كتاب جديد يرصد المحطات الخفية في حياة "سيد قطب" داخل إسرائيل وأمريكا
مذكرات بعض شيوخ الأزهر للتحذير من أفكار "قطب" في مراحله الأولى
الوثائق السرية الأمريكية كانت تصفه "بغريب الأطوار ذي الوجوه المتعددة"
سرد تفصيلي لقصته مع "بن جوريون" و"جولدا مائير" داخل الوكالة اليهودية
حقيقة دروس الماسونية الخاصة التي تلقاها على أيدي الحاخام "حاييم كافيكا"
أسرار "بولاند هارمر" صاحبة أول بحث ميداني عن "سيد قطب" داخل إسرائيل
كتاب يقع في حوالي 206 صفحات من القطع المتوسط، نشر في قطاع الثقافة بأخبار اليوم، للخبير في الشئون الإسرائيلية توحيد مجدي بعنوان "سيد قطب والاستخبارات الأمريكية.. عمل لحساب CIA وتزوج ضابطة من الموساد".
انقسمت الساحة من "سيد قطب" إلى ثلاثة أصناف، صنف جعله في علين ورفعوا درجاته للمهديين وجزموا بأن مكانه في الجنان مع الصدقين والشهداء، وقسم جعله في نار جهنم ولم يتركوه في درجة الحساب، والقسم الثالث تعامل معه كإنسان يُخطئ ويصيب فنقدوا تراثه وعملوا على قراءة نقدية لما كتبه على ضوء مسيرته الحياتية والإنسانية.
الكتاب الذي بين أيدينا عن سيد قطب يكشف عن الوجوه المتعددة لمنظر الجماعات الإسلامية السياسية المعاصرة.
لقد مرّ سيد قطب الإنسان في حياته بأطوار أربعة: الطوار الأول مرحلة التيه والضياع الفكري، والطور الثاني المفكر والناقد الأدبي، والطور الثالث المفكر الإسلامي الذي يكتب الإسلاميات على أرضية مشتركة مع عباس محمود العقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل، والطور الثالث مرحلة التطرف الفكري والتكفيري.
"قطب" والمؤسسة الدينية
يكشف لنا الكتاب في بداياته عن تحقيقات وزارة المعارف العمومية عن الشذوذ الفكري الذي انتاب "سيد قطب" في بدايات حياته الفكرية، أو ما يطلق عليه البعض الرجل المفكر غريب الأطوار. لن يصدق أحد أن لـ"قطب" علاقة بالحركة الصهيونية، ناهيك عن الجماعة الماسونية، بل ثالثة الأثافي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي.
الرجل كما وصفة الكتاب "بغريب الأطوار ذي الوجوه المتعددة " تقلب كثيرا في حياته الفكرية، فتناول الكتاب احتجاج بعض علماء المؤسسة الدينية على أفكاره المنشورة في ذلك الوقت، فقد تم تقديم حافظة مستندات شملت مقالات "سيد قطب" الشاذة التي كتبها في فترات مختلفة، مع نسخة من صحيفة الأهرام المصرية العريقة التي صدرت لأول مرة بالقاهرة في 27 ديسمبر عام 1885م تضمنت مقالًا كتبه "قطب" صيف عام 1934م دعا بين سطوره علانية إلى إباحة التعري الكامل على الشواطئ وأن تسمح السلطات للناس بالعيش وممارسة حياتهم عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، ما دفع "الشيخ محمد مأمون الشناوي" شيخ الأزهر في ذلك الوقت، إلى رفع مذكرة إلى وزارة المعارف العمومية حول أفكار "سيد" التي حررت تحت باب قانون التقويم والقوامة للأزهر الذي كان معمولا به وقتها، طبقا للقضاء الشرعي المعمول بأحكامه والمنطبقة بنوده حتى ذلك الوقت من تاريخ مصر الحديث، وهدد فيه الشيخ "الشناوي" بمراقبة مقالات سيد قطب وأنه لن يتردد في الحكم عليه شرعا بالخروج من الدين إذا استمرا في هرطقته الدينية الشاذة وفي خلطه للفقه الإسلامي بفكره الغريب عن الإسلام.
