أحكام نهائية تلزم التأمين الصحي بصرف الأنسولين للتلاميذ مرضى السكر مجانا
أثبتت 5 شهادات من جدول المحكمة الإدارية العليا 2021، عدم حصول طعن من وزارة الصحة والتأمين الصحى على الأحكام القضائية الخمسة التاريخية الصادرة من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بتقرير مبدأ مهم يلزم التأمين الصحى بصرف الأنسولين المائي وأنسولين اللانتوس وقلمي الأنسولين بواقع قلم خاص لكل نوع، وجهاز قياس السكر وشرايطه للتلاميذ بالمدارس مرضى السكر مجاناً من غير القادرين، وأصبحت هذه الأحكام نهائية وباتة.
5 أحكام بوقف تنفيذ قرارات الامتناع عن صرف الدواء
وكانت المحكمة قد قضت برئاسة القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى خمسة أحكام بوقف تنفيذ قرارات رئيس هيئة التأمين الصحى السلبى بالامتناع عن صرف الدواء المقرر لعلاج خمسة تلاميذ بالمرحلة الابتدائية بالبحيرة هم: (ع.ع.ع) و(ن.ح.ح) و(أ.ع.أ) و(ي.س.ع) و(ج.إ.ك) من مرض السكر المزمن بصفة منتظمة وصرف
1- أنسولين مائي بواقع 40 وحدة يومياً
2- أنسولين لانتوس بواقع 30 وحدة يومياً
3- قلمي أنسولين بواقع قلم خاص لكل نوع
4- جهاز قياس السكر بالدم لمتابعة السكر 8 مرات يومياً
5- شرائط أسيتون لمتابعة الأسيتون بالبول للتلميذة الأولى , وسائر التلاميذ الأربعة بالجرعات المقررة لكل منهم وفقاً للتقاير الطبية وذلك بصفة دائمة ومنتظمة وعرض حالتهم على الطبيب المختص دورياً لتقرير مدى حالتهم الصحية فى ضوء ما يسفر عنه تناول ذلك الدواء.
وألزمت الإدارة المصروفات وأمرت بتنفيذ الأحكام بمسودتها وبغير إعلان، وقد أصبحت هذه الأحكام نهائية وباتة.
وقائع القضية
تعود وقائع القضية إلى أن المحكمة وهي مكتظة بالمتقاضين تقدم 5 تلاميذ بالمرحلة الابتدئية بمدارس محافظة البحيرة مع أسرهم للمطالبة بعلاج التلاميذ من مرض السكري, وحينما لمح القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى صراخ واحد من التلاميذ أمر بأن تكون القضايا الخمس أول الرول وليس أخره طبقاً لدورها بعد استئذان المتقاضين الذين وافقوا على الفور, فتقدم التلاميذ وأولياء أمورهم, وقدموا للقاضى أصل التقارير الطبية المودعة قضيتهم, فبدأ القاضي ببث روح الطمأنينة في نفوس الأطفال وسأل أكبرهم سناً تلميذة بالصف الخامس الابتدائى قائلا لها: "إن شاء لله تكون صحتك كويسة عاوزة تقولي حاجة عن صحتك"، فأجابت بشجاعة: "أنا مريضة بالسكر وبحس وأنا في المدرسة بعطش شديد كل شوية وبيحرجني جدا في الفصل إنى بطلب أروح الحمام كتير , وكمان ببقى مرهقة جدا من غير ما أبذل مجهود زي زميلاتي في اللعب بالفسحة, "فقال لها القاضي كملي فقالت: "والدي عامل باليومية ومش قادر على سعر الأنسولين غالي عليه وروحنا التأمين الصحي قالوا مفيش أنسولين ولا أقلامه, ثم بكت، فهدأ القاضي من بكائها.
ثم لمح القاضي تلميذ أخر في الصف الرابع فسأله "عاوز أسمعك أنت كمان"، فقال للقاضي: "أنا بحس لما يكون السكر عالى عليا إنى مش بشوف كويس في الفصل كأني بشوف ضباب وده بيزعلنى كتير وبابا فلاح بسيط مش بيقدر يشتري ثمن الأنسولين على طول والتأمين مش بيصرف لنا الأنسولين ولا جهاز يقيس لنا هو غالى وبكى".
