية الإجرامية التي استهدفت مسجد الروضة بسيناء في مثل هذا التوقيت من العام الماضي، إذا عُلم أن قاتل أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب أثناء الصلاة، كان مؤمنا إيمانا يقينيا أنه كافر، رغم أنه أحد المبشرين بالجنة، وله ما له في نشر الإسلام، فالقتلة والخوارج على مر العصور يستحلون الدماء المعصومة التي حرمها الله تعالى، بتأويلات باطلة، وفهم مغلوط لنصوص الشرع، وقد شذوا في ذلك أبعد شذوذ فكفروا الصحابة؛ بل وكفروا النبي صلى الله عليه وسلم، وتطاولوا عليه في حياته مثل واقعة ذي الخويصرة التي اتهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم بانعدام العدالة، فليس بمستغرب على أحفادهم إذن استهداف أحد المساجد أثناء الصلاة بهذا الفهم... السطور التالية تلقي الضوء على الأسانيد الشرعية الملوثة بالتطرف التي يلجأ إليها منفذو هذه العمليات الإجرامية.



أصابع سيد قطب

كالعادة، فإن أول تلك الأسانيد لا يخرج عن تحريفات سيد قطب في ظلال القرآن الذي يعد المرجع الأول لكل الجماعات الإرهابية، الذي وصف قتل الخليفة الثالث عثمان ابن عفان رضي الله عنه في كتابه "العدالة الاجتماعية" بأنه "فورة من روح الإسلام"، كما وصف القتلة بأنهم "الذين أُشربت نفوسهم روح الدين إنكاراً وثأثماً"(1).

وقد امتدت أفكار سيد قطب المسرفة إلى اعتبار أن المساجد المقامة في بلاد المسلمين اليوم تعتبر "معابد الجاهلية"، نظرا لعدم تطبيق الحاكمية، ومن ثم فإن روادها، لا يعبدون الله وحده، حتى إن ظلوا يرددون كلمة التوحيد بألسنتهم على المآذن.

يقول سيد قطب حول تفسير قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا، وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 87]:

" وهذه التجربة التي يعرضها الله على العصبة المؤمنة ليكون لها فيها أسوة، ليست خاصة ببني إسرائيل، فهي تجربة إيمانية خالصة، وقد يجد المؤمنون أنفسهم ذات يوم مطاردين في المجتمع الجاهلي، وقد عمت الفتنة وتجبر الطاغوت، وفسد الناس، وأنتنت البيئة - وكذلك كان الحال على عهد فرعون في هذه الفترة - وهنا يرشدهم الله إلى أمور

اعتزال الجاهلية بنتنها وفسادها وشرها - ما أمكن في ذلك - وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها، لتطهرها وتزكيها، وتدربها وتنظمها، حتى يأتي وعد الله لها

اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد. تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي؛ وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح؛ وتزاول بالعبادة ذاتها نوعا من التنظيم في جو العبادة الطهور"(2).

ورغم أن الآية تتحدث عن وضع مقيد بحال نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون، إلا أن سيد قطب قد أصر على إسقاط النص القرآني على المجتمع الذي يعيش فيه باعتباره قد عاد للجاهلية مرة أخرى، وأن المساجد التابعة للدولة، قد أصبحت معابد جاهلية.

وفي نص آخر لسيد قطب يوضح هذه النقطة بشكل أكثر جلاء، فيقول

" لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله . فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد ، وإلى جور الأديان ; ونكصت عن لا إله إلا الله ، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: "لا إله إلا الله " دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية "الحاكمية " التي يدعيها العباد لأنفسهم - وهي مرادف الألوهية - سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب. فالأفراد، كالتشكيلات، كالشعوب، ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية.. إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله. فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية. ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء...

البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات: "لا إله إلا الله " بلا مدلول ولا واقع.. وهؤلاء أثقل إثما، وأشد عذابا يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد - من بعد ما تبين لهم الهدى - ومن بعد أن كانوا في دين الله"(3).


وقد أسلم أتباع المناهج التكفيرية قيادهم لأفكار سيد قطب، باعتبار أن المجتمع بهذه الصورة جاهلي وأن مساجده معابد جاهلية حتي وإن اقيمت فيها الشعائر الإسلامية، وبالتالي كانت تلك الأفكار بمثابة الرافد الأساسي لكل الجماعات التكفيرية باعترافهم، وقد اعترف بذلك أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في مقابلة له بصحيفة الشرق الأوسط في سبتمبر 2001م، أن سيّد قطب هو الذي وضع دستور التكفيرين الجهاديين في كتابه الديناميت معالم على الطريق، وأن فكر سيّد هو وحده مصدر الأحياء الأصولي، وأن كتابه "العدالة الاجتماعية" في الإسلام يعد أهمّ إنتاج عقلي وفكري للتيارات الأصولية، وأن فكر سيّد كان شرارة البدء في إشعال الثورة التي وصفها بالإسلامية ضد من سماهم أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم". 


أبو محمد المقدسي مُنظر الدم

ويترجم أبو محمد المقدسي منظر الجماعات التكفيرية في مسألة مساجد الضرار

يعرف المقدسي مسجد الضرار بأنه:

"هو الذى يؤسسه كافر، أو منافق بناء على طلب أو أمر أو توصية من كافر، قال تعالى في صفة مسجد الضرار: (وَكُفْرًا)، فالمنافقون هم الذين أسسوه وبنوه بناء على طلب وتوصية من أبى عامر الراهب الكافر»(4).

