رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كتب صناعة الإرهاب».. معالم فى الطريق دستور التكفير وتلمود والإرهاب (3)

سيد قطب
سيد قطب

ارتقى "سيد قطب" درجات سلم التكفير مُجدًا فى ذلك مجتهدًا، ولكل مجتهد نصيب، ونصيب "سيد قطب" كان ذروة سنام هذا الأمر، وقمته التى وقف عليها متمكنًا منها بلا منازع؛ فقد جعل بقوله: ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم، كل قائد للتكفير عالة عليه راجع إليه، وكل قاتل مجرم له من جرمه نصيب فيصعب أن تجد جماعة من الجماعات الإسلاموية لا تقول قال الشهيد "سيد قطب" أيقونة التكفير والتفجير والقتل والتدمير والتعصب والتمييز.

تناثرت كتابته فى التكفير والتفجير هنا وهناك وحوى كتابه فى ظلال القرآن نصيبًا وافرًا منها حتى قرر أن يجمعها فى دستور واحد ليسهل الأمر على طالبيه فألف كتابه "معالم فى الطريق" الذى مثل خلاصة أفكاره ونهايتها، كتبه فى أيامه الأخيره وكأنه يترك وصيته بالتكفير للأجيال المتعاقبة فأسر لأحد تلاميذه الذى كان يحاكم معه فى تنظيم 1965م، والذى كان يستهدف اغتيال جمال عبد الناصر وقيادات ثورة يوليو وضرب القناطر الخيرية لإغراق مصر أن خلاصة أفكاره التى تمثله والتى استقر عليها قد جمعها فى كتابه "معالم فى الطريق"، والأجزاء الأخيرة من «الظلال»، والطبعة الثانية للأجزاء الأولى.

فقال له: إذن أنت مثل الشافعى حينما جاء مصر أصبح له مذهب جديد خالف فيه مذهبه القديم، وغيره.
قال سيد رحمه الله: نعم، لقد غيرت كما غير الشافعي رضي الله عنه. ولكن الشافعي غير في الفروع، وأنا غيرت في الأصول!.

إذن لقد كان سيد قطب يدرك جيدًا مدى التغير فى فكره؛ إنه تغيير فى الأصول؛ تغير استراتيجي دائم كما يقول القرضاوى.



محاولات لتجميل القبح 

يقول سيد قطب: إن الذي يكتب هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة، كان عمله الأول فيها هو القراءة والإطلاع في معظم حقول المعرفة الإنسانية، ما هو من تخصصه وما هو من هواياته، ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره. فإذا هو يجد كل ما قرأه ضئيلًا ضئيلًا إلى جانب ذلك الرصيد الضخم - وما كان يمكن أن يكون إلا كذلك - وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره. فإنما عرف الجاهلية على حقيقتها، وعلى انحرافها، وعلى ضآلتها، وعلى قزامتها..وعلى جعجعتها وإنتفاشها، وعلى غرورها وإدعاءها كذلك !!! وعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يجمع المسلم بين هذين المصدرين في التلقي!.

لكن البعض أراد أن يجمل صورة "سيد قطب" ويخفف من عباراته ويميع من أوصافه بزعم أنه أديب استخدم لغة الأدب ولم يستخدم لغة الفقه والعلم التى تعطى معانى اخرى لكلمات "سيد قطب" ولكن هذا التبرير يختلف مع ما صرح به "سيد قطب" سابقًا، وهو يدرك حجم التغيير الذى يحدثه، وكيف لأديب متمرس على دلالات الألفاظ أن لا يقصد معانيها وأن يخالف مراميها، كما أنه لم يترك أى فرصة لهذه التبريرات إذ يقول في تعريف المجتمع الجاهلي: إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم! وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا: إنه هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية.

 قطب يعبر عن الإخوان 

هل كان "سيد قطب" فى هذا الكتاب معبرًا عن جماعة الإخوان أم أنه تغير طرأ عليه وحده وموقف يخصه؟ وصلت النسخة الأولى من هذا الكتاب مهربة من السجن ليد مرشد جماعة الإخوان آنذاك – حسن الهضيبي – عن طريق شقيقة سيد قطب ومنها لزينب الغزالى التى أوصلته للمرشد فاطلع عليه وهو فى صورة ملازم.

