رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجيش المصرى.. رهبة تجتاح إسرائيل.. لماذا؟


انظر حولك.. لن تجد جيشًا عربيًا قد بقى على حاله، إلا الجيش المصرى، بعد سقوط الدول فى المنطقة، بدءًا من العراق، مرورًا باليمن وليبيا، ومؤخرًا سوريا.. بل إن قوة الجيش المصرى تعاظمت عما كانت عليه قبل عام 2013، عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، مقاليد الحكم فى مصر، وبعقليته العسكرية المتميزة، أدرك أن جيشنا لا يمكن أن يستمر على الحالة التى هو عليها فى ذلك الوقت، وقرر تعظيم قدراته وتنويع مصادر أسلحته، حتى لا يكون رهنًا لمشيئة دولة من الدول المصدرة للسلاح.. وذلك ما بدأ يثير حفيظة قادة وساسة إسرائيل نحونا الآن، وراح الإعلام الإسرائيلى يُحذر من قوة الجيش المتنامية وخطورتها على الدولة العبرية.. وكلما كتب أحدهم مرة، عاد ليكتب مرات فى ذات الشأن.. ومع أنهم يرون نوايا قادتهم التوسعية، ومسارعتهم باستغلال الفراغ الناشئ عن الفوضى فى أى مكان للمسارعة باحتلاله، كما حدث مؤخرًا فى سوريا بعد سقوط بشار الأسد.. ورغم يقينهم أن مصر لا تعتدى على أحد، ولا تتدخل فى شئون الدول الداخلية، لكنها تأخذ بالحيطة دائمًا، وتستعد لأسوأ السيناريوهات، إلا أن هؤلاء الذين يصيبهم الهلع من مصر، لا يريدون أن يروا الحقيقة كما هى، أو ربما يرونها ولكنهم يخالفونها.. بل إنهم لم يستمعوا إلى ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ أكثر من عشرة أعوام، ويكررها حتى الآن، «إن الجيش المصرى لا يعتدى على أحد، ولا يغزو أراضى أحد، وإنما يقوم بحماية الوطن».
فهذا توليك بيفليكس، المحلل المتخصص فى شئون الشرق الأوسط، وصاحب الخبرة الواسعة فى تغطية التطورات الجيوسياسية الإقليمية، يقول فى مقال بعنوان «صديق أم عدو؟.. مصر تحشد خمسة مليارات دولار من الأسلحة والسؤال الذى لا يسأله أحد!»، لقد انخرطت مصر فى واحد من أكثر برامج التحديث والتوسع العسكرى فى تاريخها.. وتحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، تحولت القوات المسلحة المصرية إلى واحدة من أكثر القوات قوة فى العالم، حيث شملت عمليات الاستحواذ الأخيرة كل شىء، من حاملات الطائرات إلى الطائرات المقاتلة المتقدمة، ومن الغواصات الألمانية إلى أحدث الدبابات الأمريكية.. لقد تسارع هذا التراكم بشكل كبير فى العقد الماضى، حيث أبرمت مصر مؤخرًا صفقة أسلحة ضخمة أخرى بقيمة خمسة مليارات دولار مع الولايات المتحدة.. فى بعض الأحيان، تكون الأسئلة الأكثر بساطة هى الأكثر كشفًا: لماذا تسعى مصر إلى مثل هذا التوسع العسكرى، فى حين تواجه تحديات اقتصادية شديدة؟
عند النظر إلى الموقع الاستراتيجى لمصر، تبدو الصورة مُحيرة للوهلة الأولى.. فإلى الغرب تقع ليبيا، التى لا تزال ممزقة بسبب الصراعات الأهلية، ولا تشكل أى تهديد عسكرى تقليدى.. وإلى الجنوب تقع السودان، التى تعانى هى نفسها من صراعات داخلية.. أما الدول الحدودية الأخرى بما فى ذلك المملكة العربية السعودية عبر البحر الأحمر فتتمتع بعلاقات ودية مع القاهرة.. وهنا، يقول بيفليكس، إنه لم يتبق إلا إسرائيل، التى أبرمت معها مصر معاهدة سلام منذ عام 1979، الذى يرى أن حجم التوسع العسكرى فى مصر غير متناسب إلى حد كبير مع احتياجاتها الأمنية الفعلية.. وتواجه البلاد تحديات اقتصادية كبيرة، ومع ذلك، لا تزال المليارات تُصب فى أنظمة الأسلحة المتطورة، التى تبدو غير مناسبة لعمليات مكافحة التمرد أو أمن الحدود.. الغرض المُعلن من مصر.