ويوضح أكثر فيقول: ومسجد يؤسسه الكافر لن يُؤسس قطعًا للمّ شمل الموحدين والتأليف بين قلوبهم، كلا؛ وإنما يؤسسه إرصادًا لمن حارب الله ورسوله كما سيأتى، ولبسًا للحق مع الباطل وخلطًا للشرك مع التوحيد وتمييعًا لقضية الولاء والبراء بأن يجمع فيه بين أهل الشرك وأهل التوحيد ويخلط فيه أهل الحق بأهل الباطل ويمزج فيه بين ذكر الله وذكر الطاغوت، كما يجرى دوما في المؤتمرات التي تعقد في المساجد الكبيرة والضخمة التي يؤسسها الطواغيت، فقد رأينا النصارى والقسيسين والرهبان والعلمانيين والملاحدة يجتمعون مع مشايخ الحكومات، ويشاركون في تلك الندوات ويخطبون في الجموع في المساجد التي تعقد بها تلك الندوات؛ فلا يليق بمسلم يعرف توحيده أن يشاركهم فى شىء من ذلك"(5).

ثم يقول:

"فإذا ما أدرنا طرفنا في مساجد العصر في ظل هذه الحكومات الطاغوتية الكافرة التي تشرع مع الله ما لم يأذن به الله وتدعوا الناس بل تأطرهم على الدخول في دينها الوضعي الوضيع، وتوالي أعداءه وتحارب أولياءه، وتسعى لهدم توحيدهم ودينهم.. فإنها لا تخرج عن ثلاثة أقسام

القسم الأول: مساجد حكومية أسستها وبنتها هذه الحكومات الكافرة لتلّمع نفسها وترتدي لباس الإسلام الذي نزعته وتبرأت منه منذ زمان، لتعطي نفسها الصبغة الشرعية عند العوام وتروج ذلك على الطغام؛ فهم ولاة أمور الناس في دينهم ودنياهم!! وهم الأوصياء على أوقاف المسلمين!! وهم، وهم .. ومن نازعهم أو طعن في ولايتهم فقد طعن في دين المسلمين وفرّق جماعتهم!!! هكذا يهدفون من وراء بناء تلك المساجد ويتولون أمرها ويتحكّمون بها تحكماً كاملاً، فهم الذين يولّون أئمتها وينصبون خطبائها، ويَفْصِلونهم أو يعاقبونهم متى شاءوا إذا ما خرجوا عن خط الحكومة الذي رسمته لهم ..

وهذا القسم من المساجد على نوعين

النوع الأول: إما أن يبنيه بعض أئمة الكفر في هذه الحكومات من أموال المسلمين التي تسلطوا عليها أو يبنيها آباؤهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أو أوليائهم من الملأ الذين أُترفوا، وغالباً ما يسمونها بأسمائهم أو أسماء أهليهم، وتتميز هذه المساجد بانطباق صفات مسجد الضرار عليها فتلائم لضخامتها وزخرفتها وتزويقها أن يتخذها الطواغيت وأوليائهم مقرّات لانعقاد المؤتمرات والندوات والتجمعات التي تهدف أساسا إلى إدخال الناس في دين الطواغيت وصدهم وحرفهم عن التوحيد إلى التنديد بصور شتى، و تعمل على محاربة الجهاد والمجاهدين تحت مسميات شتى وعناوين مختلفة ..

فهذا النوع من المساجد الحكومية يسخّر للإرصاد لمن حارب الله ورسوله والصد عن سبيل الله والإضرار بالمسلمين ودينهم ونصرة للكفر وأهله؛ فلا شك ولا ريب أنها من جنس مسجد الضرار"(6).


ردود علماء الأوقاف

الشيخ أحمد ترك وكيل وزارة الأوقاف إن هذا الكلام كله باطل، ولا أساس له من الشرع، فمساجد الضرار لها مواصفاتها المعروفة، وهؤلاء الذين يروجون لمثل هذه الفتاوى يقصدون الإضرار بالمسلمين، والاجتماع معهم يحقق ذلك، أما الدولة فتعمل على نقريب الناس من دينهم بإقامة المساجد والإنفاق عليها وتخصص لها الوعاظ والخطباء لتعليم المسلمين دينهم، أما مساجد الضرار فهي عكس ذلك تماما لأنها تكون مراكز لإيواء المخالفين المتآمرين علي المسلمين.


فتوى قديمة للدكتور عطية صقر

وفي فتوى قديمة للدكتور عطية صقر نشرتها دار الإفتاء المصرية في مايو 1997 للإجابة على سؤال يقول: ما هو مسجد الضرار، وهل ينطبق على بعض مساجدنا في هذا العصر؟
وبعد أن أورد الأدلة الشرعية على ذلك قال:
" مسجد الضرار له حيثيات، وهى الإضرار والكفر والتفريق وإيواء المحاربين لله ورسوله، ومن هنا إذا بنى مسجد فى منطقة- وبخاصة إذا كانت مساجدها كافية - يراد بذلك تفريق كلمة المسلمين والإضرار بالناس بأى لون من ألوان الضرر عقيدة أو سلوكا، وتجتمع فيه جماعة خارجة عن حدود الدين، لأنهم يكفِّرون غيرهم مثلا أو يستحلون حرماتهم، أو يريدون بذلك رياء وسمعة-فهو فى حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه على ما رآه علماء المالكية كما ذكره القرطبى".

______
هوامش:

(1) انظر: العدالة الاجتماعية، سيد قطب، ص160
(2)في ظلال القرآن، سيد قطب، 3/1817 .
(3)في ظلال القرآن، سيد قطب، 2/1058.
(4)تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار، ابو محمد المقدسي ، 14

(5)تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار، ابو محمد المقدسي ، 15

(6)تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار، ابو محمد المقدسي، 16.

عاجل