وكشف الكتاب عن قصة قيام الشيخ محمد خضر حسين شيخ الأزهر أيضًا بتقديم مذكرة سرية أرسلها لوزارة المعارف العمومية بالقاهرة حذر فيها من المقالات التي ينشرها "سيد قطب" في توقيت متزامن لزيارته أمريكا وتسرب بعض من سطورها إلى مشيخة الأزهر الشريف من دارسين مصريين وتناولها الشيخ في هذه المذكرة بكثير من النقد والدراسة والتحذير.
"قطب" في القدس
تناول الكتاب قصة استضافة دار الإفتاء الفلسطينيةـ القديمة بالقدسـ الوفد التعليمي المصري برئاسة "قطب" خلال تواجده في المدينة، وقصة لقائه بشخص قدم نفسه إليه باسم "زئيف زئيف" ممثلًا عن الوكالة اليهودية، بعدها دعاه مع زميل له من الوفد المصري وكان من طائفة يهود مصر، ويدعي "زكي أفندي هاروفيه" إلي زيارة مقر الوكالة اليهودية الجديد فقبل "سيد" مع زميلة اليهودي المصري الدعوة من أجل التعارف العلمي.
ووجد الاثنان نفسيهما ضيفين لدى مكتب ديفيد بن جوريون السياسي اليهودي الصهيوني الشهير الذي تولي منصب رئيس الوكالة اليهودية خلال الفترة من عام 1935م حتى 1948م وأصبح فيما بعد أوّل رئيس وزراء لإسرائيل، وجرى اللقاء بين "قطب" ورئيس الوكالة.
وقدم بن جوريون لـ"سيد" خلال اللقاء الأول والأخير بينهما عددا من المغريات باعتباره رئيسًا للوفد المصري، خاصة عندما سمع من ضيفه على هامش التعارف الودي الروتيني بينهما رغبته وحلمه الشخصي في عمل دراسات عليا بجامعات الولايات المتحدة الأمريكية، ووعده بن جوريون بمساعدته.
المثير للجدل أن "سيد قطب" لم يقابل فقط خلال زيارته الأولى للوكالة بن جوريون، بل على مدار اليومين قابل ايضًاـ حسب الكتابـ جولدا مائير التي ترأست خلال تلك الفترة القسم السياسي للوكالة بعدما سافر "موشيه شاريت" ونائبها الأول الذي يعتبر ثاني رئيس وزراء لإسرائيل وخدم من الفترة 1953 إلى 1955م، وكان مسئول التوثيق الدقيق لهذا القاء بين (جولدا وقطب) بصفته نائب مدير القسم السياسي بالوكالة.
وحينها وافق "قطب" على عمل محاضر أمام 25 رجلًا وامرأة لتدريس اللغة العربية باللهجة المصرية، وهذه المجموعة كانت بالفعل النواة الأولى الحقيقية لمؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة بجهاز الموساد الإسرائيلي فيما بعد وذكر الكتاب بعضًا من أسمائهم بالكامل.
كان رئيس الوكالة اليهودية طبقًا لبروتوكول اللقاء التاريخ الذي انكشفت بياناته الحصرية جدًا للغاية خلال حديث مع "قطب" لكنه وجدها كسياسي مخضرم فرصة لا تعوض للتعاون مع موظف مصري رسمي كبير، كان من وجهة نظره شخصا مختلا نفسيا طبقا لما حرر بن جوريون بخط يده بعدها في ملاحظاته الخاصة من مجمل اللقاء وملف التطبيع العلمي والثقافي مع القاهرة.
وطبقا لمعلومات البروتوكول، أعرب "سيد قطب" في نهاية اللقاء الودي مع بن جوريون عن شكره العميق على كرم الضيافة ووعوده الجادة، وأشار إلى كونه مجرد موظف لدى وزارة المعارف العمومية المصرية حتى لو كان رئيسا لوفدها الرسمي في القدس، وقد ضحك رئيس الوكالة، وقال موجها إلى ضيفه المصري وزميله اليهودي الذي جلس طيلة الوقت دون أن ينطق بكلمة واحدة، "سأعمل على الاهتمام بك من الآن فصاعدا ولن ألزمك باتفاق".
