رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصراع على سوريا!

تؤكد الأحداث الدرامية الحالية نظرية الصراع على سوريا، وبالرجوع إلى التاريخ نجد ما يدعم هذه النظرية. ويشير عالِم السياسة اللبنانى جمال واكيم إلى هذا الأمر فى كتابه المهم الصادر فى عام ٢٠١٦ بعنوان: «أوراسيا والغرب والهيمنة على الشرق الأوسط»، ولخصوصية الوضع السورى يخصص له الفصل الأول من الكتاب، تحت عنوان لافت ودال هو: «الأبعاد الجيوسياسية للأزمة السورية».

بدايةً يرى جمال واكيم ارتباط الأزمة السورية بما يمر به العالم منذ ٢٠٠١ من تغيرات حادة، ودخول سوريا ميدان الصراع الدولى: «قُدر للأزمة التى اندلعت فى سوريا منذ بداية العام ٢٠١١ أن تأخذ أبعادًا متشعبة، وأضحت سوريا محور صراع بين قوى إقليمية ودولية، والبوتقة التى تشهد مخاض الانتقال من نظام عالمى أحادى القطبية تسيطر عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب».

من هنا يشير جمال واكيم إلى النفوذ الإيرانى فى سوريا ولبنان من خلال دعم نظام الأسد فى سوريا وحزب الله فى لبنان، ويرى أن هذا التحالف فى جوهره يحقق الحلم الإيرانى القديم فى التمدد غربًا تجاه شرق البحر المتوسط وأيضًا البحر الأحمر من خلال نظام الحوثى: «أتاحت هذه العلاقة التى ترقى إلى التحالف لإيران أن تكون لها نافذة على العالم العربى، وبوابة على شرق المتوسط، كذلك فإن علاقة إيران بالمقاومة الإسلامية فى لبنان أتاحت لها إطلالة على الصراع العربى الإسرائيلى».

ومن منظور جيوسياسى أيضًا يفسر المؤلف العلاقة الروسية السورية على النحو التالى: «نتيجة العلاقة الروسية بسوريا أصبحت لموسكو قاعدة بحرية على ضفاف شرق المتوسط وهو ما كانت الإمبراطورية الروسية تطمح له منذ القرن السابع عشر». كما يشير إلى أن الوجود الروسى فى سوريا هو أيضًا لمواجهة سيادة حلف الناتو فى المياه الشرقية.

ويؤكد المؤلف أهمية قوة إقليمية تلعب بشكل قوى فى الملف السورى، بل وفى شرق البحر المتوسط كله، وهى تركيا؛ إذ يبرز مقولة وزير الخارجية التركى السابق، ومُنَظِّر الاستراتيجية التركية فى المنطقة، داود أوغلو، إذ أعلن سابقًا: «أن الدفاع عن شرق الأناضول- تركيا- يقوم على خط يمتد من كركوك إلى الموصل- فى العراق- مرورًا بالرقة والقامشلى فى شمال سوريا».

والعامل الأهم فى الأزمة السورية، حتى لو كان من وراء ستار، هو الفاعل الأمريكى؛ إذ تحرص أمريكا على تأمين هذه المنطقة لصالح أمن حليفها الرئيس «إسرائيل». من هنا يتحدث المؤلف عن توظيف أمريكا لتركيا فى هذا الملف، وفى مسألة مواجهة النفوذ الروسى والإيرانى فى سوريا على وجه الخصوص، وشرق المتوسط على وجه العموم.

ويُنهى جمال واكيم هذا الفصل بإشارة مهمة إلى الهدف الاستراتيجى من التحرك الأمريكى فى الملف السورى، بالتعاون مع تركيا: «الأزمة السورية كانت فى جزء منها محاولة أمريكية وغربية لإغلاق المنفذ البحرى الوحيد المتاح لروسيا وإيران إلى شرق المتوسط». ربما يفسر هذا ما تداولته بعض وكالات الأنباء العالمية حول نقل روسيا الكثير من معداتها من قواعدها فى سوريا بعد سقوط دمشق، إلى قواعد أخرى فى شرق ليبيا.

ويبقى الصراع على سوريا، والذى أصبح الصراع على شرق البحر المتوسط.