سلامًا على معلول.. الأسئلة الحائرة فى نهاية قصة أفضل محترف فى تاريخ مصر
شهدت الساعات الأخيرة تطورات كبيرة فى موقف التونسى على معلول، لاعب الأهلى، خاصة بعد الحديث عن صفقتين محتمل إتمامهما خلال الساعات المقبلة؛ بضم أشرف بن شرقى من الريان القطرى، وديريك كوتسيا من سيرفيت السويسرى؛ ليكتمل بذلك نصيب المارد الأحمر من المحترفين الأجانب مع أشرف دارى ويحيى عطية الله وجراديشار، بالإضافة إلى رضا سليم الذى لم يقيد فى القائمة نتيجة الإصابة، ومن المنتظر عودته مع فترة القيد المقبلة، وبناء عليه لم يعد لمعلول مكان داخل جدران النادى.
الجميع كان يترقب فشل إحدى الصفقتين لإفساح المجال لقيد معلول، لكن ما حدث أمس الأول يؤكد أن العلاقة بين اللاعب والنادى قد انتهت؛ حتى لو لم تتم أى صفقات.
بدأت التطورات بأخبار حول توديع معلول زملاءه بالفريق، مؤكدًا أن تمرين الإثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ هو الأخير له فى ملعب التتش، وأنه بالفعل قد جمّع متعلقاته الشخصية؛ ليُنهى بذلك رحلة ٩ سنوات تقريبًا قضاها مدافعًا عن القميص الأحمر. تزامن ذلك مع تصريحات منسوبة لوكيله تتهم الأهلى بالتخلى عن اللاعب، وتشير إلى استكمال المشوار فى نادٍ آخر لم يفصح عنه بعد.
مع هذه التطورات كانت عاصفة جماهيرية تغلف الأجواء، بين حزن على نهاية الرحلة، وتعاطف مع أيقونة الجيل الحالى، وبعض التفاؤل بحدوث أى تطور من شأنه إعادة المياه لمجاريها، لكن الغالبية من الجماهير كانت متحفزة ضد الإدارة، ووجهت سهام النقد اللاذع لها، وأنها فشلت فى إدارة الملف، وتخلت عن أحد أفضل وأكبر أساطير النادى، بل خدعته أيضًا بعد أن تركته «زى البيت الوقف» منذ عودته للتدريبات الجماعية، فى ٢٩ ديسمبر الماضى، دون تحديد موقفه، والآن لم يتبق سوى أيام قليلة ويغلق باب القيد الشتوى، ليصبح معلول مهددًا بإكمال الموسم دون نادٍ انتظارًا لفترة القيد المقبلة.
السطور التالية ليست دفاعًا عن طرف أو اتهام لآخر، دعونا فقط نناقش الأمر فى هدوء، ونجيب عن خمسة أسئلة محورية فى قضية معلول، ولنرى ما ستفصح عنه الإجابات.
١هل تخلى الأهلى عن معلول؟
هذا هو الاتهام الأكبر بين جماهير وعشاق على معلول، الذين بنوا موقفهم بالكامل على نظرية «خدوه لحم ورموه عضم»، وبغض النظر عن أن هذه هى سُنة الحياة بأنه لا شىء دائمًا، لكن دعونا نعود بالزمن للوراء قليلًا وقت انتهاء عقد على معلول قبل الإصابة، ووصول المفاوضات لنقطة عدم اتفاق واضح بين الطرفين، ليس فى المقابل المادى فقط، ولكن أيضًا فى مدة العقد الجديد، فالنادى يريده عامًا واحدًا، ومعلول لا يتنازل عن عامين. وقتها كان الموقف واضحًا بشدة فى رغبة معلول فى الخروج، وبعض الأخبار وقتها أشارت إلى أنه اتخذ قراره بالفعل.
وسط ذلك كله يتعرض معلول لإصابة بالغة فى وتر أكيليس، وهى إصابة لمن فى عمره- الذى كان وقتها ٣٤ عامًا- كان الكثير يؤكد أنها كفيلة بإنهاء مسيرته، بل إن البعض انتظر أن يعلن معلول عن اعتزاله بالفعل، لكن ما حدث هو أن الأهلى جدد عقده لمدة عام كامل قضاه اللاعب فى التعافى من الإصابة؛ تقديرًا لكل الأسباب التى يعتمد عليها البعض لاتهام الإدارة.