وتكشف الأدلة الأخيرة، عن أن الاستعدادات العسكرية المصرية موجهة بشكل خاص، نحو الصراع المحتمل مع إسرائيل.. ففى الأكاديميات العسكرية فى مختلف أنحاء مصر، ينخرط الضباط فى دراسة مُفصلة لنقاط ضعف المعدات العسكرية الإسرائيلية، مع التركيز بشكل خاص على دبابة «ميركافا مارك 4»، وتُظهِر مواد التدريب تحليلًا شاملًا لتركيبة الدروع، ومواقع حجرة المحرك، ونقاط الضعف فى نظام المسار والحركة، والأنظمة الفرعية الحرجة.. ويتم دمج هذه المعرفة بدقة مع صواريخ «هيلفاير» وغيرها من الأسلحة المضادة للدبابات، التى تم الحصول عليها مؤخرًا.
وبطريقة، لا تعرف منها، إن كانت إشادة ببرامج التدريب العسكرية المصرية المفروض أن يكون عليها أى جيش يقظ، أم أنه نقد يحمل فى طياته الخوف من آتٍ، هم يعرفون مآلاته، يقول بيفليكس، إن المنهج الدراسى فى الأكاديمية العسكرية، يمتد إلى ما هو أبعد من تحليل المعدات، ليشمل دراسة موسعة لهياكل القيادة والسيطرة فى الجيش الإسرائيلى، وعمليات اتخاذ القرار العسكرى الإسرائيلى، والتحليل الدقيق للصراعات العربية الإسرائيلية السابقة.. ويتلقى الضباط تدريبًا متخصصًا فى تطوير التكتيكات المضادة للتفوق الجوى الإسرائيلى، مع إتقان قدرات الحرب الإلكترونية المُصممة لتعطيل أنظمة الاتصالات الإسرائيلية.. وبما أنه يرفض الاستعداد المصرى لمواحهة أى سيناريو تُقدم عليه إسرائيل فى المرحلة الآتية، وهى الكيان الذى لا يؤتمن جانبه، يرى أن تحويل شبه جزيرة سيناء، يمثل مشروعًا هندسيًا عسكريًا ضخمًا، يخلق مزايا محددة فى سيناريوهات الصراع المحتملة.. وقد تم وضع القواعد الجوية الجديدة والموسعة بشكل استراتيجى، لتوفير الدعم الجوى السريع للقوات البرية التى تتحرك شرقًا، والتصدى للعمليات الجوية الإسرائيلية فوق سيناء، وتمكين النشر السريع لطائرات الهليكوبتر الهجومية ضد التشكيلات المدرعة الإسرائيلية.. وقد تم تحديد مواقع هذه القواعد بعناية، لتقليل وقت التحذير للدفاع الجوى الإسرائيلى، مع تعظيم تغطية مناطق الصراع المحتملة، وكلها محمية بمرافق مُحصنة مُصممة لتحمل الضربات الأولية.
