«الزهد والصوم».. ملامح الرهبنة في عهد الأنبا أنطونيوس
"بعض القديسين مثل الكتب نقرأها فنتعلم منها ونستقي منها أفكارا عميقة، وبعضهم كصور بارزة أمامنا تشخص لنا بأكثر جلاء مظهرًا خاصة من الحياة المسيحية، ومن هذا النوع الأخير كان القديس الأنبا أنطونيوس".. هكذا وصف البابا أثنانيوس الرسولي البطريرك الـ"20 " للكنيسة القبطية الأرثوذكسية حياة مؤسس الرهبنة المسيحية بمصر، والتي تحتفل الكنيسة اليوم بتذكار رحيله.
وقال البابا أثناسيوس الرسول في كتابه "المثال الصالح.. سيرة القديس الأنبا أنطونيوس" إنه ولد عام 250م في بلدة قمن العروسة بمحافظة بني سويف، وكان عصره عهد اضطهاد للمسيحية بالدولة الرومانية.
وأشار البابا أثناسيوس في كتابه إلى أن الأنبا أنطونيوس يعتبر أب الرهبان لأنه أول راهب أسس حياة الرهبنة وبدأ حياة العزلة في البراري بمصر تاركًا ثروته الكبيرة التي ورثها عن أسرته، وتأثرت به بلاد كثيرة من الغرب وأفريقيا وآسيا، حيث كان تاريخ رهبنته سببًا من أسباب اعتناق القديس اغسطينوس المسيحية عندما قرأ سيرته.
وانتقلت فكرة الرهبنة إلى العديد من الدول مثل سوريا وفرنسا حيث شيدت أديرة في عصره بدول كثيرة متمثلة به في حياة العزلة، وكان يسمى بين الرهبان الذين ساروا على نهجه في الرهبنة "ثيوفيلوس أي محب الله"، مواظبًا على الصلاة والصوم الذي يواصله حتى 4 أيام متواصلة دون طعام كنوع من الزهد.
وأرسى الأنبا أنطونيوس مبدأ الزهد في الرهبنة حيث اعتبر الطعام الفاخر لا يليق بالراهب في حياته الاعتيادية، وكان دومًا يعتبر الأرض فراشًا له لكي لا يعتاد جسده على الراحة، بل عاش في فترة من الزمن بأحد القبور مكتفيًا بطعام كسرة من الخبز، ثم سكن الجبال أعوامًا عديدة.
ففي عهد الإمبراطور الروماني ماكسيميان وقعت فترة جديدة من اضطهاد المسيحيين في الإسكندرية، وتم القبض على العديد من المسيحيين بذلك الوقت، وعند علم الأنبا أنطونيوس بهذا الأمر ذهب إلى هناك ليطلب الاستشهاد، وسار يشجع جميع المسيحيين على التمسك بديانتهم، حتى انتهت هذه الموجه من الاضطهاد.
وفي عهده ازدهرت حياة الرهبنة بمصر، حيث سار الكثير من الشباب على نهجه في حياة الوحدة والعزلة بالبراري والصحراء واختيار حياة الزهد كطريق للتقرب من الله.
فيما سرد البابا أثناسيوس عدة نصائح قدمها مؤؤس الرهبنة في مصر لكل الرهبان الجدد من بينها "التمسك الإيمان المسيحي الحقيقي قبل كل شئ، وأن يحبوا من كل قلبوهم ويحفظوا ذاتهم من الأفكار الشريرة واشلهوات الجسدية، وان يتجنبوا الافتخار بالباطل، ويصلوا في كل وقت، مؤكدًا أن الرهبان لا يمتلكون غضبهم، محذرا من الغضب، ومن حياة الرفاهية التي تنفى مبدأ الزهد في حياة الرهبنة زضرورة عمل الرحمة في كل حين".
يذكر أن الأنبا أنطونيوس مؤؤس الهربنة بمصر رحل عن عمر 105 عامًا سنة 355م، بعد أن أصبحت سيرته معروفة بين العديد من الدول مثل فرنسا وإسبانيا ورمية وسائر أفريقيا.