مجدى يعقوب.. حين يغدو الحلم نبضًا

فى حضرة القلوب النقية والأرواح الكبيرة، يقف المرء مدهوشًا أمام عظمة إنسان اختار لنبضه أن يكون منارة للعالم أجمع، فأوجد وأبدع واستطاع أن يُحول الحلم إلى حقيقة، وأن يهب الأمل لمن توقفت دقاتهم فى منتصف الطريق، إنه السير مجدى يعقوب أيقونة الطب المصرى وأحد صناع الأمجاد الإنسانية فى عالم جراحات القلب، كلما توغلنا فى رحلته أحسسنا بأننا أمام قصة أسطورية، لكنها واقع ملموس ينبض بالإنجاز ويسمو بالعطاء.

نشأ مجدى يعقوب وعينه على حلمٍ يتجاوز حدود الوطن، وما زادته الغربة إلا إصرارًا على تشريف اسم مصر فى الأروقة الطبية العالمية، آمن بأن التفوق العلمى رسالة لا تنحصر فى أروقة المستشفيات والمعامل فقط، بل يمتد تأثيرها إلى قلوب الناس التى تعلقت باسمه واعتبرته رمزًا للثقة والأمل، عبر العقود لم يكن مجرد طبيب، بل كان صورة جديدة مشرقة تحكى كيف يرتقى الإنسان ويُخلص لوطنه ولإنسانيته.

ولا عجب أن يلتف المصريون، على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم، حول هذا العالم الجليل، فهو لم يدخر جهدًا فى أن يهب حياة أفضل لمرضى القلب فى كل مكان يطرق باب المعاناة بأدوات علمية فريدة، ويرسم بسمة تُبدد الألم فى أعقد لحظاته، ومؤخرًا أعلن عن إنجازٍ طبى غير مسبوق يعد الأول من نوعه فى العالم، حين أعلن عن نجاحه فى تطوير صمامات قلب طبيعية تعيش مدى الحياة، وتستطيع أن تنمو وتتجدد بصورة طبيعية، ثورةٌ جديدةٌ فى علاج أمراض القلب تتجاوز حدود المستحيل، وتُترجم ما راوده من أحلام منذ خمسين عامًا، وهو يفكك شفرات الصمامات ويغوص فى أسرارها، وآن له أن يشهد وهج الحلم يتحول إلى إنجاز عظيم، قال فى حماسة لا تنطفئ إنه متحمس لهذه النقلة غير المسبوقة كى يسهم فى تخفيف آلام ملايين المرضى عبر العالم، ويرى أنها هدية يهبها للبشرية بأسرها.

ولأن الوطن يعرف أبناءه العظام ويقدر من قدموا له يد المحبة وجبين العزة، جاء قرار تكريم الطبيب العالمى بوضع اسمه العريق على صالة كبار الزوار بمطار أسوان الدولى، تلك الخطوة التى ستظل شاهدة على مدى اعتزاز الدولة بالعلم والعلماء ورمزًا يضىء الطريق أمام الواعدين من الأطباء والباحثين، فما أجمل أن ينهض الطيران بمقصده الجليل نحو القلوب التى تخفق امتنانًا وعرفانًا لرجل انتشلهم من بين أنياب الألم وأعاد لهم حقهم فى الحياة.

يستقبل أهل أسوان وزوارها صورة السير مجدى يعقوب فى أروقة المطار، وفى وجدانهم عرفان يضاهى ذرات رمالها الذهبية ومياه النيل المتدفقة بالتاريخ، إن هذا التكريم ليس إلا امتدادًا لاحتفاء الوطن برمزه العلمى المشرف، ولتمكين روح الصدق والإخلاص التى زرعها يعقوب فى كل من يراه أو يسمع بقصص نجاحه وإنجازاته التى تجاوزت حدود الطب لتلامس المعنى الأصيل للإنسانية والعطاء.

إن قرار تسمية صالة كبار الزوار بمطار أسوان باسم هذا العالم الجليل لفتة مقدرة، لكن تكريمه يستحق طُرُقًا أكثر شمولًا وعمقًا، ويمكن أن نطرح بعض الأفكار تليق بمقامه ومسيرته الطويلة فى خدمة الإنسانية:

إطلاق جائزة علمية وطنية باسم السير مجدى يعقوب تُمنح سنويًا لأفضل الأبحاث والدراسات فى مجال أمراض وجراحة القلب، لتشجيع الباحثين والأطباء الشباب على مزيد من الابتكار.

كما يمكن تأسيس مركز بحثى عالمى يحمل اسمه، يكون مهمته الأساسية تطوير علاجاتٍ جديدةٍ لأمراض القلب والأوعية الدموية، والتعاون مع المؤسسات العلمية الدولية لاستقطاب الأطباء والباحثين المتميزين.

وكذلك إحياء يوم وطنى للصحة القلبية يُخصص لتوعية المجتمع بأمراض القلب وطرق الوقاية منها، مع تسليط الضوء على الإنجازات المصرية فى هذا المجال، وتكريم الرموز الطبية البارزة.

كما يمكن إدراج سيرته فى مناهج الطب إدخال قصص نجاحه واكتشافاته فى المناهج الدراسية الطبية داخل الجامعات المصرية، فيتعلم الطلبة كيف يكون العلم رسالة إنسانية وواجبًا وطنيًا، وكذلك إنشاء متحف مصغر يروى سيرته فى مدينة أسوان، ويعرض أهم المحطات والأدوات الطبية المبتكرة؛ لتكون مصدر إلهام للأجيال القادمة.

سيرة هذا الطبيب العظيم تصدح فى سماء الإنسانية لتؤكد أن الإخلاص لا يعترف بالحدود ولا بقوائم المستحيل، وأن الرسالة الطبية متى تكللت بالصدق والرحمة كانت عنوانًا مضيئًا للبشرية كلها، ما زال مجدى يعقوب يستكمل مسيرته فى صمت العلماء الكبار واثقًا أن ما فعله من أجل القلوب البشرية هو واجب ورسالة لا تنتهى، يغادر بهدوء إلى المختبر أو غرفة العمليات ليعود محملًا بحلمٍ جديد يتلوه على مسامع العالم؛ لتتجدد الآمال وترتسم البسمات على الوجوه الحزينة.

فلتفتخر مصر برجل لم تغره الشهرة ولم يُغب عن ذهنه هدفه الأسمى فى إنقاذ القلوب المجهدة وتضميد جراح النفوس المنهكة، ولتجعله نموذجًا حيًا فى عيون الأجيال القادمة يفتح آفاقًا مشرقة ويعلمهم كيف يكون الطبيب رسولًا للخير وكأن فى هذا الشريان المتصل بقلوب الناس سرًا لا يدركه إلا من وعى دور العلم فى تعمير الأرض وبناء المستقبل.