«ملتقى الأراجوز».. هل نستعيد أمجاد «الفن الذى لا يكبر»؟
انطلق ملتقى «الأراجوز» والعرائس التقليدية فى دورته السادسة، الأسبوع الماضى، والذى يقيمه المركز القومى لثقافة الطفل، برئاسة الباحث الدكتور أحمد عبدالعليم.
وسعدت بحضور افتتاح الملتقى، فى الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب، الذى تضمن العديد من الفعاليات، وسط إقبال جماهيرى كبير من أهالى وأطفال المنطقة، حتى إننى تساءلت فى مواجهة هذا الحماس: هل تعود إلى فن «الأراجوز» أمجاده؟
فن «الأراجوز»، أو «ملك العرائس»، كما يطلقون عليه، ومن منا لم يتعلق فى طفولته بالأراجوز وما زال؟ فهذا الطفل الذى لا يكبر بداخلنا يتعلق بدمية لا تكبر أيضًا اسمها «الأراجوز»، دمية صغيرة بصوت وأداء طفولى، أو فلنقل فطرى، مزاجها شعبى، لا تتودد ولا تتردد فى ضرب من يضايقها بعصاها أو بلسانها اللاذع، بأيهما أو كليهما. وهذا ما جعلها أداة للنقد السياسى فى العديد من العصور والعديد من الثقافات.
وكلمة «أراجوز» أصلها تركى «قره قوز»، أى «ذو العين السوداء»، ربما للدلالة على حدته. وينتمى «الأراجوز» إلى فنون العرائس، وتحديدًا عرائس القفاز، أى التى يرتديها لاعب العرائس فى يديه كقفاز، ويتحكم فى تحريكها عن طريق اليد. ويستطيع اللاعب أن يحرك رأس الدمية بإصبع السبابة. وتختفى يد اللاعب كاملة داخل جلباب «الأراجوز».
وتؤدى مشاهد «الأراجوز» فى الغالب خلف «برافان» مستطيل يحجب اللاعب عن المتفرجين. ودمية «الأراجوز» حادة الملامح والصوت، ويصدر هذا الصوت الأقرب إلى صافرة عبر آلة تدعى «الأمانة»، تُصنَع وتُنحَت ويضعها لاعب «الأراجوز» فى فمه، ليمر الصوت عبرها خارجًا على هذا النحو.
وبالنسبة لملتقى «الأراجوز» والعرائس التقليدية فقد تأسس عام ٢٠١٩، بعد عام من نجاح وزارة الثقافة فى إدراج ملف الدمى اليدوية التقليدية «الأراجوز» ضمن قائمة الصون العاجل للتراث الثقافى غير المادى فى منظمة «يونسكو». وهذه القائمة لمن لا يعرف تُدرج فيها العناصر الثقافية التراثية المهددة بالاندثار، والتى تحتاج إلى إجراءات صون عاجلة، للحفاظ على الكنوز البشرية الباقية من مدربين ولاعبين ومصنعين لـ«الأراجوز»، ودعمهم ومساعدتهم فى نقل خبراتهم إلى أجيال قادمة.
وتضمن حفل افتتاح الملتقى بعض الفقرات الفنية، وهى نتاج ورش ومشاريع أقامها المركز القومى لثقافة الطفل على مدار العام من أجل تنشيط وصون فن «الأراجوز»، ومنها عرض غنائى لفريق كورال «سلام» بقيادة المايسترو وائل عوض، تضمن أغنية «تع تع»، التى كُتبت خصيصًا للدورة السادسة من الملتقى، من قبل الشاعر أحمد زيدان، وتدعو الجمهور للفرجة والاستمتاع بفن «الأراجوز»، وهى ألحان وتوزيع وائل عوض.
