تواصل الأجيال فى مشهد شنودة ومحمد
أدرك الموسيقار الكبير هانى شنودة مؤخرًا أهمية التفاعل على شبكات التواصل الاجتماعى، فكان أن أنشأ حسابًا شخصيًا على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، وأعلن من خلاله أنه الحساب الرسمى الوحيد الذى يمثله، وأضاف أنه بصدد بث حلقات على «يوتيوب» تحت عنوان «هارمونى»، يُقدِم من خلالها خُلاصة خبراته فى مجال الموسيقى للموهوبين أو المشتغلين أو المهتمين بها، بعدها علق أحد الشباب مُتسائِلًا: «هو أنا لوحدى اللى معرفش مين ده؟».. وعقب الموسيقار الكبير ردًا عليه: «أستاذ محمد يشرفنى أقدملك نفسى، اسمى هانى شنودة، ملحن ومؤلف موسيقى، مش ده المهم، المهم إن كل الناس دول بيحبونى، اتشرفت بيك».. ويقصد شنودة هنا متابعيه عشاق فنه.
وبينما يتحول الموضوع إلى معركة ساخنة على السوشيال ميديا، بين جيل يدرك قيمة شنودة وفنه استنكر تعليق الشاب محمد، إلى حد قسوة وصفه بالجهل والاستهانة بمكانة الموسيقار الكبير، وجيل يتعاطف مع محمد من منطلق أنه يسأل بحُسن نية، وفى سياق ينتبه فيه لنفسه ويكاد يسخر منها، بينما يحتد السجال الافتراضى، كان هانى شنودة يوجه الدعوة للشاب محمد لزيارته، ذهب محمد ليجد حفاوة استقبال الموسيقار الكبير فى انتظاره، وقدم نفسه، الدكتور محمد عماد، طبيب أشعة بمستشفى أحمد ماهر التعليمى، وفى جلسة زادها كرم الضيافة ودًا، وزادتها روح هانى شنودة بهجة، أخذ عراب الموسيقى بيد الدكتور محمد إلى عالم موسيقاه المتنوع والمختلف.
كان شنودة يدرك أن محمد لا بد أنه صادف موسيقاه، فذكره بحلقات البرنامج الرياضى «الكاميرا فى الملعب»، وأفلام «المشبوه وشمس الزناتى»، وأغانى نجاة وفايزة أحمد ومنير وعدوية وعمرو دياب، ليجد أن ظنه فى محله، محمد يعرف من موسيقى وألحان شنودة الكثير، بل تستهويه ويستمتع بها، هى فى وجدانه كما فى وجدان عشاق شنودة وفنه، ولكن الدكتور محمد فقط لم يتعمق فيمن وراء الموسيقى، لم يهتم بأن يعرف صانعها، ليست جريمة فى كل الأحوال.. «اتشرفت جدًا بمعرفة حضرتك، قمة الأدب والاحترام والتواضع، فعلًا كنت خسران كتير بعدم معرفتك، ربنا يديم عليك الصحة».. هكذا غَرَد محمد على حسابه مُعَلقًا على صورة تجمعه بشنودة.
المشهد بكامله يحمل مدونة من القيم الإنسانية، توقفت من بينها عند قيمة تواصل الأجيال، والتى منح سلوك هانى شنودة المثل والقدوة فى أهمية أن يكون منهجًا مُبادرًا من جيل الكبار تجاه جيل الشباب، وجيل الوسط مطلوب منه أن يُقرب المسافات، فهو بحُكم عمره يُعايش أولئك وهؤلاء، ويتفاعل مع اهتمامات هذا وذاك، ويستطيع دائمًا أن يكون الأرضية التى يلتقى عليها الطرفان، فنحن ودون أن ندرى، نُحاسب الأجيال الجديدة على معطيات عصرها، بينما لم نفكر يومًا فى أن يشاركونا تراثنا الثرى العابر للأجيال كموسيقى هانى شنودة، تخيل معى تأثير المشهد فى شخص محمد وجيله، وتخيل تأثيره أيضًا فى تجديد روح شنودة وجيله.
«مشوارى.. هل كان مشوارًا طويلًا أم قصيرًا؟.. طويلًا إذا حُسِبَ بالسنين.. فأنا من مواليد ١٩٤٣، ولكن.. مضى المشوار كسهم انطلق!!.. ولم أشعر بمرور الأيام إلا عندما نظرت فى المرآة ورأيت ما فعله الزمن!!.. ولكننى مُصمم على أن من خلقنى لإسعاد الناس بقدرته اللا محدودة سأختم حياتى بإسعاد الناس».. هكذا قدم الموسيقار الكبير هانى شنودة مذكراته الصادرة مؤخرًا عن دار «ريشة للنشر والتوزيع»، والتى صاغها الكاتب الصحفى مصطفى حمدى فى إيقاع يواكب إيقاع موسيقى هانى شنودة، مشهد شنودة ومحمد يؤكد ضمن ما يؤكد، أن هانى شنودة، أدام الله عمره وصحته وفنه، لا يزال يمثل حالة من البهجة فى زمن عَزت فيه البهجة.