تقول زينب الغزالى انتظرت حتى فرغ المرشد من قراءته ثم أمر بطبعه قائلًا: على بركة الله، إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد، ربنا يحفظه، لقد قرأته وأعدت قراءته، إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة الآن إن شاء الله.

معالم فى الطريق لمن ؟!

يرى سيد قطب أن الزمان قد استدار ورجع كهيئته الأولى يوم أن بدأ الإسلام وجاء الرسول برسالته فى مواجهة الجاهلية فيقول: نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو اظلم. كل ما حولنا جاهلية..تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراج إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرًا إسلاميًا..هو كذلك من صنعت هذه الجاهلية.!!

انتهى الإسلام إذن ولم يعد هناك مسلمون هكذا يرى "سيد قطب"، ولأجل إعادة الإسلام لابد من تكوين طليعة مسلمة كالتى كونها الرسول من خيرة الأصحاب هذه الطليعة التى تسير فى هذا الطريق لابد لها من معالم يقول "سيد قطب": ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من «معالم في الطريق» معالم تعرف منها طبيعة دورها، وحقيقة وظيفتها، وصلب غايتها، ونقطة البدء في الرحلة الطويلة، كما تعرف منها طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعًا، أين تلتقي مع الناس وأين تفترق؟ ما خصائصها هي وما خصائص الجاهلية من حولها ؟ كيف تخاطب أهل هذه الجاهلية بلغة الإسلام وفيم تخاطبها ؟ ثم تعرف من أين تتلقى – في هذا كله – وكيف تتلقى؟



جاهلية قطب  للمجتمع

قطع سيد قطب بجاهلية هذا المجتمع فكيف تخاطبه الطليعة المؤمنة التى وضع لها هذه المعالم؟ لم يتردد "قطب" فى الجواب فبعد أن حكم على المجتمع بالجاهلية أوصى طليعته المؤمنة أن يخاطبوه وأن يعاملوه كما خوطب الناس بالإسلام أول مرة! كثيرًا فأما من ناحية الخطاب: فيقرر أنه ينبغي مخاطبة الناس في هذه المجتمعات كما خوطب الناس بالإسلام أو مرة!

فيقول: والمسألة في حقيقتها هي مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحًا: إن الناس ليسوا مسلمين -كما يدّعون- وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يحب أن يخدع نفسه أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام يمكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئًا: ليس هذا إسلامًا، وليس هؤلاء مسلمين، والدعوة اليوم إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد.

يكمل "سيد قطب" هذا المعلم عن كيفية التعامل مع المجتمعات فيقول: لا نقاطع الجاهلية الآن وننزوي عنها وننعزل.. كلا، إنما هي المخالطة مع التميز، والأخذ والعطاء مع الترفع، والصدع بالحق في مودة، والاستعلاء بالإيمان في تواضع. والامتلاء بعد هذا كله بالحقيقة الواقعة. وهي أننا نعيش في وسط جاهلية، وأننا أهدى طريقًا من هذه الجاهلية، وإنها نقلة بعيدة واسعة، هذه النقلة من الجاهلية إلى الإسلام، وإنها هوة فاصلة لا يقام فوقها معبر للالتقاء في منتصف الطريق، ولكن لينتقل عليه أهل الجاهلية إلى الإسلام، سواء كانوا ممن يعيشون فيما يسمى الوطن الإسلامي، ويزعمون أنهم مسلمون، أو كانوا يعيشون في غير الوطن (الإسلامي)، وليخرجوا من الظلمات إلى النور، ولينجوا من هذه الشقوة التي هم فيها، وينعموا بالخير الذي ذقناه نحن الذين عرفنا الإسلام وحاولنا أن نعيش به.. وإلا فلنقل ما أمر الله سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقوله: لكم دينكم ولي دين. 

اطلع أبو الأعلى المودودي على الكتاب بعد صدوره وقال في وصفه: إن ما ورد في كتاب «معالم في الطريق» هو نفس ما أراه، بل كأنني الذي كتبته، فقد عبّر عن أفكاري بدقّة.

الخلاصة 

الكتاب يقع فى اثنى عشر فصلًا لكل فصل عنوان مستقر لكننا إذا أردنا أن نقول ما هو الكتاب نقول باختصار: إن الكتاب يجيب عن السؤال كيف نواجه الجاهلية؟ ومن ثم كان غدا دستورًا لمن يدعون أنهم جهاديين وتلمودًا لكل التكفيريين.