لو أنك نظرت للموضوع من الجهة المقابلة يمكن أن ترى معلول أنه هو الذى كان «يلوى» ذراع النادى، ويصر على عقد لا يتناسب مع سنه ولا مردوده الفنى فى عامه الأخير، ولو أنه وافق على عرض النادى لكان الآن يجهز لمباراة اعتزاله، وهو فى سن ٣٥، هذا بالطبع لو لم تحدث الإصابة.. إذن فمن باع الآخر؟ وهل فى الأمر خيانة وغدر من الأساس؟
الحكم لك.
2هل «التونسى» مناسب للمرحلة المقبلة؟
دعونا نجنّب عواطفنا ونتعامل بمهنية، وننظر إلى معلول على أنه لاعب فى فريق ينافس على كل البطولات المحلية والإفريقية، والعالمية أيضًا، ونسأل: هل لا يزال التونسى مؤهلًا للاستمرار فى نادٍ بقيمة الأهلى وحجم منافساته؟
قبل أن تجيب أذكّرك بأن الحُكم هنا فنى تمامًا، وليس عاطفيًا، تقييم بالعقل، وليس بالقلب.
بحكم السن والاستهلاك البدنى على مدار سنوات طويلة والعودة من إصابة كبيرة وخطيرة، لم يعد معلول للأسف مناسبًا للمرحلة المقبلة فى الأهلى، المرحلة التى يبنى فيها مارسيل كولر فريقًا يناسبه من وجهة نظره، ولكى نطلب منه أن يكمل مشوار نجاحه، لا بد أن تترك له حريته الكاملة فى اختيار العناصر التى تحقق له أهدافه.
ولعل من المناسب هنا أن تناقش، أيضًا، تخلى مارسيل كولر عن ديانج وعبدالقادر وكريستو وبيرسى تاو ومحمد شريف، وغيرهم الكثير، لا لشىء سوى أنه لا يرى فيهم جنودًا متوافقين مع أفكاره وخططه، ولعلك أيضًا سمعت وقرأت أن القرار فى عدم قيد معلول فنى بالأساس.
كولر لا يرى فى معلول فائدة فى المرحلة المقبلة.. فماذا ترى أنت؟
3هل التجديد دون مشاركة يليق به؟
دعنا نتخيل فشل قدوم بن شرقى أو كوتسيا، ودعنا نتصور أن الأهلى بالفعل قام بقيد معلول محليًا وإفريقيًا، هل ستكون الجماهير سعيدة ومنتشية بوجود أسطورتهم حبيس دكة البدلاء، أو خارج القائمة تمامًا؟
أسمعك الآن ترد لى السؤال بسؤال: وهل يمكن أن يجلس معلول احتياطيًا لأى لاعب؟
بكل ثقة أقول لك: نعم.
معلول الآن أصبح اللاعب رقم ٣ فى مركزه بعد يحيى عطية الله وكريم الدبيس، خاصة بعد تألق اللاعبين الواضح خلال مشاركاتهما الأخيرة، أضف إلى ذلك أنه من غير المعقول أن يكون لدى نادٍ واحد كل هؤلاء اللاعبين فى المركز ذاته، خاصة لو أضفت العديد ممن قدّموا أداء لا بأس به أيضًا فى المكان نفسه، مثل كوكا وعمر كمال عبدالواحد.
إذن فمشكلة معلول ليست فى التجديد فقط، ولكن فى جدوى وجوده وفرص مشاركاته التى لن تتعدى دقائق معدودة فى آخر المباريات؛ كنوع من التقدير فقط، وهذا وضع لا يليق بلاعب مثله، ولا يُرضى محبيه وعشاقه من جماهير المارد الأحمر.. ولو أنك ترى غير ذلك فأنت لا تحب معلول حقًا.
4هل ينتقص عدم التجديد من أسطورته؟
لا شىء على الإطلاق يمكن أن يقلل من قدر معلول فى الكرة المصرية، هذا لاعب يستحق حقًا لقب أسطورة، ليس على طريقة «أساطير كيد النسا» التى يرددها جماهير بعض الأندية؛ لا لشىء سوى المكايدة، ولكن لأن معلول يستحق حقًا.
دعنى أفاجئك بأن جماهير الأهلى لم تعط معلول القدر الذى يستحقه؛ رغم كل ما تقدمه من حفاوة ومحبة وهتافات، وهجوم على أى فرد تسول له نفسه النيل من لاعبهم المحبوب، وسيظل مشهد ارتداء شارة القيادة فى مباراة الجونة الموسم الماضى خالدًا ومحفورًا فى ذاكرة كل عشاق ومحبى الأهلى، فهذا قد يكون اللاعب الوحيد الذى تمنت الجماهير أن ينال شرف حمل الشارة، بل طالبت به فى كثير من الأوقات، وتمنت غياب كثير من اللاعبين ليتحقق ذلك.
