شريف صالح: لأكثر من 40 سنة حياتى ارتبطت بـ"الست" وباتت خبزًا يوميًا (خاص)
يشارك الكاتب شريف صالح، في فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، بأحدث إبداعاته السردية، رواية “مجانين أم كلثوم”، ضمن إصدارات الدار المصرية اللبنانية للنشر بالمعرض.
شريف صالح: اتخذت سيرة “أم كلثوم” خلفية للوحة سردية مركبة
وفي تصريحات خاصة لـ“الدستور”، كشف “صالح” ملامح روايته “مجانين أم كلثوم”.
وأضاف: دخلت عالم أم كلثوم بالصدفة وأنا في الصف الأول الإعدادي، عن طريق الراديو في بيتنا، بيت بسيط في قرية شمال الدلتا، بالقرب من البحر المتوسط، لكن العالم كله كان يأتي إلينا عن طريق صندوق الراديو، واستوقفني في أغنيتها ضمير الخطاب "اسأل روحك"، وتلك الطاقة التعبيرية والألم المكتوم.
ولأكثر من أربعين سنة ارتبطت حياتي بها كمستمع، باتت خبزًا يوميًا، أذاكر وأقرأ وأكتب في حمايتها، ونس الليالي الباردة، محرضة على الحب وعلى الهروب منه في آن.
وتعودت في صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن أكتب عن أغانيها وملحنيها وتعليقات حول سيرتها، كأن الرواية كانت تكتب نفسها عفويًا، دون تخطيط.
وبطبيعتي لا تكون لدىّ فكرة واضحة عما أرغب في كتابته، ولا أميل إلى كتابة السيرة نيابة عن الغير، مع ذلك أؤمن أن كلًا منا يعيد اختراع الشخصيات العظيمة بطريقته، يكتب عن نسخة منهم تخصه وحده. لذلك عندما كتبت "ابتسامة بوذا" لم تكن عن حياته بل عن تأثري بأفكاره، والأمر نفسه في "أينشتاين: أسرار القطعة 99"، لم تكن سيرة بالمعنى التقليدي وإنما حوار مفتوح مع مخه وأفكاره في الفيزياء والحياة.
ولفت “صالح”: ربما "أم كلثوم" ثالث سيرة أكتبها، أو بالأدق أخترعها، لأنني لم أنشغل كثيرًا بتفاصيل حياتها ولا سردها مرتبة لأن "الويكيبديا" تقوم بذلك، وإنما اتخذت سيرتها مثل خلفية للوحة سردية مركبة، واهتممت أكثر بانطباعاتي الذاتية حول أغانيها في مراحلها المختلفة.
وجاءت الرواية في مقاطع قصيرة لا تزيد عن أربع صفحات، ومعظمها يحمل أسماء أغانيها مثل: أمل حياتي، رق الحبيب، ألف ليلة وليلة، القلب يعشق كل جميل.
في هذين المستويين: السيرة والأغاني، كان ثمة توثيق ذاتي إلى حدٍ ما، أدمجته مع خط مواز خاص بمخرج مسرحي يدعى "جلال عبدالفتاح عاشور" وهو أحد المجانين بأم كلثوم يحفظ تاريخها وأغانيها، ويصدق كلماتها في "الحب" ويحاول أن يعيشها في الواقع عبر أكثر من تجربة مع جيجي وأيلا ونجلاء، إضافة إلى "سلمى" المرأة التي تزوجها وأثبتت له أن الحب في الأغاني ليس كما هو في الواقع.
وتندمج المستويات الثلاثة: سيرة أم كلثوم، وأغانيها، وقصص “جلال” العاطفية، في المستوى الرابع الخاص بجمهور أم كلثوم، ففي كل ما يكتب عنها تستحوذ "الست" على الكلام والضوء كله، وبدرجة أقل يشار إلى الشعراء والملحنين، لكن في رأيي من صنع ظاهرة أم كلثوم هو جمهورها الذي أسطرها، وجعلها حية في حياتنا، يتردد صوتها في الشوارع والمقاهي من المحيط إلى الخليج.
أم كلثوم أهدت والدي زجاجة عطر
وتابع شريف صالح: الجمهور الذي تعلق بحفلاتها وشرائط الكاسيت وردد في قلبه مقاطع أغانيها، وعلق كلماتها في لوحات. ربما لا يعلم كثيرون أن أغنية مثل "أنت عمري" شاهدها على اليوتيوب حوالي تسعين مليون شخص، وعلق عليها عشرات الآلاف يحكون عن ذكرياتهم معها. هذه العبارات البسيطة مؤثرة وملهمة جدًا لي، جعلتني أفكر ماذا لو كانت هناك جمعية سرية من مجانين أم كلثوم يدافعون عن إرثها، ويخلدون سيرتها، ويضعون اسمها "كوكب الشرق" عنوانًا للمقاهي؟!
كنتُ مشغولًا بما أسميه "المتخيل الكلثومي"، كيف تصبح "الست" جزءًا من التجربة العاطفية للملايين، وجزءًا من ذكرياتهم وتخيلاتهم. هؤلاء البسطاء هم صنعوا أسطورة أم كلثوم. وهم من أردت تخليد تعليقاتهم وذكرياتهم وهوسهم بها.
ولم أكن أنا نفسي أو جلال عبد الفتاح أو جيجي أو القبطان السجيني وعطيان والخواجة وسوسو هانم، إلا شريحة من عشاق "الست"، مثلما كان أبي رحمه الله ممتنًا أثناء وجوده في الحرب بتلقي زجاجة عطر منها ظل يحتفظ بها لسنوات، وإليه أهديتُ الرواية.