وقبل الانتهاء من اللقاء حرص بن جوريون على التقاط الصور التذكارية مع "قطب" ولم يتمكن المؤلف حسبما ورد في الكتاب من الاطلاع عليها بسبب عدم موافقة السلطات الأمريكية المختصة بدعوى مهر ملف الصور بخاتم حماية أسرار الأمن القومي الأمريكي مع غلقه بخاتم شمع بتوقيع القضاء الفيدرالي.
أفكار "قطب" في الوكالة اليهودية
وتحت عنوان ديفيد بن جوريون يتبنى أفكار "سيد قطب" في التعليم تناول الكتاب تردد "قطب" بعدها على مدينة القدس بشكل رسمي كرئيس للبعثة المصرية التابعة لوزارة المعارف العمومية المصرية ثلاث مرات، موثقة في الفترة من بداية عام 1945م حتى نهاية عام 1946م، وتثبت معلومات الملف الأمريكي السري للغاية المترجم في الكتاب الذي سجل تحركات "سيد" اليومية في القدس أنه انضم إلى دروس الماسونية على أيدي حاخام يهودي مغمور يُدعي "حاييم كافيكا".
وهنا عرض عليه بن جوريون التدريس في الوكالة اليهودية في برنامج التدريب والتعليم لدى منظمة الهاجاناه، لكن "قطب" تحفظ على التعهد لهم بالموافقة على مشروع التعاون دون الرجوع للإدارة المصرية ووزارة المعارف العمومية.
وكشف توحد مجدي مؤلف الكتاب قصة أول ملف سري ظهر عن المفكر المصري المثير للجدل "سيد قطب" في تاريخ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وهو للجاسوسة "بولاند هارمر" صاحبة أول بحث ميداني عن "سيد قطب" داخل إسرائيل، وأوضحت المعلومات قيام الجاسوسة بتجنيد عميل آخر اسمه الكودي "فليفل" كان مقربا من حسن البنا وجماعة الإخوان ولكن عميل الوكالة "فليفل" أكد أن "سيد قطب" لم يكن على قائمة أعضاء الجماعة في عام 1948م.
وأكد التقرير الإسرائيلي الرسمي تحت بند سري للغاية وعنوانه "عمليات القسم السياسي للوكالة الهودية في مصر خلال الفترة من عام 1944م حتى عام 1948م أن ذلك العميل كان محاميا حقوقيا مصريًا عمل خلال الحرب العالمية عميلا متعددا لحساب جهاز الاستخبارات الملكية البريطانية.
الجدير بالذكر كما وصف توحيد مجدي، أن بحث الوكالة اليهودية عن "سيد قطب" للعميلة "بولاند هارمر" لم يكن لكونه مفكرا إسلاميا، بل لكون "قطب" شخصا مصريُا مختلفا، ولم يكن ظهر بفكره الإسلامي المتشدد فيما بعد، حيث كان يدعو في هذه الأثناء إلى التحرر لحد العري على الشواطئ وإباحة العلاقات الجنسية المفتوحة دون قيود، ومن الثابت للتوثيق أن أحد الجواسيس ويدعي "ويلنسكي" نجح في تلك الفترة بالتواصل إلى شخصية المرسال السري الغامض بين حسن البنا والشيخ أمين الحسيني مفتي القدس، حيث كانت المفاجأة أنه الشاب المصري الجنسية "محمود مخلوف".
وكانت المفاجأة المثيرة هي اكتشاف الوكالة اليهودية أن "محمود مخلوف" المرسال السري بين حسن البنا ومفتي القدس والشيخ الحسيني، هو نجل مفتي الديار المصرية آنذاك حسن مخلوف الثابت ولايته لدار الإفتاء المصرية مرتين.
وقد صنعت العميلة "هارمر" مسحا شاملا لحياة "سيد قطب" في مصر لفك طلاسم شخصية "قطب" فزارت الفتاة القاهرية الوحيدة التي أحبها " قطب" وخطبها في شبابه ذهبوا إليها وقابلوها، وقاموا بمقابلات بجيرانه في حي باب الخلق بالقاهرة.