لقد تم إنشاء شبكة متطورة من المخابئ المحصنة ومستودعات الذخيرة، لدعم التعبئة السريعة للتشكيلات المدرعة.. كما ضاعف الجيش سعة خزانات الوقود لديه، ما أتاح العمليات المستدامة للقوات الميكانيكية والعمليات الجوية الممتدة، دون الحاجة إلى إعادة الإمداد، مع الحد من التعرض لانقطاع خطوط الإمداد.. وقد تم بناء سبعة أنفاق استراتيجية تحت قناة السويس، ما يوفر سرعة حركة القوات من البر الرئيسى فى مصر إلى سيناء، مع تجنب الجسور المعرضة للخطر.. كما تم تجديد شبكة الطرق بالكامل، من أجل النشر السريع للدروع الثقيلة، وتوفير طرق تقدم متوازية متعددة، وقدرات دعم لوجستى محسنة للعمليات واسعة النطاق.
وتكشف عمليات شراء الأسلحة التى أجرتها مصر مؤخرًا، عن استعدادات متطورة لمواجهة الصراع بين الدول.. وتتضمن حزمة التطوير الضخمة التى تبلغ قيمتها 4.69 مليار دولار، 555 دبابة من طراز أبرامز M1A1 بحماية مدرعة محسنة، مصممة خصيصًا لمواجهة الأسلحة الإسرائيلية المضادة للدبابات، وأنظمة تحكم فى النيران مُحسنة ومُصممة لمدى الاشتباك فى الصحراء، وقدرات قتالية ليلية تتوافق مع معايير القوات الإسرائيلية.. وتمتد الترقيات إلى أنظمة تنقل مُحسنة للحرب فى الصحراء، والتكامل مع أنظمة إدارة ساحة المعركة الحديثة.. ولقد شهدت شبكة الدفاع الجوى ثورة من خلال أنظمة S-300VM القادرة بشكل خاص على التعامل مع طائرات F-15I وF-16I الإسرائيلية على مسافات ممتدة.. ويمكن لهذه الأنظمة المتقدمة، اعتراض الذخائر الموجهة بدقة، بما فى ذلك الصواريخ المجنحة، مع توفير الحماية ضد الأسلحة البعيدة.. وتم دمج أنظمة رادار متعددة لتعزيز قدرات الكشف، وتوفر الوحدات المتنقلة حماية مخصصة للتشكيلات المدرعة.
لقد توسعت القدرات البحرية بشكل كبير، مع الاستحواذ على حاملات المروحيات ميسترال.. وتتيح هذه السفن نشر القوات بسرعة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ودعم العمليات البرمائية، وإجراء حرب ضد الغواصات.. ويسمح نطاقها الموسَّع بتنفيذ العمليات فى كل من البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر، فى حين يوفر دمج مروحيات الهجوم الروسية كا-52 قدرات هجومية كبيرة.. وتوفر قوة الغواصات، المُجهزة بالسفن الألمانية الحديثة، قدرة ردع استراتيجية، وتشكل تهديدًا كبيرًا للعمليات البحرية وممرات الشحن.. وتتميز هذه الغواصات بأنظمة سونار وأسلحة متطورة ذات قدرة تحمل تحت الماء ممتدة، ما يتيح عمليات حصار محتملة وعمليات استراتيجية بعيدة المدى.
وتوضح التدريبات العسكرية المصرية استعدادات محددة لسيناريوهات الصراع المحتملة.. وتتضمن سلسلة «النجم الساطع» عمليات ضد قوات متفوقة تكنولوجيًا فى تضاريس صحراوية، مع سيناريوهات دفاعية تتوافق مع طرق غزو الجيش الإسرائيلى، وعمليات هجومية عبر ممرات تتوافق مع طرق غزة.. وتؤكد هذه التدريبات الحرب الإلكترونية وتعطيل الإشارات مع ممارسة عمليات قمع الدفاع الجوى المتكاملة.. وتم إحداث ثورة فى تدريب الأسلحة المشتركة، للتأكيد على العمليات المُنسقة بين التشكيلات المدرعة ووحدات الدفاع الجوى التى تحمى من القوات الجوية المتفوقة.. تمارس وحدات المدفعية توفير تغطية دقيقة للتقدم المدرع، بينما تتدرب وحدات القوات الخاصة بشكل خاص، على استهداف مرافق القيادة والتحكم.. ويتم إيلاء اهتمام خاص لتركيز القوة السريع فى القطاعات الرئيسية، وهو أمر ضرورى لتحقيق النجاح فى ساحة المعركة الحديثة.
