رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عم رجب... رجل من ملح الأرض وسر عمرانها

كثيرون هم نجوم المجتمع الذين تتصدر أخبارهم مانشيتات الصحف، وتهتز المنتديات عند حضورهم، ويتلهف جمهورهم لإشارة منهم أو التفاتة. ولكنهم حين يرحلون عن الدنيا أو حتى عن مناصبهم، فإنك تكاد لا تسمع عنهم ذكرًا ولا تجد لهم مودعًا ولا ترى لهم حبيبًا. 
وعلى العكس من ذلك تمامًا، فإن هناك بشرًا تجدهم ملء السمع والبصر بعد رحيلهم أضعاف ما كانوا عليه وهم على قيد الحياة. فهم فى حياتهم من المهمشين، حتى إن المتعاملين معهم لا يعبأون بحضورهم ولا يهتمون بسماعهم، وهم فى كل الأحوال يغمرهم الرضا وتعلو وجوههم ابتسامة صافية غير مصطنعة ولا هى متكلفة. حتى إذا غيبهم الموت تكون هناك أمارات تشهد لهم بحسن الخاتمة، فتنطلق الألسنة تثنى عليهم وتذكر لهم صنائع المعروف التى صنعوها لغيرهم، لمجرد ابتسامة رضا أو كلمة طيبة أو خدمة قدموها وتقاضوا أجرها، لكنهم أخلصوا الأداء وأجادوا العمل وصفت معها قلوبهم.
راجع ذكرياتك فستجد منهم الكثيرين ممن قابلتهم يومًا وتفرقت بكم السبل بعد ذلك. قد يكون هذا الإنسان مجرد شخص عابر فى حياتك أسدى لك معروفًا أو دلك على خير أو أن الله تعالى أرسله إليك فى لحظة ضيق وبكلمة طيبة منه أزال همك وأبعد غمك وأعاد الابتسامة إلى وجهك.
من هؤلاء الذين كانوا رزقًا أرسله الله لنا فى مسيرة الحياة أذكر- وتذكرون بدوركم- كثيرين، سواء كانوا أقرباء أو زملاء أو أصدقاء أو شركاء مسيرة ورفاق طريق، يحضرنى فى هذا السياق ذكر رجل لم أتعامل معه كثيرًا بصورة شخصية، إلا أنه فى المرات القليلة التى تعاملت معه فيها أشهد له أنه رجل من أهل الخير والصلاح.
إنه العم رجب رمضان، عامل مصعد بسيط فى أحد مصاعد ماسبيرو، لكنه نموذج لإنسان تبهجك رؤيته ويفتح قلبك للعمل حين تبدأ معه يومك.
تعرض الرجل الطيب لحادث سير وهو فى طريقه من محافظته لمقر عمله فى قلب القاهرة. مكث على إثر ذلك الحادث تحت العلاج لمدة بلغت نحو سنة كاملة، وترك الحادث أثره فى مشيته وتحركه، استخدم كرسيًا فى كابينة المصعد ليستريح عليه من حين لآخر، ورغم مرضه كان يترك مكانه على مقعد الأسانسير حين يرى سيدة مسنة أو رجلًا مريضًا.
عم رجب كان يبادر إلى مساعدة الآخرين دون أن ينظر إلى جيوبهم، ودون أن يتطلع إلى خدمة يطلبها من هذا أو منفعة يجلبها له ذاك. إنه طبع نشأ عليه وتطبع به حتى صار سمتًا له ولتعاملاته مع الآخرين.
توفى عم رجب قبل أيام فجأة، فإذا بصفحات مواقع التواصل تبكيه منشوراتها، وإذا بتعليقات رواد الموقع تنشغل بالدعاء له. وهنا نسأل أنفسنا: ماذا قدم كل منا ليوم كهذا؟ وهل ستنطلق ألسنة الخلق فى الدعاء لنا حين نموت؟ هل قدمنا خيرًا للآخرين أم آذينا مشاعرهم ولوثنا مسيرتهم وعرقلنا سعيهم وقتلنا طموحهم المشروع؟
أسئلة من الواجب أن نطرحها على أنفسنا كل يوم من باب حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعملوا لآخرتكم وتذكروا يومًا ترجعون فيه إلى الله.. رحم الله عم رجب وكل هين، لين، سمح، رقيق، بشوش الوجه، نظيف اليد، طاهر القلب، عف اللسان.