ضع المعيار الذى تريده، وحدد المقاييس التى تراها قادرة على وصف كلمة أسطورة، ستجد أن معلول تجاوزها جميعًا، عدد مشاركات، سجلًا تهديفيًا، صناعة أهداف، ألقابًا وبطولات كان فاعلًا فيها، كل ما يمكنك أن تتخيله فعله التونسى الأهلاوى، كما يحب أن يصف نفسه.
شارك معلول مع الأهلى فى ٢٨٧ مباراة، أسهم خلالها فى ١٣٤ هدفًا بين تسجيل «٥١ هدفًا»، وصناعة «٨٣ هدفًا»، وحقق خلال مشواره مع الأهلى ٢١ بطولة، بجانب ٣ ميداليات برونزية فى بطولة العالم للأندية.
هذا ليس كل شىء، معلول خلال كل هذه المسيرة كان مثالًا للاعب الخلوق داخل الملعب وخارجه، طوال مسيرته تحصّل فقط على ٢٦ بطاقة صفراء، ولم يتعرض للطرد أبدًا، وأعتقد أنك لم تسمع عن أى مشكلة خارج الملعب كان بطلها معلول.
فهل ترى أن عدم التجديد يعنى أنه لاعب عادى فى تاريخ النادى؟
العكس تمامًا هو الصحيح.. سيظل معلول أسطورة لأجيال كثيرة قادمة.
5لماذ لم يبادر بالاعتزال؟
قبل أن تحكم على سؤالى بالغرابة والاستفزاز، دعنا نناقش الأمر. وفقًا لتصورى فإن عمر معلول فى الملاعب أصبح قصيرًا جدًا، وقد يكون انتهى بالفعل قياسًا على المستوى الذى سيظهر به بعد عودته من الإصابة الطويلة.
إذن فلماذا لم يرفع معلول الحرج عن الجميع ويعلن عن اعتزاله داخل جدران الأهلى، خاصة مع ما هو متداول حول إعداده لمنصب إدارى داخل النادى بالفعل، وأن دوره فى الدفاع عن قميص الأهلى لن ينتهى خارج الخطوط، بل هى بداية لأدوار تستمر لبقية العمر؟
هل قرار الاعتزال معناه خسارة مادية؟
بالطبع نعم.
هل خسارة على المدى القريب؟
الإجابة أيضًا نعم.
لكن على المدى البعيد، واستكمالًا للقب الأسطورة الذى يستحقه معلول قطعًا، كان يمكن أن يبادر ويتخذ القرار بالبقاء فى التتش للأبد بدور جديد وشغف لا ينقطع نحو استكمال المسيرة.
6نداء وليس سؤالًا.
نحن الآن نتبادل الأدوار وجاء دورك لتسألنى: وما الحل؟
جماهير الأهلى على يقين تام من أن موقف النادى مهنى لأقصى درجة، وأن معلول لن يقدم الكثير فى أيامه المقبلة، لكنهم فى الوقت نفسه «صعبان عليهم» ما يحدث مع نجمهم المحبوب، وهم الآن يقفون فى «خانة اليك»، يكيلون عبارات الحب لمعلول، وفى قرارة أنفسهم يدركون أنها النهاية الطبيعية، ويسألون بصدق عن الحل.
ما أراه هنا وما أطلبه من المقربين لمعلول هو النصيحة بالاعتزال، ولو أنه قرأ هذه السطور فأنا أوجه له النداء مباشرة بضرورة إنهاء مسيرته بقميص الأهلى.. وما المقابل إذن؟
المقابل هو أن يتولى معلول على الفور منصبًا يجعله مؤهلًا لمصاحبة الفريق فى رحلة كأس العالم للأندية، التى يستحق بحق أن يشارك فيها، لأنه ببساطة أحد أبطال رحلة الوصول إليها، ويكون وقتها قد بدأ مسيرته الجديدة من الباب الكبير، بعد أن يكون أيضًا قد خرج من الباب الكبير جدًا؛ بدلًا من أن نراه حبيس الدكة فى أندية ستكون بالطبع أقل بكثير من المارد الأحمر.
قد يكون الكلام قاسيًا.. لكن المؤكد أنه محبة وتقدير للاعب يستحق منا كل التقدير.
لن نقول وداعًا أو سلامًا لمعلول
وإنما نقول سلامًا على معلول أينما حل.