وطور الجيش المصرى قدرات لوجستية وتعبئة متطورة، من خلال تدريبات تعبئة صارمة لمدة ثمانية وأربعين ساعة، وتدريبات على تحركات فرق متعددة.. يتم إجراء عمليات دعم لوجستى واسعة النطاق بانتظام، فى حين تضمن شبكات الاتصالات المُعززة القيادة والسيطرة الموثوقة، حتى فى ظل الهجوم.. ويوفر هيكل القيادة الموزع، المرونة ضد التعطيل المحتمل للسلطة المركزية.. وبذلك، فإن تطوير البنية الأساسية فى سيناء- كما يرى بيفليكس- يتجاوز إلى حد كبير أى متطلبات معقولة لمكافحة الإرهاب.. كما أن مستويات الوجود العسكرى تنتهك بشكل مباشر القيود المتفق عليها على القوة.. فقد تم نشر وحدات مدرعة ثقيلة تتجاوز الأعداد المسموح بها، فى حين تم تركيب أنظمة مدفعية بعيدة المدى فى مناطق محظورة.. متناسيًا أن الجيش الإسرائيلى اخترق اتفاق القوة ذاته، عندما احتل ممر فيلادلفيا على الجانب الفلسطينى.. ومع ذلك يستطرد، أن شبكات الدفاع الجوى المتقدمة وأسراب المروحيات الهجومية، تعمل بحرية فى المناطق التى من المفترض أن تكون منزوعة السلاح.. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو بناء مرافق عسكرية دائمة فى المناطق التى تم تحديدها صراحة، على أنها منزوعة السلاح بموجب كامب ديفيد.
ويعترف بيفليكس، بأن القيادة المصرية والجيش المصرى، انعكاس للإرادة الشعبية فى مصر، إذ يقول، وعلى النقيض من العديد من الحالات فى الشرق الأوسط، حيث تتعارض سياسات الحكومة مع المشاعر العامة، فإن الحشد العسكرى فى مصر يتماشى بشكل وثيق مع الآراء الشعبية الراسخة.. ففى مختلف أنحاء المجتمع والثقافة المصرية، يُنظَر إلى إسرائيل باعتبارها كيانًا إمبرياليًا مصطنعًا.. زرْعًا أجنبيًا فى المنطقة.. هذا المنظور يتجاوز الطبقات الاجتماعية والانقسامات السياسية، حيث يُنظَر إلى إسرائيل باستمرار، باعتبارها مجموعة من المهاجرين الذين اغتصبوا حقوق الفلسطينيين وأراضيهم.. وتعزز وسائل الإعلام المصرية هذه الرواية يوميًا، وتحافظ على موقف نقدى مستمر تجاه إسرائيل، بينما ترفض أى اعتراف بشرعيتها التاريخية فى المنطقة.
ولنتأمل هذا السيناريو يوضح بيفليكس إذا بنى جارك ميدان رماية متطورًا، فقد لا يخطر ببالك أنه يتقصدك.. ولكن إذا اكتشفت أنه يتدرب حصريًا على أهداف تحمل صورتك، ويدرس نقاط الضعف فى نظام الأمن بمنزلك، ويجرى تدريبات منتظمة تحاكى هجومًا على ممتلكاتك كل هذا مع الحفاظ على تحية الصباح الودية عبر السور بينكما فمن المؤكد أنك ستنظر إلى تصرفاته بقلق بالغ.. إن هذا السيناريو يعكس القلق المتزايد الذى يحيط بنا، ونحن نراقب التحول العسكرى فى مصر.. والدرس المستفاد من السابع من أكتوبر 2023 واضح.. لا يمكننا أن نعتمد فقط على تفسيرنا لنوايا الآخرين.. بل يتعين علينا أن ندرس عن كثب قدراتهم النامية.. ورغم أن السلام بين مصر وإسرائيل حقق فوائد كبيرة لكلا البلدين، فإن التوسع العسكرى غير المسبوق، يتطلب قدرًا أعظم كثيرًا من الاهتمام، مقارنة بما يحظى به حاليًا.
