رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عملية إجرامية.. كيف دمرت إسرائيل الجيش السورى فى 48 ساعة؟

الجيش السورى
الجيش السورى

لأول مرة منذ أكثر من ٥٠ عامًا، تمكن جيش الاحتلال الإسرائيلى من دخول منطقة «جبل الشيخ»، وهى المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، فى الجولان السورية المحتلة، وسيطرت على المواقع الاستيطانية التى تركها الجيش السورى، دون أى مقاومة تذكر، لتدخل قوات الاحتلال بريًا دون إطلاق طلقة واحدة. 

وفى الوقت الذى كانت سوريا تعانى فيه حربًا أهلية طاحنة بدأت عام ٢٠١١، لم يكن أحد يتوقع أن تكون إسرائيل جاهزة بالفعل لتوجيه ضربة مدمرة للجيش الوطنى السورى، لكنها كانت تنتظر اللحظة التى ينهار فيه النظام السورى أمام هجوم جماعات المعارضة. 

عملية «سهم باشان»،التى نفذتها إسرائيل على مدار الأيام الماضية ضد الجيش السورى، ليست مجرد تصعيد عسكرى وليد اللحظة، بل خطوة مدروسة تستند إلى خطط قد أعدت مسبقًا منذ أكثر من عقد، وأصبحت جاهزة تمامًا.

وركز الهجوم الإسرائيلى، ضمن سلسلة من الهجمات العسكرية المدروسة، على تقويض قدرات الجيش الوطنى السورى على مختلف الأصعدة، مستفيدًا من الظروف السياسية فى المنطقة.

الخطة جاهزة منذ عام 2011.. والتنفيذ ارتبط بسقوط النظام وسيطرة الفصائل المسلحة

تعد عملية «سهم باشان» واحدة من أضخم العمليات العسكرية التى نفذها الجيش الإسرائيلى، لا سيما فى سوريا، تلك الخطة المجهزة منذ عام ٢٠١١، لتكون خطوة مسبقة للتعامل مع تدهور الأوضاع داخل سوريا فى ظل الاقتتال الذى شهدته على مدار الـ١٣ عامًا الماضية. 

وحسب ما كشفته صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، فالهدف الأساسى لإسرائيل من خطة «سهم باشان» كان تقويض قدرات الجيش السورى الاستراتيجية وتدمير أهم منصاته العسكرية، سواء كانت جوية أو بحرية أو أرضية. 

ومنذ بداية العام الجارى، كانت إسرائيل، التى تراقب الوضع عن كثب، قد نشرت قواتها فى الجولان السورية المحتلة، قرب المنطقة العازلة بين الجانبين السورى والإسرائيلى. 

وفى نفس الوقت، كان الجيش الإسرائيلى يعمل على جمع معلومات استخباراتية بشكل مكثف حول تحركات الأسلحة السورية وجماعات المعارضة، وعندما بدأت الأخيرة فى تعزيز وجودها والسيطرة على العاصمة «دمشق» وانهار نظام الرئيس السورى بشار الأسد، وانسحبت قوات الجيش السورى من كل مناطق جمهوريته، أصبحت الأوضاع مناسبة لإسرائيل من أجل تنفيذ عمليتها. 

ووافق المجلس الوزارى الأمنى المصغر فى إسرائيل «الكابينت»، فى اجتماعه، السبت الماضى، على تنفيذ العملية «سهم باشان» التى تتضمن تحقيق السيطرة على المنطقة العازلة فى هضبة الجولان، وتوجيه ضربات شديدة لسلاح الجو السورى وقدرات استراتيجية أخرى، وكذلك تنفيذ هجوم ساحق بواسطة سلاح البحرية الإسرائيلى ضد البحرية السورية. 

وتضمنت العملية تدمير الصواريخ «أرض- جو» و«أرض- أرض»، والطائرات المروحية والمقاتلات، وكذلك السفن، فيما عملت أربع فرق قتال عسكرية إسرائيلية تحت قيادة الفرقة ٢١٠ فى مهام هجومية فى الجولان وفى جبل الشيخ السوريين. 

وتمكنت تلك القوات الإسرائيلية من مصادرة أسلحة ودبابات جرى نقلها إلى إسرائيل، إضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات، وألغام وعبوات ناسفة.

وأعلن المتحدث الرسمى للجيش الإسرائيلى، الأربعاء الماضى، عن أن الأربع فرق القتالية الإسرائيلية تتضمن قوات مشاة وكوماندوز وهندسة ومدرعات ووحدة تفكيك المتفجرات «ياهالوم» وقوات مراقبة، والتى تعمل فى مهمة الدفاع الأمامية بقيادة الفرقة ٢١٠. 

