موازنة «كورونا» وسلوك المستهلك
أصدرت وزارة المالية البيان التمهيدى للموازنة العامة، والمنتظر اعتمادها للعام المالى الجديد، من يوليو ٢٠٢٠ إلى يونيو ٢٠٢١، والموازنة هى ملخص تقديرى، يشمل كل العمليات والأنشطة، التى تخطط الدولة للقيام بها خلال عام، بحيث تصبح حال اعتمادها من البرلمان برنامج عمل للحكومة أثناء هذا العام، وهى فى مجموعها تعطى رؤية واضحة عن التخطيط والسياسات المستقبلية للدولة، وتأتى الموازنة نتاجًا لخلاصة خبرات الماضى، والقدرات الاستيعابية للدولة، ومختلف الموارد المتوافرة لها، وتنبؤاتها المستقبلية بشأن الأوضاع الداخلية والخارجية، والموازنة فى نفس الوقت تعد أداة تراقب الدولة من خلالها، ما يتم إنجازه على مدار العام مقارنة بما هو مُخطط، لتصبح مع نهاية العام ميزانية فعلية.
«كورونا» فرض نفسه ضيفًا ثقيل الظل مع مطلع هذا العام، ولهذا كانت تحدياته حاضرة ومؤثرة بقوة فى مؤشرات الموازنة العامة، حتى إنها استحقت بجدارة أن يُطْلَق عليها موازنة «كورونا»، فقد رصدت الحكومة زيادات غير مسبوقة لأهم قطاعات الإنفاق العام، وفى المقدمة منها بالطبع مخصصات قطاع الصحة، والتى ارتفعت فى الموازنة الجديدة ٤٥٪ عن مثيلتها العام الماضى، ٢٥٤.٥ مليار جنيه فى العام الجديد بزيادة ٧٨.٩ مليار جنيه عن العام الجارى، وبخلاف المرصود لتمويل مبادرات وزارة الصحة، واستكمال برنامج التأمين الصحى الشامل، وكذلك تأسيس صندوق مخاطر المهنة لأصحاب المهن الطبية، وارتفعت معها مخصصات البحث العلمى ١٤٪، ٦٠.٤ مليار جنيه فى العام الجديد.
وزير المالية، الدكتور محمد معيط، أكد أن موازنة العام الجديد تأتى تحت شعار موازنة مساندة النشاط الاقتصادى ودعم التنمية البشرية والإصلاح الهيكلى، فى ظل تحديات الاقتصاد العالمى، والمتغيرات الاقتصادية الداخلية والخارجية، وتأثيرها على الاقتصاد المصرى، ومع الأخذ فى الاعتبار الإجراءات الحكومية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد، ولم تغفل الموازنة الجديدة إصلاح هيكل الأجور، من خلال حزمة من الإجراءات الهادفة لتحسين الأوضاع المالية للعاملين بالدولة، ٦ ملايين موظف، ومع زيادة حد الإعفاء الضريبى، والذى يستفيد منه ٢٣ مليون موظف فى القطاع الخاص بجانب العاملين بالدولة، كما راعت الموازنة الجديدة زيادة مخصصات المعاشات، حوالى ١٠ ملايين مواطن على المعاش أو مستحق عنه.
هكذا انعكست تحديات «كورونا» على سلوك الدولة فى تخطيطها لموازنة العام المالى الجديد، وقبلها انعكست على سلوكها فى إدارة الأزمة ومواجهة توابعها المستجدة، ولعلنا نتوقع نفس الانعكاس على سلوك المواطن أو بمعنى أدق نتمناه، على الأقل فيما يتعلق بسلوكه كمستهلك، مجموعة التصرفات التى تصدر عن الفرد والمرتبطة بشراء السلع والخدمات وعملية اتخاذ القرار المتصلة بها، والتى تتحكم فيها عدة عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية، فإذا تلخصت العوامل الثقافية فى ثقافة المجتمع والطبقة التى ينتمى لها المستهلك، وتحددت العوامل الاجتماعية فى حجم العائلة وتصنيفها ومتطلباتها ودور ومكانة المستهلك بها وفى المجتمع بشكل عام، فإن العوامل الاقتصادية تنحصر فى دخل المستهلك وموازنته المخططة.
دخل الفرد يتحكم فى معدلات استهلاكه، ويلعب دورًا هامًا فى اتخاذ قراراته الاستهلاكية، بينما تتباين فاعلية إدارة الفرد لدخله قياسًا على ما إذا كان يهتم بتخطيط ميزانية لمصروفاته الأساسية والكمالية، أم يتواكل صارفًا ما فى الجيب منتظرًا ما يأتى به الغيب، وضعتنا تحديات «كورونا» فى مواجهة أنفسنا بشأن مواردنا كأفراد وسلوكنا كمستهلكين، حرمنا «كورونا» مما اعتقدناه أساسيات، فلم نجده إلا كماليات استمرت الحياة دونه فى كل الأحوال، أجبرنا على تقويم سلوكنا كمستهلكين، فطرح أمامنا ضرورة مراجعة مفاهيم الترشيد، وأهمية تخصيص احتياطيات لمواجهة الطوارئ والأزمات، التعايش مع «كورونا» يمنحنا جميعًا فرصة إعادة تشكيل ملامح حياتنا، فرصة لحياة أفضل إن شاء الله.