●●●
ومع أن اللواء «احتياط» إسحاق بريك، المُقدر بين قادة الجيش الإسرائيلى والمُقرَّب من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومن توقع أحداث السابع من أكتوبر، حتى أسموه «نبى الغضب»، قد كتب مرارًا فيما يتعلق بالجيش المصرى، وحذر من مغبة مواجهته فى أى موقف قادم، إلا أنه عاد ليكتب من جديد تحت عنوان «عيون على مصر والأردن»، ليؤكد أن قادتهم يفتقرون إلى الرؤية الاستراتيجية والفهم للعمليات التدميرية التى تحدث لهم بسبب الحرب الحالية، وأن المستويات السياسية والعسكرية لا تعدهم لمعركة المستقبل، و«التى قد تأتى بطرق لم نأخذها على محمل الجد.. حتى الآن».. إذ يقول، إن المستوى السياسى، والمستوى العسكرى، والمعلقين العسكريون، ومعظم أفراد الجمهور فى إسرائيل، ينظرون إلى ما يحدث حولهم من خلال منظور ضيق الأفق.. وبسبب قصر نظرهم، فإنهم لا يرون الفضاء من حولهم، ولا يدخلون إلى عمق الضوء؛ إنهم لا يقرأون بشكل صحيح خريطة الأحداث على المستوى النظامى والاستراتيجى.. إنهم يركزون فى أذهانهم على تحديد النجاحات والإخفاقات، باعتبارها البندول الذى يتأرجح ذهابًا وإيابًا بمعدل ثابت.. إنهم سعداء عندما ينجحون وحزينون عندما يفشلون، ولكنهم لا يفهمون العمليات التى تجرى فى الحاضر ولا ينظرون إلى المستقبل.
حتى بعد النجاحات التى حققها الجيش الإسرائيلى «تفجير أجهزة البيجر، والقضاء على حسن نصرالله ورفاقه، وتدمير العديد من أسلحة حزب الله بواسطة طائراتنا»، فإن عملية قيادة دولة إسرائيل هذه الأيام سيئة ومريرة.. لقد جلبت الحرب مع حزب الله وقتل قائد حماس، يحيى السنوار وعملية «ماجلان» الفرحة والسعادة للشعب الإسرائيلى، والشعور بأننا نفوز بالحرب.. ولكن لو درس قادتنا الوضع بشكل صحيح، لكانوا قد وجدوا، أنه على الرغم من ذلك، فإن نجاحاتنا لم تؤثر على تغيير الاتجاه نحو النصر فى الحرب.. بل على العكس، لم نهزم حماس «نرى ونشعر بأنها تزداد قوة فى أنفاقها»، ولم نهزم حزب الله، على الرغم من الابتهاج.. والفرحة أننا فى طريقنا إلى هزيمته.. والدليل على ذلك، أنه بعد القضاء على نصر الله، استمر حزب الله، حتى بعد فترة قصيرة، فى حرب الاستنزاف فى الشمال، وبقوة أكبر بكثير مما كانت عليه فى العام الأول.. توسعت عمليات إطلاقها من الحدود الشمالية إلى تل أبيب، لقد تسبب الهجوم الإسرائيلى على أبيب فى خسائر فادحة فى الأرواح والممتلكات.. والأسوأ من ذلك، أن الجيش الإسرائيلى وافق على وقف إطلاق النار، عندما أدرك أنه لا يملك القوة اللازمة لهزيمة مقاتلى حزب الله، حتى عندما كانوا فى حالة ضعف.. والسبب فى ذلك، هو أن الجيش الإسرائيلى الصغير لا يملك القوات الفائضة التى تحل محل الوحدات القتالية.. ويبدو أن الجيش لا يملك القدرة على المناورة العميقة، ولا يملك قوات كبيرة للسيطرة على عدة قطاعات فى نفس الوقت.. إضافة إلى كل هذا، لم نتمكن من تحرير جميع المختطفين والنازحين وإعادتهم إلى منازلهم، وهذا يعنى أنه بعد أكثر من عام، لم نحقق أى هدف.
