رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاهد حية من سيرة «ناس المعرض»: ممرات للمكفوفين.. ومُجسمات للرموز

معرض القاهرة الدولى
معرض القاهرة الدولى للكتاب

 

فى قلب القاهرة حيث تتلاقى الثقافات والحضارات يظهر «معرض القاهرة الدولى للكتاب» كمنارة ثقافية تشع بالنور والمعرفة والجمال، محافظًا على مكانته كوجهة لا غنى عنها للكُتاب والمثقفين والعائلات التى تجد فيه فرصة للاستمتاع بعوالم الأدب والفكر.

ولا يتعامل المصريون مع المعرض كحدث عادى، بل يعتبرونه عرسًا ثقافيًا يجذب مئات الآلاف من الزوار ليس فقط من مصر، بل من مختلف أنحاء العالم، كما أنه الأضخم فى المنطقة العربية، بل وينافس كبرى المعارض الدولية من حيث عدد الزائرين وتنوع الفعاليات، فهنا تلتقى الأجيال تحت سقف واحد، فيجد الكبار فرصة لاستعادة ذكرياتهم مع الكتب، بينما يكتشف الصغار عوالم جديدة من خلال صفحاتها.

ووسط الزحام والحركة، نلتقى عائلة «أبوعويضة»، التى قررت أن تجعل من زيارة المعرض تقليدًا عائليًا، فالوالدان يتحركان على كرسيين متحركين، يجرهما نجلاهما «خالد وشيماء»، اللذان يحرصان على اصطحاب والديهما فى جولة بين أرفف الكتب، حيث رائحة الأحبار تختلط بذكريات الماضى.

يقول «خالد»: «والدتى كانت تحرص على اصطحابنا إلى المعرض كل عام، واليوم جاء دورنا لنرد لها الجميل».

والدة «خالد»، السيدة فريدة، كانت مديرة مدرسة قبل أن تتفرغ لتربية ابنيها، وكانت تكرس وقتها لتعريفهما بعالم الكتب، فى حين كان والده مسئولًا عن جناح المركز القومى للبحوث فى المعرض، حيث كان يصطحب ابنيه ليقضيا أيامًا بين الكتب.

أما «شيماء» فتقول: «المعرض اليوم ليس كما كان فى الماضى، لكنه ما زال يحتفظ بروحه الدافئة والجميلة».

ولم يغب عن منظّمى المعرض الاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة، حيث تم تجهيز الممرات والأرضيات بعلامات بارزة بطريقة «برايل»، لتسهيل حركة المكفوفين بين أجنحته، وهى خطوة تعكس حرص المعرض على أن يكون شاملًا للجميع، وتؤكد أن الثقافة حق لكل إنسان.

وبين أروقة المعرض، تظهر مجسمات خشبية لرموز الأدب والفكر، مثل الكاتبة والناشطة النسوية درية شفيق، التى تتصدر جناح منشورات دار «الربيع»، كما تحظى أعمال نوال السعداوى، مثل كتاب «مذكراتى فى السجن»، باهتمام كبير من الزوار، وهذه المجسمات ليست مجرد ديكور، بل هى تكريم لتاريخ طويل من النضال الفكرى والثقافى.

وفى جناح مؤسسة «غايا للإبداع»، يتصدر مجسمان للكاتبين الراحلين الكبيرين خيرى شلبى ومحمد مستجاب، حيث يتم طرح أعمال جديدة لم تنشر من قبل لصاحب «الوتد»، بالإضافة إلى إعادة نشر أعمال صاحب «ديروط الشريف»، وهى خطوة تعيد إحياء تراث أدبى غنى، وتذكرنا بأن الكتب هى الجسر الذى يربط الماضى بالحاضر.

وما يميز معرض القاهرة عن غيره هو الدفء الذى يشعر به كل زائر، فهنا تلتقى الأجيال وتتجدد الذكريات، وتتفتح آفاق جديدة، فالمعرض ليس مجرد مكان لشراء الكتب، بل هو فضاء للتواصل والحوار، حيث تلتقى الثقافات وتتناغم الأصوات فى سيمفونية فكرية لا تنتهى.

فى النهاية، يعيد المعرض تذكيرنا بأن الكتب هى النافذة التى نطل منها على العالم، وأن الثقافة هى الجسر الذى يربطنا ببعضنا البعض.