وتستمر قوات فريق القتال ٤٧٤ فى الجيش الإسرائيلى فى العمل بنقاط استراتيجية فى المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، بعد أن أعادت الأخيرة احتلالها. 

وحسب الجيش الإسرائيلى، تعمل القوات ضد التهديدات على خط الحدود، وخلال عمليات المسح عثرت القوات وصادرت عددًا من الدبابات السورية غير المستخدمة. 

فى السياق ذاته، نفذت قوات لواء «الجبال- ههاريم ٨١٠»، ومقاتلو وحدة «شيلداغ» لدى الجيش الإسرائيلى، عملية عسكرية فى جبل الشيخ السورى الواقع ضمن المنطقة العازلة، وخلالها عثرت القوات الإسرائيلية على موقع عسكرى سورى، وصادرت ألغامًا وعبوات ناسفة وصواريخ مضادة للدبابات ومعدات عسكرية إضافية.

وتعمل قوات فريق القتال المظليين الإسرائيلية على إزالة التهديدات فى المنطقة العازلة، بينما تنفذ قوات فريق الكوماندوز عمليات مركزة باستخدام وسائل خاصة.

وبدأت الهجمات الإسرائيلية ضد الجيش السورى تتركز على تدمير الدفاعات الجوية السورية منذ أواخر عام ٢٠٢٣، وفى بداية عام ٢٠٢٤، قالت بعض المصادر إن إسرائيل تخلت عن قواعد اللعبة، وإن قواتها الآن تتصرف بلا مبالاة، وأصبحت غاراتها تقصف كل مكان داخل سوريا بشكل مباشر، حسبما نشرت وكالة «رويترز» البريطانية فى يناير الماضى. 

وخلال اليومين الماضيين، شن الجيش الإسرائيلى مئات الغارات على كل أنحاء سوريا، وكان الهدف الرئيس لهذه الهجمات هو تدمير قدرات الجيش السورى الجوية، بما فى ذلك الطائرات المقاتلة من طرازى «ميج» و«سوخوى»، التى كانت تشكل أحد أوجه القوة العسكرية السورية.

وفى إطار عملية «سهم باشان»، دمرت ٣٥٩ طائرة مقاتلة إسرائيلية ذخائر وأسلحة تابعة للجيش السورى، حسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، وهو ما أكده الجيش الإسرائيلى، موضحًا أن التقديرات لديه تشير إلى أن بين ٧٠٪ و٨٠٪ من القدرات الاستراتيجية للجيش السورى قد جرى إضعافها، بل وتدميرها بالفعل. 

وفى إطار العملية، نفذت إسرائيل سلسلة من الهجمات باستخدام الطائرات المقاتلة، حيث دمرت عددًا من القواعد الجوية السورية، بما فى ذلك أسراب كاملة من الطائرات المقاتلة التى كان يمتلكها الجيش السورى. 

وهذه المرة كانت الهجمات الإسرائيلية شاملة بشكل غير مسبوق، وكانت تستهدف منظومات الدفاع الجوى المتقدمة فى سوريا، مثل بطاريات الصواريخ «أرض-جو» التى كانت قد أُعيد تحديثها من قبل روسيا.

وجرى تدمير ٣٢٠ هدفًا استراتيجيًا للجيش السورى، بحوالى ٤٨٠ غارة جوية. وحسب تقارير عسكرية إسرائيلية، فقد شملت الهجمات: طائرات وصواريخ بحرية وصواريخ قصيرة المدى وصواريخ «أرض- أرض» وطائرات «ميج ٢٩» وطائرات مقاتلة ومواقع إنتاج أسلحة وذخائر ومخازن وصواريخ «سكود» وصواريخ «كروز» ورادارات ودبابات متطورة وأسلحة متقدمة، وبعضًا من الأسلحة الكيميائية التى كانت لا تزال موجودة فى سوريا.

تدمير طائرات ميج وسوخوى لشل القوات الجوية السورية بشكل كامل.. والقضاء على «المنظومة البحرية»

كان من أحد أبرز أهداف عملية «سهم باشان» تدمير سلاح الجو السورى، وكانت طائرات «ميج» و«سوخوى»، التى كانت فى حوزة الجيش السورى، من أبرز الأهداف التى تعرضت للدمار، خاصة أن هذه الطائرات كانت تشكل العمود الفقرى للقوة الجوية السورية، وتدميرها يعنى شل قدرة سلاح الجو السورى على تنفيذ أى هجوم مضاد. 