وأجمع باقى التلاميذ على نفس الكلام إلا تلميذ واحد في أولى ابتدائى ظل يصرخ طول الوقت من الألم فوق ذراع والده, فحاول الأب الخروج به من القاعة حتى لا يحدث ضجيج إلا أن القاضي أصر على حضوره وقال له: "من واجبنا أن نسمع صراخه", فنظر القاضي إلى الحاضر عن التأمين الصحي والحاضر عن وزارة الصحة اللذان طلبا مهلة من القاضى شهر للرد على القضايا, فقال لهم القاضى لكم فقط 3 ساعات للرد, وبعد الموعد دفع الحاضر عن التأمين الصحى بعدم اختصاص القضاء الإداري عن نظر قضايا العلاج, بينما دفع الحاضر عن وزارة الصحة بإخراجه من الدعاوى بحجة أن التأمين الصحى هيئة مستقلة والوزارة غير مسئولة عنها, فقال القاضي الأحكام خلال نصف ساعة, ونطق القاضى بالأحكام لصالح التلاميذ الذين بكوا فى أحضان أسرهم, بحيثيات تاريخية ولم يفت القاضي أن يدون فى حكمه عن التلميذ الأصغر بحق الصراخ.
وقد ردت المحكمة في البداية على الدفع المبدى من الحاضر عن هيئة التأمين الصحي بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر قضايا العلاج، بأن ذلك مردود بأن المنازعة بين المرضى وهيئة التأمين الصحي هي منازعة إدارية حول تقديم العلاج والرعاية الطبية المنوط بتلك الهيئة تقديمها, وأن اختصاص القضاء الإدارى بسائر المنازعات الإدارية طبقا للدستور.
وكان يتعين على القائمين على مرفق هيئة التأمين الصحي بدلاً من التحلل من ربقة الالتزام الدستوري بعلاج المرضى المشمولين قانوناً برعايتهم صحياً وعلاجياً أن يقوموا بدورهم المنوط بهم قانوناً لإنقاذ حياة الأطفال وهم الضعفاء المجردين من كل سلطان إزاء فقر أولياء أمورهم , وكان الأولى بهم النظر إليهم بعين الرحمة وبحث حالتهم المرضية لا بحث كيفية التحلل من الالتزامات التى أوجبها الدستور والقانون من حقوق فى علاجهم, بموجب حكم المادة 18 من دستور 2014 التي الزمت الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض بل جعل الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة جريمة يعاقب عليها القانون, فضلاً عما فيه من امتهان لأحكام الدستور باعتباره تعبيراً عن إرادة الأمة, مما يتعين معه رفض هذا الدفع.
كما ردت المحكمة على الدفع المبدى من الحاضر عن وزارة الصحة بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها فى الدعاوى التى ترفع على هيئة لتأمين الصحى بحجة أن لها شخصية اعتبارية مستقلة وطلب إخراجها من الدعوى بلا مصروفات, فإن ذلك مردود بأنه طبقا لقانون تلك الهيئة الذى كان يسرى على التلاميذ عام 2016 فإن وزير الصحة هو الرئيس الأعلى للهيئة العامة للتأمين الصحي وما يصدر من أحكام على الهيئة تتولى الهيئة تنفيذها تحت إشرافه، فاختصام وزير الصحة واجب حتى يكون الحكم الصادر على الهيئة في مواجهته لإلزامها بتنفيذه, وكان أحرى بوزارة الصحة أن تمد يدها لعلاج الأطفال لا أن تتنصل من مسئوليتها التى ألقاها على عاتقها القانون بحجة أن لهيئة التأمين الصحى استقلالها وهي المشرفة عليها فى تقديم العلاج للمواطنين، مما يتعين معه رفض هذا الدفع.
وعن حق تلاميذ مرضى السكر قالت المحكمة: إن هيئة التأمين الصحى ملتزمة -وفقا للقانون السارى وقت صدور الحكم- بتقديم الرعاية الصحية بنوعيها الخدمات الصحية الوقائية والخدمات العلاجية والتأهيلية بكافة صورها لطلاب المدارس في حالتي المرض والحوادث أياً كانت المرحلة التعليمية وعلى قمتها صرف الأدوية اللازمة للعلاج ويكون علاج التلميذ ورعايته طبياً إلى أن يشفى أو تستقر حالته , والحاصل أن المشرع الدستورى أوجب على الدولة كفالة التأمين الصحى لجميع المواطنين بها بما يستتبعه ذلك من توفير سبل العلاج حسبما تقتضيه حالة المريض، وهذا الالتزام لا مناص من تحقيقه ولا سبيل لفك يد التأمين الصحى منه، إذ أن علاج التلاميذ المرضى أمر يفرضه القانون ويبرره الواقع، والقول بغير ذلك فيه تعريض لحياة التلاميذ للخطر وهى جريمة مؤثمة مما يجب على التأمين الصحى النأى عنه.
