رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روسيا تحذر مواطنيها من السفر إلى ليبيا.. ماذا وراء القرار؟

أصدرت وزارة الخارجية الروسية، الخميس، تحذيرًا جديدًا لمواطنيها بعدم السفر إلى ليبيا، وأرجعت هذا التحذير بسبب تصاعد التوترات العسكرية والسياسية هناك، وأكدت موسكو فى تحذيرها أن السفر لأغراض غير رسمية يشكل خطرًا كبيرًا، وهنا يبرز تساؤل مهم وهو: لماذا أصدرت موسكو هذا التحذير فى مثل هذا الوقت تحديدًا، وهل لسقوط نظام بشار الأسد فى سوريا يد فى مثل هذا القرار؟

السفارة الروسية فى ليبيا أصدرت هذا القرار بعد اعتقال أحد الأجهزة الأمنية الليبية مواطنًا روسيًا، متهمًا بالتورط فى تهديد النظام العام، و«خارجية الدبيبة» أكدت فى بيان رسمى لها أن ماحدث مع «الروسى» قانونى، وأشارت فى بيانها إلى أنه على صلة بجماعات وصفت بـ«المسلحة».

التحذير الروسى- هو فى الحقيقة- يعكس أبعادًا عدة للأوضاع المعقدة فى ليبيا، أولها الانفلات الأمنى فى الداخل الليبى والناتج عن صراع الميليشيات والجماعات المسلحة على سدة الحكم، وثانيها هو تغير دفة التوجهات الروسية فى ليبيا، والتى تحافظ على مصالحها الدبلوماسية والاستراتيجية هناك، والبعد الثالث هو محاولة موسكو البُعد عن التوترات الإقليمية التى قد تؤثر بشكل سلبى على نفوذها فى المنطقة، وعن احتمالية تكرار السيناريو السورى فى ليبيا فإن الحديث مطروح، خاصة أن هناك تشابهات بين الحالتين على المستويين الإقليمى والدولي.

سوريا كانت لاعبًا أساسيًا فى توازن القوى الإقليمية بفضل علاقتها مع روسيا وإيران، وهو ما يجعل سقوط بشار حدثًا مهمًا وجذريًا بخصوص التوازن فى الشرق الأوسط، وشهدت سوريا تدخلات واسعة من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة لقوى إقليمية، وساهمت هذه التدخلات فى تعقيد الأزمة وإطالتها، وبالرغم من تكرار نفس السيناريو مع ليبيا فإن التأثير الليبى فى الإقليم كان أقل من سوريا، لكن طبيعة التدخلات العسكرية والعلاقات المعقدة فى ليبيا تضفى غموضًا بالنسبة للمشهد هناك، ورغم تشابه الحالتين، فتكرار السيناريو السورى ليس حتميًا فى ليبيا، وقد تتخذ طرابلس مسارًا آخر عن دمشق.

وفى ليبيا، فالساحة مهيأة- أكثر من أى وقت مضى- لاندلاع مناوشات جديدة بين أبناء البلد الواحد، نتيجة لما يحدث إقليميًا ودوليًا، فالصراع الدائر بين المؤسسات يتصاعد خاصة بين حكومتى الشرق والغرب من جهة، والمجلس الرئاسى والنواب من جهة أخرى، بالإضافة للانقسامات الداخلية بالمجلس الأعلى للدولة.

وعلى الجانب الآخر، فروسيا ترى أن تراجع نفوذها فى سوريا بعد سقوط الأسد قد يدفعها لتعزيزه فى ليبيا لضمان وجودها واستمرار نفوذها فى المنطقة، خاصة مع قرب تولى الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب حكم الولايات المتحدة فى يناير، ورحيل إدارة جو بايدن، وتصعيد التوترات فى ليبيا.

التوترات حول النفوذ العسكرى الروسى فى ليبيا تزداد يومًا عن الآخر، فنفوذ موسكو فى ليبيا يزيد من الضغوط على الولايات المتحدة وحلفائها لاحتواء التحرك الروسي، ودعم قوى إقليمية أمام روسيا يمثل إحدى أهم أدوات المعسكر الغربى لتحجيم النفوذ الروسى.

التحركات الدبلوماسية الأمريكية كذلك فى ليبيا تتصاعد فى الآونة الأخيرة لتقليص نفوذ «بوتين» المتنامى هناك، خاصة مع سعى الدب الروسى لاستخدام الأراضى الليبية كقاعدة عسكرية له، وهو ما أثار قلق وحفيظة واشنطن التى ترى أن ليبيا مفتاح للجنوب الإفريقى.

النفوذ الروسى فى القارة السمراء، دفع الولايات المتحدة لتكثيف وجودها فى ليبيا، فالرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جو بايدن طلب من الكونجرس تخصيص على ما يقرب من 57.2 مليون دولار ضمن موازنة 2025 لاستئناف الوجود الأمريكى فى ليبيا وتعزيز قدراتها على مواجهة «بوتين» فى «أرض المختار».

الولايات المتحدة تتخذ نهجًا جديدًا يركز على الجنوب الليبى، هذه الخطوة تهدف بشكل مباشر لتقليص النفوذ الروسى المتزايد فى إفريقيا الذى يعتمد الآن على الأراضى الليبية عقب سقوط «الأسد» فى سوريا، وتستغل الولايات المتحدة ما يحدث فى الجنوب الليبى من تهميش لمحاولة السيطرة على المنطقة، وتسويق نفسها كقوة مؤثرة، وكذلك السيطرة على منابع النفط والحدود الجنوبية، وتحجيم النفوذ الروسى فى هذه المنطقة، وهو ما تقابله موسكو بمحاولات مستميتة لنقل قواعدها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لزيادة نفوذها والسيطرة على التوسع الأمريكى.