لكن هذا ليس كافيًا.. إن استمرار القتال أصبح حربًا لا معنى لها، فحتى لو استمرت قواتنا فى القتال لأشهر وسنوات، فإنها لن تكون قادرة على هزيمة حماس وحزب الله، والقضاء على «الإرهاب» المتنامى فى الشرق الأوسط.. لكن استمرار القتال الذى فقد هدفه، يجر البلاد إلى دوامة هبوطية، ويضر بالاقتصاد ويزيد من تكلفة المعيشة، والجمهور لا يستطيع تحمل ذلك؛ إن ما يحدث اليوم هو انهيار علاقاتنا مع دول العالم، وانهيار جيشنا البرى الصغير، وانهيار المرونة الوطنية والاجتماعية، ودفع أفضل العقول فى مجال التكنولوجيا العالية والطب وغيرها إلى خارج البلاد.. وتظهر النتيجة النهائية: أنه حتى نجاحاتنا الكبيرة لم تغير الاتجاه العام للبلاد نحو الأفضل.. وقالوا من الآن فصاعدًا، حتى لو كانت هناك نجاحات مستقبلية فى هذه الحرب، فإننا لا نستطيع أن نغير الاتجاه العام الذى يتجه نحو التراجع، لأنه ببساطة ليس فى قدرتنا أن نقرر وننتصر بشكل كامل.. إذا لم نتمكن من توجيه سفينة أمتنا، فإننا ببساطة سوف نجنح ولن نتمكن من البقاء هنا.. إذا استمرت الحرب، فسوف نفقد المزيد من المقاتلين عبثًا، وسوف نفقد المخطوفين، ولن نتمكن من إعادة النازحين إلى ديارهم، وسوف يستمر الجيش فى الاستنزاف، إلى درجة عدم القدرة على الدفاع عن حدود البلاد وشن هجوم.. والإجراء الفورى المطلوب الآن، هو وقف الحرب وإعداد البلاد والجيش للتهديدات المستقبلية، ووقف التدهور الاقتصادى، وإصلاح علاقاتنا المتداعية مع دول العالم، واستعادة وبناء المرونة الوطنية والاجتماعية التى تختفى، وفوق ذلك، إعادة جميع المختطفين والمهجرين إلى ديارهم.