وأشارت المحكمة إلى أن امتناع التأمين الصحى عن صرف الأنسولين وأدواته اللازمة للتلاميذ من شأنه أن يُمكن هذا المرض اللعين سارق الصحة من أن يفتك بهولاء الأطفال الذين تتفتح عيونهم على الدنيا بالمرض, وأنه إذا كان الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة جريمة بنص الدستور فإن امتناع التأمين الصحى ووزارة الصحة عن تقديم الأنسولين للأطفال هو أبشع الوان الجرائم اقتُرفت على الإطلاق ، لمساسها بينبوع الحياة بحسبان أن مرحلة الطفولة هي المرحلة التي تنمو فيها كل خلية من خلايا جسم الطفل وكل حاسة من حواسه, لذا يتعين علاجهم دون تأجيل أو تقسيط أو تقطير , فلن يستطيع الأطفال أن يلبسوا ثوب العافية إلا إذا قام التامين الصحى نحوهم بواجبه الدستورى والقانونى والإنسانى, وإذ جاء التلاميذ وأولياء أمورهم للمحكمة يحملون بعضهم ممن لا يقوى على الحركة والنّار فيهم تحرق الكبدا, والأمهات جاثية ومقلتهن حانية ينهمل منهن أنيناً ودمعاً, والأطفال تبكى وتصرخ ورجفت جوانحهم, وأسرهم يذوبون لألمهم كمداً, ينتظرون ممن ناط بهم الدستور والقانون علاجهم, فلم يجدوا اَذاناً لهم تسمع, من راحوا من الألم همداً ورقداً, وإلى السماء رفعوا نواظرهم, فبسطت العدالة يديها لهم سنداً وعضداً.
وأضافت المحكمة أن الثابت بالأوراق أن التقارير الطبية التى أرفقها أولياء أمور التلاميذ الخمسة بالمرحلة الابتدائية أثبتت أنهم يعانون من مرض السكر المزمن (سكر أطفال من النوع الأول) ويحتاجون إلى أنسولين مائى وأنسولين لانتوس لكل منهم حسب الوحدة المقررة له يومياً وجهاز لقياس السكر وكذلك شرايط قياس السكر بالدم وشرايط قياس الأسيتون فى البول يومياً والأقلام الخاصة بكل نوع أنسولين, وهؤلاء الأطفال يجب أن يستظلون بخدمات العلاج بتوفير الأنسولين اللازم وبالجرعات المقررة لعلاجهم, وبما يتناسب مع تطور الحالة الصحية لكل منهم بصفة دائمة ومنتظمة دون تأخير ويضحي امتناع التأمين الصحى عن صرف الأنسولين وأدواته قراراً سلبياً مخالفاً للقانون خاصة وأن أولياء أمور التلاميذ بسطاء من غير القادرين على تحمل النفقات الباهظة لهذا العلاج.
وانتهت المحكمة إلى أن التأخير فى منح هؤلاء الأطفال جرعات الأنسولين وأدواته يعرض حياتهم للخطر ويحرمهم من حقهم فى العلاج المجانى ويمس حقهم فى الحياة, وهما حقين دستوريين, ويتوجب على هيئة التأمين الصحى ووزارة الصحة بذل العناية اللازمة لتخفيف معاناة الأطفال المرضى من اَلام المرض العضال الذى ألم بهم خاصة وأن الأطفال بالمرحلة الابتدائية لم تتفتح زهورهم فيه إلا على شوك المرض لا يملكون إلا حق الصراخ والقدرة عليه, بعد أن كشفت الأوراق عن تحجر قلب الجهة الإدارية تجاه هؤلاء الأطفال وأصمت اَذانها عن سماع صراخاتهم بامتناعها عن علاجهم فطرقوا باب العدالة الذى لا يوصد فى وجهه طارق.