تلى ذلك استعراض قدمته فرقة «بنات وبس» على أنغام أغنية «أراجوز المدارس»، من تدريب مصمم الاستعراضات عبدالرحمن أوسكار. هذا إلى جانب عرض لخريجى ورشة «الأراجوز»، الذين دربهم الفنان ناصر عبدالتواب، أحد أهم شيوخ هذا الفن الباقين. وأظهر المتدربون مهارات كبيرة فى تحريك دمية «الأراجوز» واستخدام «الأمانة» والارتجال، والأخير هذا عنصر أساسى لدى لاعب «الأراجوز». وبعدها قُدم العرض الفائز فى مسابقة «نمر أراجوزية»، التى أقامها مركز ثقافة الطفل، قبل أن يكون الختام مع عرض «حكايات عمو ناصر وتيتا توتة» لمؤسسة «الشكمجية»، من إخراج أميرة شوقى.
سعدت كثيرًا بهذا الحراك والمحاولات الحثيثة للحفاظ على تراثنا. كما سعدت بحماس أطفال ونشء وشباب صغير لتعلم فن «الأراجوز»، وهم من جيل لم تختزن ذاكرته البصرية ما اختزنته ذاكرتنا من ذكريات مع هذا الفن، جيل مأخوذ بالتكنولوجيا ونداهة «السوشيال ميديا».
تذكرت العم صابر مصرى، شيخ لاعبى «الأراجوز»، الذى رحل فى ٢٠١٩ تاركًا تلاميذه المخلصين، ومنهم الفنان ناصر عبدالتواب، ينقلون «الأمانة» جيلًا بعد جيل بدأب وتفانٍ، بإخلاص عاشق صوفى، كما وصفهم الدكتور نبيل بهجت، وهو أحد حراس فن «الأراجوز» وخيال الظل، ومن المشاركين فى إعداد ملف الأراجوز الذى قُدم إلى «يونسكو».
فى إحدى كتابات الدكتور نبيل بهجت يصف عم صابر المصرى قائلًا: «فى صحبة العم صابر تشعر أنك فى حضرة عشق صوفى، هو إمام الفرح فيها، سألته عن شعوره بالضحكات التى تنهمر عليه ولا يراها، فأجاب: قلبى يراها، ولسان حاله يقول: قلوب العاشقين لها عيون.. ترى ما لا يراه الناظرون».
وبالعودة إلى الوراء، ربما لا يعرف كثيرون أن الفنان و«المونولوجست» العبقرى محمود شكوكو هو الفنان المصرى الأصيل الذى كان له الدور الأهم فى نقل فن «الأراجوز» من المناطق الشعبية إلى السينما والتليفزيون والحفلات الجماهيرية. كان «شكوكو» يحاكى فى ملابسه شكل «الأراجوز»، عبر جلبابه والطرطور الذى كان يرتديه، حتى تداول الناس عروسة شعبية على شاكلته «عروسة شكوكو»، كانت تُباع بتعريفة فى الشوارع. وكان يستخدم هذا الفن على نحو استعارى فى مقاومة الإنجليز، كما فعل فى فيلمه «عنتر ولبلب».
اُستخدم «الأراجوز» وظهر فى العديد من الأعمال الفنية وربما لا ننسى منها أوبريت «الليلة الكبيرة»، وفيلم «الأراجوز» عام ١٩٨٩، فكرة وإخراج هانى لاشين، وبطولة: عمر الشريف وميرفت أمين، والذى صمم وصنع عرائسه ومثل دور «الأراجوز» فيه فنان العرائس هشام جاد.
وفى هذا الفيلم استمتعنا بالأغنية الشهيرة التى أبدعت فى وصف «الأراجوز»، من كلمات الشاعر سيد حجاب، وتلحين عمار الشريعى، وغناء النجم العالمى عمر الشريف، وتقول كلماتها:
أراجوز.. أراجوز.. إنما فنان... فنان.. أيوه.. إنما أراجوز... ويجوز يا زمان أنا كنت زمان... غاوى الأرجزة طيارى.. يجوز.. إنما لما الكيف بقى إدمان... باجى أبص لشىء واحد أرى.. جوز... أرى إيه؟ أرى إيه؟ أرى أرى أراجوز...