فتور «مجلس حقوق الإنسان»
التفاعل الرسمى هذا العام مع الاحتفال باليوم العالمى لحقوق الإنسان، وإحياء ذكرى اعتماد «الإعلان العالمى» كان لافتًا، خاصة من مؤسستى الرئاسة والخارجية.
الملاحظة المهمة أن المجلس القومى لحقوق الإنسان كان صوته خافتًا بشكل ملحوظ هذا العام وخلال الأعوام الأربعة الماضية مع هذه الذكرى، رغم أنه الواجهة الرئيسة لمصر فى هذا الملف الحساس. الرئيس السيسى «وجّه باستمرار جهود الدولة لتعزيز حقوق الإنسان المصرى بمفهومها الشامل، من منطلق حرص الدولة على تحقيق ذلك، وبما يكفل للمواطنين المصريين حياة كريمة ومستقرة، ويضمن تمتعهم بحقوقهم، ويرسخ أسس المواطنة وسيادة القانون وعدم التمييز». وتحدث خلال جولته الأوروبية الأخيرة أكثر من مرة عن هذا الملف ورؤيته لماهية حقوق الإنسان، وكيف أن مصر ملتزمة بالمعايير الدولية.
وزارة الخارجية فى بياناتها الرسمية، أو من خلال تصريحات الوزير الدكتور بدر عبدالعاطى، أكدت نفس العناوين الرئيسية التى ركزت عليها مؤسسة الرئاسة.. وأضافت عليها أن المبادئ التى أقرها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تدخل فى صميم محاور «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى سبتمبر ٢٠٢١، لتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل. وأنها جرى إقرارها بمبادرة وطنية خالصة، واستنادًا إلى التزامات مصر الدستورية والدولية ذات الصلة، وهى الاستراتيجية التى يتشارك فيها مختلف الوزارات والجهات الوطنية.
نعود للمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى كان على عهد الرؤساء السابقين، الدكتور بطرس غالى والدكتور أحمد كمال أبوالمجد والوزير محمد فائق، كانوا يتعمدون إصدار تقرير «حالة حقوق الإنسان فى مصر» بالتواكب مع هذه الذكرى.
كان هذا التقرير، الذى تشارك فى إعداده وتجهيزه قيادات المنظمات الوطنية العاملة فى مجال حقوق الإنسان وقامات قانونية وسياسية، فرصة للحديث بصراحة وشكل توثيقى عن مفردات حقوق الإنسان ومدى الالتزام بها أو خرق بعضها هنا أو هناك. وكانت الحكومة بأجهزتها المختلفة غالبًا ما تتعامل بمرونة وسعة صدر مع التقرير والمناقشات الدائرة حوله، بل تعمل على تنفيذ بعض التوصيات.
وأتذكر أن الزملاء القائمين بتغطية ملف حقوق الإنسان، بمن فيهم الزملاء فى الصحف القومية، كانوا يتنافسون بشكل مهنى للحصول بشكل انفرادى على التقرير أو حتى جزء منه. وكان مسئولو الصحف يحرصون على نشر الموضوعات المنقولة عن التقرير فى منطقة بارزة وبمساحات معقولة.
التقرير لم يصدر منذ أربعة أعوام.. ولا أدرى السبب الجوهرى وراء ذلك. السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، لم تتحدث عن هذا الموضوع بشكل محدد. أتمنى أن تتعرض لذلك خلال الفترة المقبلة، وتشرح ما الأسباب الموضوعية التى تعطل صدور التقرير، وهل هى معوقات فنية فقط، أم أن هناك رغبة سياسية وراء ذلك؟!
كثيرون، وأنا من بينهم، تفاءلوا باختيار السفيرة مشيرة خطاب لهذا المنصب قبل ثلاث سنوات. سابقة خبراتها ونجاحاتها وعملها لسنوات طويلة فى الدبلوماسية المصرية ومع المنظمات الدولية المتخصصة، تؤهلها لشغل المنصب الذى جلس عليه من قبلها شخصيات وطنية عظيمة وتتمتع بالشعبية.
السفيرة «خطاب» نشيطة إلى حد كبير، والصفحة الرسمية للمجلس غنية بالبيانات والتصريحات، وتحركاتها هى وباقى قيادات المجلس. لكننى لاحظت أن التفاعل الإعلامى العام ضعيف للغاية مع المجلس خلال الفترة الأخيرة، ولا أدرى السبب وراء ذلك؟ كما أن اهتمام المجلس ينصب على القضايا والموضوعات التفصيلية والتفاعل مع الشكاوى، وليس مع القضايا الحيوية من عينة الحبس الاحتياطى والحريات العامة والأوضاع فى السجون، وغيرها.
لجان الحوار الوطنى والعفو الرئاسى، وتجمعات أخرى، أنجزت فى هذه القضايا بشكل أفضل وأكثر جرأة من المجلس القومى لحقوق الإنسان، والأهم أن الجهات العليا والحكومية تفاعلت مع توصياتها إلى حد كبير.
كما أن هناك ملاحظة أخرى؛ أن وزارة الخارجية تقدمت للأمام أكثر فى التعامل مع الهيئات الدولية العاملة فى مجال حقوق الإنسان، فيما تراجع دور المجلس. لكل هذه الأسباب، ولملاحظات موضوعية أخرى، قرر التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، خفض تصنيف المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر للفئة «ب»، وجاء هذا الإجراء بناءً على توصية من اللجنة الفرعية للتحالف.
دخلت على الصفحة الرسمية للتحالف، وبحثت عن أسباب خفض التصنيف بشكل عام للمنظمات المنضوية تحت قيادته، فوجدت أسبابًا موضوعية عديدة، وتحتاج إلى مقال آخر لشرحها، لكن المهم أنها ليست مسئولية مجلس حقوق الإنسان وحده، بل مسئولية جماعية للدولة بأجهزتها المختلفة.
نحن نعلن احترامنا لحقوق الإنسان، لكن هناك معايير والتزامات وطلبات أخرى للمجتمع الدولى علينا التفاعل معها قدر الإمكان.