وقد تلقت الوكلة في القدس تقرير في يناير عام 1948م من عميل لها يسميي "ناحوم ويلينسكي" نسخة (كربونية) مع نسخة طبق الأصل من نص التقرير النفسي الأصلي لحالة "سيد قطب"، وبناء على ما ورد به، وضعت الاستخبارات الإسرائيلية فيما بعد خطتها الرئيسة التي تهدف إلى محاولة تجنيده للتجسس لحسابها على مصر.
"قطب" في أمريكا
وافقت السلطات الأمريكية في عام 1949م على منح "سيد قطب" منحة دراسة في أمريكا وعمل في هذه الفترة مترجما للغة الإنجليزية وأمضى بقية وقته يعمل في الصحافة لدى جريدة الجامعة the mirror، وهناك تعرف على العميلة الإسرائيلية "كليمنتين ألبرت عازار" وأوهمته أنها يونانية الجنسية، وهي في الأصل شابة مصرية من مواليد مدينة الإسكندرية عام 1920م، يهودية الديانة ضابطة بوحدة العمليات الاستخباراتية الحربية الإسرائيلية رقم 131 سجلت لدى ملحق سكن سيد قطب في جامعة ولاية كولورادو.
وللتوثيق لم تكشف كليمنتين عازار عن ديانتها وجنسيتها الفعلية في تلك المرحلة إلى مساعديها والعاملين بالمكتبة بالجامعة، وتعمدت أن تقول إنها يونانية الأصل ومن الإسكندرية للتمويه والإيقاع بـ"قطب" باعتبارها تدرس الأدب العربي والنقد الأدبي وكانت تحدثت بالفعل باللغة الإنجليزية بطلاقة.
ووصف الكتاب غيرة الطلاب الأمريكان من "سيد قطب" لصلته الشديدة وعلاقته التي توثقت كثيرا بـ"كليمنتين" فقد كانوا يلقبونها في الجامعة "بالمحاربة الشرسة" ويلقبون" قطب" بـ"السيد غريب الأطوار" weirdo mister وكشف الكتاب لأول مرة عن أن العميلة الإسرائيلية تزوجت من "سيد قطب" فعلًا، وأفرد الكتاب فصلا كاملا لثبوت الواقعة في سجلات الزواج لدى مكتب التوثيق المدني الذي سجلت فيه يوك 19 ديسمبر عام 1949م، برقم واقعة زواج 0038458، صفحة رقم 84، لتكون حقيقة مغايرة عن أشهر عازب في تاريخ الإخوان المسلمين والتي كشفها الأمن القومي الأمريكي.
واللافت للنظر حسب كلام مؤلف الكتاب، أن واقعة الزواج كشفتها السلطات المصرية أيضا عندما فتشت منزل "قطب" بتاريخ 11 اغسطس عام 1965م عقب إرسال برقية شكوى إلى أجهزة الأمن من "سيد قطب" لاعتقالهم شقيقة محمد قطب التي استفزت أجهزة الأمن وعند التفتيش وجدت صورة "لكليمنتين" العميلة الإسرائيلية مع "سيد قطب" فقال له المحقق بابتسامة ساخرة "أنت ليك في النسوان الأجانب يا دكتور سيد منين الصاروخ يا ابن الإيه سأسجلها لك في محضر التحريات كحيازة صاروخ".
والغريب أن الإدارة الأمريكية اعتمدت بحثا وضعه "قطب" بعنوان "نحن وهم أين هو السر" كشف فيه "قطب" عن كيف يمكن التعامل مع الإخوان المسلمين والجماعات التكفيرية وهو ما سوف تعتمد عليه الإدارة الأمريكية فيما بعد، خاصة عبدالناصر في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين حسبما ورد في الكتاب.
"قطب" في طريق النهاية
آخر ما تناوله الكتاب موضوع "سيد قطب في طريق النهاية" وهو من الموضوعات الهامة الموثقة في الكتاب والتي اتفقت فيها بعض الروايات سواء الإخوانية او الرسمية وهي حول طريقة إعدام "سيد قطب"، فقد كشف توحيد مجدي عن وثيقتين في غاية الأهمية ولهما دلالتهما في قضية وقصة حياته.