ونفذ الجيش الإسرائيلى مئات الغارات بالطائرات المقاتلة فى أقل من ٤٨ ساعة فقط، وكان من بين أهدافها أسراب كاملة من طائرات «ميج» و«سوخوى».

وتشير التقديرات إلى أن الغارات الإسرائيلية استهدفت أنظمة الرادار التابعة للجيش السورى، ومنها موقعان للرادار على مشارف مدينة اللاذقية على البحر المتوسط، حيث تتواجد القوات الروسية، كما استهدفت الضربات الإسرائيلية مواقع أثرية.

وفى ذلك السياق، قال مسئول أمنى إسرائيلى، لإذاعة «راديو الجيش الإسرائيلى»، إن هذه واحدة من أكبر العمليات الهجومية فى تاريخ سلاح الجو لدى تل أبيب. 

من جانبها، أكدت مصادر أمنية فى سوريا، لوكالة «رويترز»، أن إسرائيل هاجمت عدة قواعد جوية فى كل أنحاء سوريا، ودمرت البنية التحتية وعشرات المروحيات والطائرات، وشملت الهجمات أهدافًا فى العمق مرتبطة بإنتاج الأسلحة الكيميائية فى منطقة «برزة»، إضافة إلى تدمير مطار المزة السورى العسكرى، وأيضًا مطار دمشق. 

إضافة إلى ذلك، دمر الجيش الإسرائيلى مواقع الدفاع الجوى السورى بشكل منهجى، حيث جرى القضاء على العديد من بطاريات الصواريخ المتقدمة، مثل صواريخ «بوك» و«بانتسير» التى كان يمكنها تهديد الطائرات الإسرائيلية.

وكانت الأهداف تشمل، أيضًا، مصانع الدفاع العسكرية والمراكز البحثية العلمية فى منطقة حلب، والمركز الوطنى للبحوث العلمية فى منطقة جمرايا قرب دمشق. 

وأصبح سلاح الجو السورى شبه مدمر كليًا، ووفقًا للتقديرات المختلفة لا يمكن استبعاد أن سلاح الجو السورى سيجرى تدميره بشكل عملى من قبل الجيش الإسرائيلى فى غضون أيام قليلة، وربما ساعات. 

وأحد الأهداف الاستراتيجية الكبرى فى عملية «سهم باشان»، أيضًا، تدمير البحرية السورية، فقد هاجم الجيش الإسرائيلى موانئ سورية عدة، من بينها ميناء اللاذقية، الذى كان يحتوى على العديد من السفن الحربية السورية. واستهدفت الطائرات الإسرائيلية السفن الحربية السورية التى كانت تحمل صواريخ «بحر- بحر»، ما أدى إلى تدمير العديد من السفن وأسلحتها.

إضافة لذلك، هاجم سلاح البحرية الإسرائيلى ١٥ سفينة سورية، وقوارب أخرى كانت تحمل صواريخ «بحر- بحر» فى موقعين مختلفين.

وفى إطار العمليات العسكرية، احتلت إسرائيل مناطق استراتيجية داخل الأراضى السورية، واستولت على بعض المواقع العسكرية السورية فى المنطقة العازلة، وهى المنطقة التى كانت تشهد بين الحين والآخر نشاطًا عسكريًا. 

وصادرت القوات الإسرائيلية العديد من المعدات العسكرية السورية، بما فى ذلك دبابات وصواريخ مضادة للدبابات وألغام وعبوات ناسفة، والتى كان قد تركها الجيش السورى على عجل عند انسحابه.

ويوم الإثنين الماضى، عبرت قوات الجيش الإسرائيلى الحدود مع سوريا، واحتلت منطقة جبل الشيخ، للمرة الأولى منذ أكثر من ٥٠ عامًا، تحديدًا منذ حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، حيث احتلها مقاتلو وحدة كوماندوز تابعة لسلاح الجو، كجزء من عملية تهدف إلى إحكام قبضة الجيش الإسرائيلى على المنطقة.

وقال مسئولان أمنيان إقليميان ومسئول أمنى سورى، لـ«رويترز»، إن قوات الجيش الإسرائيلى موجودة بالفعل على بعد ٢٥ كيلومترًا من العاصمة السورية دمشق. وأكد المصدر السورى أن الجيش الإسرائيلى وصل إلى بلدة قطنا، الواقعة على بعد ١٠ كيلومترات داخل الأراضى السورية شرق المنطقة العازلة.