وليس هذا أيضًا كل شىء، فكما يفتقر قادتنا إلى الرؤية الاستراتيجية والفهم للعمليات التدميرية التى تحدث لنا بسبب الحرب الحالية، فإن المستويات السياسية والعسكرية لا تتنبأ بالمستقبل، ولا تعد الدولة والجيش للمستقبل.. التهديدات فى ساحة المعركة، والتى ستكون قوتها أكبر بعشرات المرات من التهديد الحالى.. اليوم أصبح الجيش المصرى أقوى جيش فى الشرق الأوسط.. كل تدريباته موجهة نحو إسرائيل، وقام بإعداد البنية التحتية للحرب داخل سيناء وفى إسرائيل.. السلام بين إسرائيل ومصر فى الوقت الراهن على حافة الهاوية، وخلال العام الماضى، بدأ المصريون يديرون ظهورهم لإسرائيل.. ولديهم علاقات وثيقة مع الأتراك والصينيين وحتى الإيرانيين.. يتعين على إسرائيل أن تأخذ فى الاعتبار القوة العسكرية لمصر، وأن تعد جيش الدفاع الإسرائيلى للدفاع عن حدودها معها.. وقد يقرر الرئيس المصرى المشاركة فى حرب إقليمية شاملة ضد إسرائيل، ولكن لا يتم عمل أى شىء على المستويين السياسى والعسكرى فى هذا الصدد.. مع ملاحظة، أنه ليس لدى الجيش الإسرائيلى أى قوات يستطيع نشرها ضد المصريين، ولا يوجد رصد استخباراتى لما يحدث فى الجيش المصرى، وهناك تجاهل تام وانعدام للتحضير والاستعداد للحرب ضد المصريين.. وهنا أيضًا يتكرر التاريخ، ومرة ​​أخرى نفس الغطرسة والغرور واللامبالاة واللامسئولية الفظيعة، التى كانت من نصيب المستويات السياسية والعسكرية، التى أدت إلى الفشل الذريع فى قطاع غزة.
ويتطرق بريك إلى ما يحدث على الأراضى السورية، بقوله، تمت السيطرة على سوريا من قبل المتمردين المتطرفين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة.. ويحظون بدعم من الأتراك المعادين لإسرائيل.. وكان أردوغان قد صرح بالفعل بأنه سيدعم الحكومة الجديدة فى سوريا، ومن المفترض أنه سيزودها بالأسلحة فى السنوات المقبلة.. ويجب أن نأخذ فى الاعتبار، أنه خلال بضع سنوات، سوف تقف على حدودنا دولة سورية متطرفة «مثل طالبان»، وسوف تشكل تهديدات لإسرائيل أكثر خطورة بعشرات المرات من التهديدات التى كانت قائمة فى عهد نظام الأسد.. ولم تبدأ إسرائيل بأى استعدادات، وهى لا تبنى جيشًا قادرًا على مواجهة هذه التهديدات، ناهيك عن افتراضها أن المتمردين سيعملون ضدنا فى وقت واحد مع دول أخرى.
وفى الأردن يقول بريك إن 90% من السكان هم من السُّنة.. ومن ثم، هناك خطر أن يقوم الإيرانيون أو الجهاديون الذين احتلوا سوريا بإثارة ثورة الشعب ضد الحكم هناك.. إذا سقط الأردن فى أيديهم، فسنجد أنفسنا أمام دولة متطرفة أخرى تدعمها إيران أو تركيا، والجهاديون فى سوريا.. ويجب أن نتذكر أن هذه هى الحدود الشرقية لإسرائيل، التى يبلغ طولها خمسائة كيلو متر، من مرتفعات الجولان إلى إيلات، وليس لدينا حاليًا قوات قادرة على الدفاع عنها.. وقبل أشهر قليلة فقط، شعرنا أن المملكة العربية السعودية ستعقد تحالفًا مع الولايات المتحدة وإسرائيل، واليوم تخلت عن الولايات المتحدة وعنا حتى النهاية.. وهى مرتبطة حاليًا بتركيا، التى تشترى منها الطائرات، ومرتبطة بإيران ومحور الشر الذى يعمل ضدنا.
ولإعداد الدولة والجيش لمواجهة هذه التهديدات التى تواجهها دولة إسرائيل، كان يتعين علينا أن نشارك بعمق، فى إعداد الدولة والجيش ضدها.. إن مثل هذا الإعداد سوف يستغرق عدة سنوات، ولأسفى الشديد فإن القيادة السياسية والعسكرية الضعيفة لا تنظر إلى المستقبل على الإطلاق: لا توجد مناقشات حكومية وعسكرية حول هذه المسألة، ولا توجد رؤية أمنية استراتيجية للحاضر القريب والمستقبل، بل إنهم منخرطون فى إطفاء الحرائق وتضليل الرأى العام، من أجل الاستمرار فى البقاء!
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. أمين.