الأولى: برقية أرسلتها الاستخبارات الأمريكية CIA إلى الرئيس المصري جمال عبدالناصر وهي مختصرة للغاية بنيت على كتيب التعامل مع الجماعات المتشددة الذي وضعته في الأساس يد ـ قطب ـ
وكتبوا داخل الرسالة الحل الأمريكي مثلما وضعه "قطب" لهم بخط يده، فأمضى عبدالناصر بعدها حوالي أسبوعين في دراسة محتواها، وتقدير تداعيتها واستيعاب ما سجل فيها، وكان من أبرز النقاط الواردة ما نصه "إن أفضل السبل العلمية لوقف انتشار أفكار جماعة الإخوان المسلمين المصرية المتشددة تلزم متخذ القرار في أي زمان ومكان باجتثاث مصدر تلك العدوى من جذوره".
والوثيقة الثانية: أو ما أطلق عليه الكتاب قصة "قطب" في طريق النهاية، ويتوافق مع كثير من الروايات الإخوانية أن الرئيس عبدالناصر أرسل إلى سجن الاستئناف أحد مساعديه ليتحدث مع "قطب" قبل تنفيذ حكم الإعدام قبل صلاة الفجر لينصحه بالاعتذار عن دعوته وأفكاره مع وعد سيادي بوقف تنفيذ الإعدام وإعلان العفو العام والشامل عنه، وقد اختلي بالمحكوم عليه "سيد قطب" فى طرقة أمام غرفة الإعدام في حضور مجموعة التنفيذ ما يقرب من 15 دقيقة.
لكن "قطب" رفض وانتابته حالة نفسية شديدة نشوة سلوكية غريبة لم يفهمها حتى طبيب السجن، وردد حسبما ورد في أوراق الوثيقة السرية، بصوت عالٍ أنه مفكر إسلامي عظيم وأن أمر إعدامه مؤامرة على الإسلام، ما اضطر مبعوث الرئاسة إلى الابتعاد عنه.
وطلب مبعوث الرئاسة إيقاف الحكم حتى يبلغ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهنا توثق السجلات المصرية السرية للغايةـ حسب كلام توحيد مجدي ـ أن الرئيس جمال عبدالناصر تحدث مباشرة إلى مبعوث الرئاسة وكان يعتقد لأول وهلة أن "سيد قطب" اقتنع ووافق على توقيع طلب العفو عنه، حتى شعر مبعوث الرئاسة على الطرف الآخر على الهاتف الأرضي بالخجل البالغ وصاح فيه الرئيس عبدالناصر ماذا حدث.. قال له مبعوث الرئاسة وكأنه يشعر بالفشل.. المحكوم عليه بالإعدام رفض يا فندم، فصمت عبدالناصر لنصف دقيقة على الهاتف وكانت أنفاسه تسمع بوضوح.. حتى نبهه المبعوث أنه على الهاتف وأن مأمور السجن ينتظر القرار وأنه أمر له بالماء طبقًا للقانون.
فأجاب الرئيس عبدالناصر بحزن شديد وصاح مرتين بصوت مرتفع بكلمة "غبي" ثم "معتوه" ثم قال "لم يترك لي هذا المخبول المتعصب أي فرصة إنسانية، ولقد صدق الأمريكان أنه بالفعل مقدم على الانتحار بثقة جنونية، كنت أتمنى أن أعفو عن "قطب" حالًا لكنه على ما يبدو أمر الله وقد نفذ، أبلغ مأمور السجن فورا أن يؤدي واجبه وحكم القانون".
تلك كانت نهاية حياة "سيد قطب"، قصة بدأها من مقالة "مدارس السخط" التي نشرها في مرحلة التكون الأولى للفكر المتشدد، حتى كتاب "معالم في الطريق" في المرحلة الأخيرة من حياته، وما بين المرحلتين نريد أن ندفع بالعقل الإسلامي أن يقرأ "سيد قطب" بطريقة مختلفة فقد كان من الممكن لرجل مثل قطب أن يصل إلى العالمية ـ بل ربما نال نوبل في الأدب دون أي مشقة ـ لكنها إرادة السخط في عقل ووجدان "سيد قطب" التي أدت به إلى النهاية.